تجربة شخصيّة مع سرطان الثدي...
كل لقاء مع امرأة مرت بتجربة سرطان الثدي يبدو مختلفاً عما سبقه. كذلك، تجربة السيدة سوزان حافظ لا تشبه مثيلاتها. فإصابتها بالمرض في سن مبكرة دون سابق إنذار وبغياب أي حالات في العائلة، وحتى اكتشافها المرض بالصدفة فيما كانت ترافق إحدى صديقاتها الأكبر سناً لإجراء الصورة الشعاعية، كل ذلك يعطي صورة واضحة عن خبث المرض الذي قد يصيب أياً كان دون سابق إنذار. اكتشاف المرض بالصدفة كان لمصلحة سوزان إذ تمكنت من معالجته في أولى مراحله. تغلّبت عليه بفضل دعم المحيطين ووجود العائلة والأصدقاء إلى جانبها طوال الوقت، بمن فيهم زوجها الطبيب النفسي الذي كان لها رفيقاً وزوجاً وطبيباً، فلم تشعر يوماً أنها مريضة ولم تسمح لأعراض العلاج بالتغلّب عليها. اليوم، بعد مرور سنة على انتهاء جلسات العلاج الكيميائي، بدت في غاية النشاط وسعيدة بالحياة وتستفيد من كل لحظة تعيشها. ونصيحتها الذهبية لكل امرأة تمر بمثل تجربتها بأن تتحدث عن مرضها دون خجل لأنها بذلك تتغلّب عليه.
- كنت في سن مبكرة عندما اكتشفت إصابتك بسرطان الثدي، كيف تم ذلك؟
اكتشفت إصابتي فعلاً بالصدفة. إذ لم ينصحني الطبيب بإجراء الصورة الشعاعية ولم تكن المسالة واردة لأني كنت في سن 36 سنة. في أحد الأيام أخبرتني إحدى صديقاتي الأكبر مني سناً أنها ذاهبة لإجراء الصورة الشعاعية. قررت مرافقتها وإجراء الصورة معها لمجرد التسلية. كان الأمر أشبه بمزحة لي.
- هل عرفت مباشرةً أنك مصابة؟
حاول الاختصاصي أن يخبرني بالأمر شيئاً فشيئاً لكني لم أستوعب الفكرة لأنها لم تكن واردة عندي أصلاً وكأن فكرة المرض كانت بعيدة تماماً عني وعن كل أفراد عائلتي ولا يمكن أن يصاب به أي منا. أخبرني الاختصاصي مباشرةً أنه قد يكون عندي تليّف في الثدي. استغربت الأمر في البداية لأني لم أسمع سابقاً بأنه يمكن أن يظهر تليّف في الثدي. قلت له أن لا مشكلة عندي في ذلك. وعندما شعر أني بدوت غير مهتمة، قال لي إنه يجب أخذ خزعة من الثدي. غادرت المكان وكأن شيئاً لم يكن وكأني لم أسمع شيئاً مما قاله، ثم عدت سريعاً وطلبت منه أن يكرر ما قاله وأن يفسّر لي قصده فأخبرني أني قد أكون مصابة بالسرطان بنسبة 90 في المئة.
- كيف كان وقع الصدمة عليك؟
حتى بعد أن تلقيت الخبر، لم أنفجر بالبكاء وبقيت أعيش حالة من الضياع إلى أن وصلت إلى المنزل واتصلت بزوجي أخبره ما حصل معي. في البداية أكد لي أني أتوهم وأنه من الطبيعي أن يطلب من كل سيدة تخضع لصورة شعاعية أن تجري خزعة. في الوقت الذي كان يتحدث فيه معي، اتصل بالطبيب وسمعت كيف أن صوته تغيّر وكان يحاول إخفاء انزعاجه فاستوعبت الفكرة وانفجرت بالبكاء. كانت هذه اللحظة التي شعرت فيها فعلاً بالانهيار.
- هل كنت قد شعرت بأعراض المرض قبل اكتشافه؟
لم أكن أشعر بأي أعراض للمرض. حتى أن الدملة التي كانت لدي لم تكن محسوسة عند اللمس.
- هل من حالات سرطان ثدي في العائلة؟
لا حالات سرطان ثدي في العائلة وهذا ما كن مستغرباًَ في حالتي. فلم يكن من عوامل تنذر باحتمال إصابتي. فكيف لي أن أفكر بأني قد أصاب بالمرض؟ حتى انه قيل لي أن الورم الذي لدي عمره ما لا يقل عن خمس سنوات.
- ألم يقل لك الطبيب عن سبب محتمل لإصابتك؟
قد يكون السبب هرمونياً.
- كيف أتى وقع الخبر على ابنتيك وابنك؟
هنا كانت المشكلة الكبرى، ففيما كان الأمر أكثر سهولة مع ابنتي الكبرى التي كانت بسن 16 سنة وعرفت مباشرةً بإصابتي، فوقفت إلى جانبي طوال هذه المرحلة وكأنها أمي وساعدتني لأتخطى هذه المحنة، خصوصاً أنها تتمتع أصلاً بشخصية قوية. كانت ترافقني خطوة خطوة وتساعدني لأتغلّب على المرض. في المقابل، كانت المسألة شديدة الصعوبة على طفلتي الصغرى التي كانت في سن 7 سنوات فهي لم تتقبل الفكرة أبداً عندما أخبرناها بالموضوع بل راحت تبكي وتصرخ رافضةً الفكرة. كانت تمضي أوقاتها وهي تبكي. هي بطبيعتها حساسة جداً ومتعلقة بي. كانت تبكي عندما أبدّل لون شعري قبل المرض، فكيف يمكن أن تتقبل فكرة تساقط شعري بالكامل؟ كانت ترفض هذه الفكرة تماماً.
- كيف تقبلت الوضع لاحقاً؟
بدا لي وكأن الأمر حصل فجأة. ففيما كانت ترفض الفكرة وجدتها في يوم تقول أن لا مشكلة في ذلك وأن شعري أجمل وهو قصير والأهم أن أشفى.
- ماذا عنك، كيف تقبلت مسألة تساقط شعرك؟
كنت قد قصصت شعري قصيراً بعد لكن من الجلسة الأولى تساقط فجأة فيما كنت أستحم. كانت تلك اللحظات الأصعب. كان شعري يتساقط بكميات كبيرة في يدي ولم أعرف ما أفعل. شعرت بالانهيار وبدأت أصرخ وأبكي وكانت ابنتي في المنزل واتصلت بزوجي فأتى مسرعاً. عندها نصحني زوجي بان أذهب وأحلق شعري بالكامل. ذهبت إلى مزين الشعر برفقة ابنتي الصغري التي كانت تحاول أن تهدئ من روعي طوال الوقت وتؤكد لي أني أجمل بهذا الشكل وأنه ليس علي أن أبكي. ويمكن أن أقول أن ابنتي الصغرى وبالرغم من صغر سنها شجعتني على الخروج مكشوفة الرأس بعد أن حلقت شعري. فعلى الرغم من كونها طفلة، أعطتني القوة والدعم طوال فترة مرضي. في الواقع، إن أولادي الثلاث أعطوني الكثير من الدعم لأتخطى هذه التجربة. والآن يمكنني القول أنهم باتوا حاضرين نفسياً لمواجهة أي تجربة صعبة تواجههم بما فيها المرض، وباتوا أقوى بكثير من السابق. لذلك، أعتقد أن الثقافة والتوعية مهمتان جداً للكل، لأن الكل معرّض للإصابة بالمرض ويكون وقعه أخف بكثير عندما نكون مهيئين ومستعدين لتقبل الفكرة.
- هل وضعت شعراً مستعاراً؟
لم أتمكن من وضع الشعر المستعار، على الرغم من أني كنت قد اشتريت واحداً. فضلت أن أضع وشاحاً أربطه بطريقة عصرية فيعطي أسلوباً مميزاً.
- هل دام العلاج مدة طويلة؟
خضعت ل8 جلسات من العلاج الكيميائي لتصغير حجم الورم. بعدها خضعت لجراحة لاستئصال الورم. وقد أراد طبيبي تصغير حجم الورم قبل إجراء الجراحة حتى لا يضطر إلى استئصال القسم الأكبر من الثدي كوني لا أزال صغيرة. وتم استئصال 12 سنتمتراً من الثدي في العملية.
- هل أجريت عملية ترميم للثدي بعد الجراحة؟
لم تكن هناك حاجة للترميم لأن الثدي لم يستأصل بالكامل. كما أن الجراح أجرى العملية بطريقة تجميلية.
- هل تأثرت نفسياً بهذه العملية التي أجريت لثديك؟
لم أتأثر نفسياً بالعملية. كما انه بعد المرور بهذه التجربة، لا تعود المرأة تنظر إلى مثل هذه التفاصيل.
- يلعب العامل النفسي دوراً أساسياً في المرض، كون زوجك طبيب نفسي كيف ساعدك في مرحلة المرض كزوج وطبيب؟
لعب زوجي دوراً كبيراً في هذه التجربة الصعبة التي مررت بها كزوج وكطبيب نفسي. كان يدعمني باستمرار ويشجعني على التغلّب على المرض. لهذا كنت متفائلة طوال الوقت.
- هل شعرت يوماً مع تغيّر مظهرك، أن نظرته إليك قد تبدّلت؟
لم يشعرني بذلك يوماً. على العكس، كان يؤكد لي باستمرار أني أعجبه أكثر بالشعر القصير ويعزز ثقتي بنفسي ويقوّيني. كان زوجي يمدّني بالمعنويات ولم أحس يوماً أن شكلي قد تأثر بالعلاج. علماً أنه إضافةً إلى تساقط شعري، تساقط وبر حاجبي ورموشي. لكني كنت أرسم حاجبي بقلم الكحل.
- من أكثر من مدّك بالقوة في هذه التجربة؟
الزوج يلعب دوراً أساسياً، إضافةً إلى الأولاد الذين وقفوا إلى جانبي طوال الوقت. كما أن الكل لعب دوراً من أهلي وأقاربي وأقارب زوجي والأصدقاء. كنا نسهر يومياً في المنزل ونتسلّى لتمضية الوقت في جلسات ممتعة للتخفيف من وقع المرض والعلاج علي.
- كيف تمكنت من التغلّب على الإحباط الذي يرافق فترة العلاج؟
لم أعش فترة الإحباط هذه كما يحصل مع البعض. استمررت بحياتي الطبيعية أخرج وأتسلى. سافرنا كثيراً في فترة العلاج حتى لا أعيش حالة الاكتئاب ولأخرج من أجواء المرض. أعتقد أيضاً أن وجود زوجي وأولادي وأهلي وأصدقائي إلى جانبي طوال فترة مرضي ساعدني على مواجهة هذه التجربة الصعبة بسهولة كبرى. فعندما تكون المرأة مرتاحة نفسياً في محيطها تكون أكثر قوة في مواجهة المرض.
- هل شعرت خلال فترة المرض والعلاج بالتقصير في واجباتك المنزلية والعائلية نتيجة الإرهاق الذي يرافق العلاج؟
طوال فترة العلاج، لم اجلس يوماً في السرير كما لو كنت مريضة. على العكس، فعلى الرغم من التعب الذي كنت أشعر به بعد جلسات العلاج، كنت أخرج برفقة زوجي وأتغلّب على مضاعفات العلاج حتى لا تتغلّب علي. كنت أهتم بأولادي وزوجي بشكل طبيعي ولم يؤثر المرض على ذلك. كنت أدرّس الأولاد وأعتني بهم ولم أتأثر كثيراً بجلسات العلاج. كانوا يمدّونني بالقوة لأتغلّب على المرض. ولم ينظروا إلي مرة كما لو أني مريضة. وأعتقد أن كل مريضة يمكن أن تتغلّب على أعراض العلاج وعلى المرض عندما تتحلّى بالقوة والإرادة. فالتواجد في ظروف توحي بالمرض يسيء نفسياً إلى المريضة. ومن الأفضل أن تبقى في حالة نشاط. هذا مع الإشارة إلى أن علاجي لم يكن سهلاً، بل أراد الطبيب أن يخضعني لعلاج قوي لأني صغيرة في السن ليقضي نهائياً على المرض. كما أجريت لي حقن لتقوية المناعة تسبب آلاماً شديدة في العظام.
- من كان يرافقك إلى جلسات العلاج؟
كنت أذهب مع ابنتي وأخي وزوجته وزوجي. كنا نشكل مجموعة فأذهب وأفكر أني لا أريد إلا الانتهاء من الجلسة.
- كيف كنت تنظرين إلى المستقبل في هذه المرحلة الماضية؟
لم أفكر بالموت إلا في البداية، أي في المرحلة التي لم أكن أعرف فيها بعد كل التفاصيل المتعلّقة بحالتي. عندما أجريت المزيد من الفحوص وعرفت أن المرض في مرحلة الصفر، فرحت وشعرت بالاطمئنان. طمأنني الطبيب وأخبرني أن نسبة الشفاء لدي تصل إلى 99 في المئة. وعندما كنت أخضع للعلاج وأرى أشخاصاً يعانون بسبب العلاج وأسمع عن آخرين يموتون بسبب المرض، فأحمد الله على وضعي وعلى اكتشافي المرض في هذه المرحلة المبكرة.
- هل صرت ترين الحياة بعين مختلفة بعد التجربة التي مررت بها؟
بعد إصابتي بالمرض، تعلّقت بالحياة أكثر وصرت أحاول أن أستفيد من كل لحظة أعيشها. كما أني صرت أتمنى باستمرار أن أعيش لفترة أطول. أعتقد أن هذا أهم ما نتعلّمه من هذه التجربة. الآن لم أعد أفكر بالمستقبل البعيد، بل أعيش كل يوم بيومه وأنا سعيدة لأني أعيش.
- ما الذي تغيّر فيك بعد التجربة التي مررت بها؟
تغيّرت شخصيتي كثيراً. كنت حساسة جداً قبل مرضي وحنونة بشكل مفرط. كنت عاجزة عن سماع أي خبر عن المرض أو عن مريض. أما الآن فصرت أكثر قوة وشجاعة وأتقبل كل ما قد يواجهني. كما أني صرت لا أعلّق على التفاصيل التافهة التي لا أهمية لها. فبعض الأمور كانت تزعجني كثيراً في السابق وصارت عادية الآن بالنسبة لي. حالياً أعيش حياتي بشكل أفضل.
- هل من فترة في هذه التجربة كانت أكثر صعوبة بالنسبة إليك؟
بشكل عام، لم أعان كثيراً بسبب العلاج إلا بعد انتهاء الجلسة الأخيرة حيث انخفضت مناعتي بنسبة كبيرة ودخلت المستشفى ومنعت عني الزيارات. كانت هذه المرحلة صعبة وقد استغرب الطبيب حصول ذلك مع انتهاء العلاج.
- هل سمعت يوماً تعليقات أزعجتك من الناس في ما يتعلّق بمرضك أو بشكلك؟
لم أنزعج يوماً من أي تعليقات. في الواقع الكل كان يعرف عن مرضي. كنت أتحدث عنه أمام الكل . حتى أني كنت أخبر عن مرضي في المتاجر التي أشتري منها باستمرار، إذا كان الباعة يعرفوني. وكانوا يصدمون بالخبر أكثر مني. وأذكر أن أحد الشبان تفاجأ مرة عندما رآني وسألني لماذا قصصت شعري إلى هذه الدرجة. وكان ذلك بعد أن أزلت الوشاح وبدأ شعري ينبت. وكانت ابنتي الصغرى هي التي شجعتني على فعل ذلك. أعتقد أن حديثي دون خجل عن مرضي ساهم في رفع معنوياتي، وهذا أفضل بكثير من أن نحاول إخفاء الأمر عن الناس وكأن فيه عيباً.
- هل تخافين من أن يعود المرض مجدداً بعد فترة؟
لا أخاف من عودة المرض، لأني سبق أن جرّبته وصرت حاضرة نفسياً لهذه التجربة. أوقفت العلاج من حوالي السنة وأجريت الجراحة وأواظب على تناول الأدوية اللازمة خلال خمس سنوات وعلى الفحوص الروتينية ولا أشعر بأي سوء.
- هل من إجراءات معينة يجب على ابنتيك اتخاذها كونك أصبت بالمرض؟
يجب أن تخضع ابنتي للصورة الشعاعية من سن 25 سنة لأن المرض ظهر لدي في سن مبكرة. كما يجب أن تجريا الفحص الذاتي للثدي ابتداءاً من سن 20 سنة.
- هل من نصيحة معينة تسدينها إلى أي امرأة تمر بمثل تجربتك؟
أقول لكل مريضة إن جزءاً كبيراً من المرض هو وهم ويمكن أن تتغلّب عليه بإرادتها وبحبها للحياة. يجب أن تتحلّى بالقوة لتتغلّب على المرض وحتى لا تسمح له بالتغلّب عليها. يجب ألا تستسلم وأن تعرف أن الحياة ستستمر أياً كانت الظروف ويجب ألا تضع نفسها في أجواء من اليأس والإحباط والمرض لأنها لن تتمكن من التغلّب على أعراض العلاج وعلى المرض في مثل هذه الظروف. ومن المهم أيضاً أن تتحدث عن مرضها دون خجل، فلا عيب في الإصابة بمرض. مع الإشارة إلى أنه عندما نتمكن من التحدث عن المرض نكون قد تغلّبنا عليه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024