تجربة شخصيّة مع سرطان الثدي
نظرة المجتمع تفرض على مريضة سرطان الثدي أن تختبئ وتخفي عن الكل حقيقة ما تعانيه وأن تتحمّل وحدها عبء المرض والعلاج مع ما ينتج عنهما من مضاعفات نفسية وجسدية لديها. لكن هذه المرة، وبعد صمت طوال الفترة التي عاشت فيها ماغي ياني تجربة المرض، قررت أن تتكلّم وتعلن للمرة الأولى عمّا عانته في حديث مع «لها». طوال فترة المرض، فضّلت أن تبقى قوية بنظر الكل، كما كانت دائماً. لم تشأ أن ينظر إليها أحد بشفقة، كما لو كانت ضعيفة ومنكسرة. لذلك، أرادت أن تعاني بصمت، فعاشت حالة من الاكتئاب إلى أن وقفت على قدميها مجدداً وقررت أن يعرف الكل من خلال هذه السطور ما تحمّلته طوال فترة المرض، وهذا أكبر دليل على شفائها الجسدي والنفسي من المرض.
- هل كانت المرة الأولى التي تجرين فيها الصورة الشعاعية عندما اكتشفت إصابتك بسرطان الثدي؟
كنت أجري الصورة الشعاعية للثدي كالمعتاد في كل سنة وبانتظام عندما ظهر لدي ورم. لم تكن إصابتي بالسرطان أكيدة بل كان لدى الطبيب شك بالموضوع. قصدت طبيبي عندها وتأكدت من وجود ورم في الثدي.
- هل كنت تجرين الفحص الذاتي الشهري إلى جانب الصورة الشعاعية؟
لم أكن أجري الفحص الذاتي الشهري بل أكتفي بالصورة الشعاعية . لكن في كل الحالات كانت الدملة عريضة لا يستطيع الطبيب حتى اكتشافها بالفحص العادي.
- هل كنت خائفة من الصورة الشعاعية؟
كنت أجريها كالمعتاد، وقد أعيدت الصورة للتأكد من وجود الورم، عندها بدأت أخاف، خصوصاً أنه اعتمدت آلة أخرى للتأكد من النتيجة.
- هل من حالات سرطان ثدي في العائلة؟
كانت عمتي قد أصيبت بسرطان الثدي. لكني لم أفكر يوماً بأني قد أصاب مثلها بل كنت أجري الصورة الشعاعية بانتظام لأن هذا ضروري دون أن أفكر بالعامل الوراثي.
- هل شكّل الخبر صدمة لك؟
كنت قوية من البداية. عندما خضعت للصورة الشعاعية شعرت بأني قد اكون مصابة بالمرض. حضرت نفسي لتلقي الخبر. حاول الطبيب أن يخفف من وقع خبر علي لكني طلبت منه أن يكون واضحاً من البداية لأني أعرف الكثير عن الموضوع، فأنا أقرأ وأتابع.
- هل أجريت جراحة لاستئصال الثدي؟
أخبرني الطبيب أنه يجب أن أخضع لعملية لأخذ خزعة من الثدي مشيراً إلى أن الورم قد يكون حميداً. عندها أصررت عليه ألا يحاول إخفاء الحقيقة عني وأن يخبرني مباشرةً ما إذا كان الورم حميداً أو خبيثاً. لكنه أكد لي أنه إذا كان الورم حميداً سأخرج بسرعة من العملية وستكون مدتها أطول إذا كان خبيثاً. وعندما خرجت من العملية ونظرت إلى الساعة وجدت أن الوقت قد مر وعرفت أن الورم خبيث. علماً أني كنت قد طلبت من الطبيب ألا يخضعني لعمليتين، فإذا كانت ثمة حاجة لاستئصال الورم إذا اكتشف أن الورم خبيث، فمن الأفضل أن يجريها في عملية واحدة.
- يبدو أنك كنت قوية في مواجهة المرض، هل كنت كذلك فعلاً من الداخل؟
كنت فعلاً قوية في البداية وأحاول أن أبقى كذلك. وأنا أرتاح فعلاً عندما أتحدث بالموضوع بوضوح وعندما أعرف الحقيقة عن وضعي بشكل واضح. صحيح أني كنت أشعر بعدم ارتياح في العملية، وهو أمر طبيعي، لكني بدأت أفكر بالموضوع وظهرت ردة فعلي عندما عدت إلى المنزل . بصراحة، أنا أبدو قوية جداً في الظاهر وأتعاطى مع الكل على هذا الأساس، لكني حساسة جداً من الداخل وحنونة. لكن أحب أن أبدو قوية دائماً أمام الكل.
- حتى لحظة خروجك من العملية، لم تكوني قد عرفت عن العلاج الذي تخضعين له، ألم تخافي من هذا الموضوع؟
ما أن خرجت من العملية، كان السؤال الذي طرحته على الطبيب مباشرةً هو ما إذا كنت سأخضع للعلاج الكيميائي. طمأنني أولاً قائلاً إنه لم يتم استئصال الثدي بل إن الورم كان في بدايته وتم تنظيف الموضع المصاب فقط. وأضاف أنه سيحدد حاجتي لإجراء العلاج الكيميائي بحسب نتيجة الخزعة. زرت الطبيب لاحقاً وأخبرني باني سأخضع للعلاج. عندها حزنت كثيراً وأصابني الاكتئاب.
- هل كانت رحلتك مع العلاج الكيميائي طويلة؟
خضعت إلى 6 جلسات من العلاج الكيميائي تلاها شهر من العلاج الشعاعي.
- من كان يرافقك إلى جلسات العلاج؟
وقفت صديقاتي إلى جانبي طوال الوقت. كن يرافقنني في كل جلسة وشقيقاتي أيضاً عدن من السفر خصيصاً من أجلي وكن يرافقنني أيضاً إلى الجلسات. كنا نذهب كمجموعة.
- إلى أي مدى كانت جلسات العلاج الكيميائي صعبة؟
شعرت بالانزعاج من الجلسة الأولى. لكن بعد 3 جلسات تعب جسمي من الاكتئاب أكثر منه من العلاج نفسه. فبعد الجلسة الأولى مباشرةً بدأ شعري بالتساقط، وهذا أكثر ما أثر فيّ. ربطت شعري وكنت منهارة تماماً وقد وصف لي الطبيب حقن من المورفين لأهدأ . لم أتقبل فكرة تساقط شعري أبداً. طلب مني الطبيب عندها أن أقص شعري وأن أضع شعراً مستعاراً. ذهبت عندها إلى مزين الشعر الخاص للشعر المستعار لكني كنت عاجزة عن تقبّل فكرة أن أحلق شعري. عندها وضعني المزين في غرفة خاصة دون مرآة وحلق لي شعري ووضع لي شعراً مستعاراً .
- هل تقبلت فكرة وضع الشعر المستعار بسهولة؟
لأنني لم أتقبّل فكرة وضع الشعر المستعار، قام المزين بلصق الشعر وطلب مني أن أزوره مرتين في الأسبوع ليغسله. بهذه الطريقة لم أرَ نفسي دون شعر، خصوصاً أن المسألة جعلتني أصاب بالاكتئاب. وكانت صديقتي ترافقني إلى المزين. ولم يعرف أحد أني أضع الشعر المستعار لأن الشعر الذي وضعته كان طبيعياً جداً. وشخصياً لم أرى نفسي يوماً دون شعر، بل كنت أرَ نفسي في المرآة دائماً بالشعر المستعار.
- ماذا عن حاجبيك ورموشك؟
أجريت وشماً (تاتو) لحاجبيّ قبل أن أبدأ بالعلاج حتى يبدو شكلي طبيعياً.
- ألم تتأثري بنتيجة العملية التي أجريت لثديك؟
لم أكن أنظر أبداً إلى جسمي. ولم أنظر إليه إلا من فترة قصيرة. هذا مع الإشارة إلى أن الشكل لم يتأثر كثيراً لأن المرض كان في بدايته ولم يستأصل الثدي بالكامل.
- إلى أي مدى لعب المحيط دوراً في التخفيف عنك في هذه الظروف؟
في الواقع، لم يعرف عن مرضي أحد باستثناء الأشخاص المقرّبين مني وأهلي. شقيقاتي وصديقاتي وقفن إلى جانبي طوال الوقت، وقدمن لي الكثير من الدعم وخففن عني بشكل لم أتوقعه.
- ألم يكن من الأفضل أن تتحدثي عن الموضوع حتى ترتاحي؟
لم أخبر أحداً عن مرضي لأني لم أكن أريد شفقة من أحداً. أنا قوية بنظر الكل ولا أريد أن ينظر إلي أحد بغير هذه الصورة كما لو كنت ضعيفة. وحتى الآن لا يعرف أحد عن مرضي، وأردت أن أعلن عن الموضوع من خلال مجلتكم.
- هل كنت تخافين من الموت وتفكرين في المستقبل في فترة العلاج؟
لم اكن أفكر أبداً في المستقبل. حتى أن طبيبي كان متفاجئاً بالطريقة التي أتعاطى بها مع الموضوع. لم أفكر يوماً في المرض بل كان همّي الأساسي ما يحصل معي ومدى تأثر شكلي.
- كيف تبدّلت نظرتك إلى الحياة بعد هذه التجربة؟
أشعر الآن أن الحياة أجمل بكثير. لم أكن أرى الطبيعة جميلة إلى هذه الدرجة في السابق. ولم أكن أرى المظاهر الطبيعية جميلة إلى هذا الحد. كما أني حالياً، لم أعد أفكر في الغد بل في اليوم الذي أعيشه فقط.
- هل أنهيت كل مراحل العلاج؟
حالياً أخضع للعلاج بالأدوية خلال خمس سنوات، كما يحصل عادةً في حالات سرطان الثدي. كما أخضع للفحوص بانتظام. لكني ما زلت أخاف من الفحوص في كل مرة أقوم بها.
- هل خذلك أحد في هذه الفترة؟
وقف كل من أخبرتهم إلى جانبي وساندوني بشكل لم أتوقّعه. كنت أعرف أنهم يحبونني لكن ليس إلى هذا الحد. وأشكرهم كلّهم على دعمهم لي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024