تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

مشاكل المعدة وتشعّباتها

الجسم البشريّ حسّاس لشتى التغيّرات وعُرضة لكل المضاعفات والمشاكل وأداة طيّعة تلتقط الأمراض إذا أُهمل أو لم يتعامل معه المرء بطريقة سليمة ولم يعتنِ به بإنتظام.
والمعدة بحدّ ذاتها تخلق ردّة فعل للجسم على كل ما يتناوله من مأكولات وما يُحيط به. لذلك، فهي قد تُنذر المرء بوجوب الإنتباه لما يختاره من أطعمة، كما قد تتأثر سلباً بانعدام النظافة في البيئة، وقد تتشنّج حتى إثر التوتر.
من جهة أخرى، تكون بعض الأعراض أشدّ من غيرها، لننتقل من مشكلة هامشيّة عرضيّة، إلى داء أخطر يستوجب العلاج أو يستدعي حتى عملية منظار وتناول عقاقير لفترة.
من سوء الهضم البسيط، إلى الإضطرابات العرضيّة، إلى الإلتهابات والتقرّحات والقرحة، وصولاً إلى سرطان المعدة... كلّها مشاكل لا بدّ من مداواتها كي لا تتفاقم وتؤدّي إلى نتائج غير محمودة عقباها.

تنقسم المعدة إجمالاً قسمين، أعلى وأسفل، ومن ثمّ يرتبط بهما المعي الرفيع أو ما يُسمّى الإثنيّ عشر. والمشاكل التي قد تصيب المعدة قد تطال أيّ من هذه الأقسام.
تفسّر الدكتورة إلهام حبيقة، إختصاصيّة جهاز هضميّ وكبد، أبرز ما قد تتعرّض له المعدة من أمراض أو مضاعفات، شارحة أسباب كلّ حالة، وأعراضها وعلاجاتها. كما يفسّر أندره ضاهر، إختصاصيّ مساعد صيدلة، المشاكل الأقلّ خطورة التي قد تعاني منها المعدة عموماً.
من الملاحظ أنّ غالبيّة الناس يعرفون أوجاعاً على مستوى المعدة عندما يرزحون تحت وطأة التوتر أو الضغط النفسيّ وحتى الجسديّ. وتعتبر المعدة نقطة ضعف عند البعض الذين لا يستطيعون تناول كلّ أنواع المأكولات، وبخاصة تلك التي تحتوي على البهارات والحرّ والأسيد. كما أنّ بعض الأدوية التي نستخدمها، من شأنها أن تعالج داءً ما، وبالمقابل تسبّب آلاماً مبرحة في المعدة... كلّها أسباب تساهم في زيادة المشكلة، لكنها ليست الأسباب الرئيسيّة.

مسبّبات عابرة
يولّد الضغط النفسيّ العديد من المضاعفات، ومن أهمّها آلام المعدة نتيجة تشنّجاتها. يقول ضاهر: «إنّ الإنسان العاديّ معرّض في حياته اليوميّة للإصابة بأوجاع على مستوى المعدة بسبب الضغط الهائل الذي يتعرّض له في روتين الحياة ونمطها السريع. وغالباً ما يلجأ إلى الصيدليّة لتناول عقاقير لا تستوجب وصفة طبيب متخصّص، بغية تخفيف وطأة التشنّج. وهذا أمر شائع للغاية ويصيب الجميع بلا تفرقة، لكنه يصبح أكثر خطورة عندما يتكرّر بوتيرة شبه يومية ولا يبارح صاحبه. عندها، يستدعي الأمر طبعاً إستشارة الطبيب الإختصاصيّ لوضع حلّ جذريّ للموضوع».
من جهة أخرى، يلفت ضاهر إلى إنّ «الإكثار من الأطعمة التي تحتوي على الحرّ والأسيد والبهارات قد يضايق المعدة الحسّاسة، لكنه ليس مرضاً أو داءً. والحلّ الأسهل هو ببساط تجنّب هذه المأكولات أو الإعتدال في تناولها. وبإستطاعة كلّ شخص يعاني من معدة حسّاسة أن يزور إختصاصيّ تغدية ليصف له ما لا يؤذيه ويستمتع بتناوله في الوقت عينه».
وأخيراً يضيف «أنّ بعض أنواع الأدوية، وخاصة تلك المضادة للإلتهابات والتي لا تكون من الستيرويد، تؤثر سلباً على المعدة، وتضرّ بها. لذلك يجب تجنّبها قدر المستطاع. لكن في حال وجوب إستخدامها، يجب أخذ عقاقير أخرى حامية لغشاء المعدة كي نتجنّب المضاعفات الناجمة عنها».
لذلك، لا بدّ من الإهتمام بالصحّة عموماً وبالمعدة خصوصاً، لأنّ الآلام الناتجة عنها لا ترحم، وكذلك المضاعفات والمشاكل.

مشاكل أكثر خطورة
تشير الدكتورة حبيقة إلى أنّه «يمكن تلخيص أبرز المشاكل والأمراض التي قد تصيب المعدة في ثلاثة أقسام رئيسيّة، ألا وهي الإلتهابات أي Gastritis، التقرّحات والقرحة أي Ulcer، وسرطان المعدة». وكلّ فئة من هذه الأمراض لها مسبّبات رئيسية وأعراض واضحة، كما لها حلول وعلاجات لا بدّ من تطبيقها منعاً للمضاعفات أو حتى الموت في أقصى الحالات.

إلتهابات المعدة
تتحدث الدكتورة حبيقة عن إلتهابات المعدة مشيرة إلى أنّ «المسبّب الأساسيّ لها هو بكتيريا هيليكوبكتر بيلوري Helicobacter Pylori التي تنتقل من شخص إلى آخر عبر الفم أو البراز. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه البكتيريا مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالنظافة Hygiene في المحيط، بحيث يعاني نحو 60% من الناس من هذه البكتيريا، بيد أنّ 20% منهم يصابون بإلتهابات معويّة. ويتعرض الشخص المصاب بهذه الإلتهابات لألم على نطاق المعدة وثقل بعد الأكل، بالإضافة إلى الغيثان والتقيّؤ أحياناً. لكن البعض لا يُظهرون أعراضاً بتاتاً. ويزداد إحتمال الإصابة بالGastritis مع التقدّم في السنّ، كما ينتشر بين الأطفال».
تضيف حبيقة أنه «توجد أسباب أخرى أيضاً لتقرّحات صغيرة وإحمرار بسبب تناول بعض العقاقير المضادة للإلتهابات التي لا تكون مكوّنة من مادة الستيرويد، وبعض أدوية آلام الرأس وداء المفاصل. كما قد يكون السبب هو إفرازات المرارة، أو أدوية ترقّق العظام وكلّ ما يخفّف المناعة. وطبعاً، إنّ المخدّرات وخاصة الكوكايين تسبّب هذه التهيّجات في المعدة. وقد يكون العامل الأبرز هو الفيروسات أو الفطريّات أو حتى أنواع أخرى من البكتيريا عند ذوي المناعة الخفيفة».
يبقى أنّ الحلّ حسب الدكتورة حبيقة هو «معالجة السبب الأساسيّ أي الهيليكوبكتير بيلوري عبر Eradication Treatment وتجنّب الأدوية التي تسبّب هذه التهيّج المعويّ، وتناول دواء لوقف الحموضة في المعدة أو دواء لحماية المعدة من إفرازات المرارة». ولمعرفة مدى تطوّر العلاج وإستجابة المريض، لا بدّ من إجراء فحص نفس Breath Test.

التقرّحات والقرحة
القرحة نوع من خسوف في المعدة أو تجوّر في غشائها أو في المنطقة الأولى من الامعاء المعروفة بالإثني عشر. هي إختفاء الغشاء المغلّف وظهور تجوّف واضح في المعدة. تفسّر الدكتورة حبيقة: «إنّ 80% من حالات قرحة الإثني عشر سببها أيضاً بكتيريا الهيليكوبكتير بيلوري، كما هي السبب ل60% من حالات قرحة المعدة أيضاً. كما أنّ الأدوية المضادة للإلتهابات والتي لا تحتوي على الستيرويد تسبّب نحو 40% من الحالات. كما قد يكون السبب تورّماً في البنكرياس والمعي الدقيق، ومن الممكن أن يكون هناك إستعداد جينيّ للإصابة بهذه التقرّحات». إنّ أهمّ الأعراض هي آلام في منطقة البطن الأعلى في المنتصف. إذا كانت القرحة في الإثني عشر، يكون الوجع في فترة بعيدة عن موعد الأكل، إذ يرتاح المريض عند تناول الطعام. وأمّا إذا كانت القرحة في المعدة، فيشعر بالوجع مباشرة بعد الأكل. وقد يستيقظ المريض ليلاً من شدّة الألم أحياناً. كما تترافق القرحة مع أعراض أخرى مثل الغثيان والتقيّؤ وعدم القابليّة على الأكل».
ولا يجوز أن نستهتر بالقرحة لأنها قد تؤدي الى مضاعفات خطيرة حسب الطبيبة المختصّة التي تشرح أنّه «من الممكن أن يحدث إلتهاب داخل البطن يؤدّي إلى تمزّق القرحة داخل المعدة أي Perforation، مما يستدعي التشخيص السريع والعلاج. كما قد يحدث إلتهاب بكتيريّ يؤدّي إلى ظهور بطن قاسٍ وألم مبرح يستدعي عملية جراحيّة».
من جهة أخرى، ترى حبيقة أنّه «يمكن أن تصل القرحة العميقة إلى الشرايين فتتسبّب بنزف ينتج عنه تقيّؤ دم أحمر وبكمّيّة كبرى. واذا لم يكن النزف قويّا، يتعرّض الدم للأوكسيجين فيكون أسود وكذلك لون البراز. وأمّا اذا كان النزف قوياً، فيسبّب هبوطاً في الضغط تسريعاً في النبض ولون براز أحمر. وهذا يستدعي الإستشفاء السريع والعلاج الفوريّ».
إنّ المعاناة من سيلان الدم مع وجود القرحة قد يؤدّي إلى النزف. كما أنّ العمر المتقدّم وتشمّع الكبد والتأخّر الكلويّ كلّها أسباب إضافيّة.
يكون علاج القرحة الناتجة عن البكتيريا عبر الEradication وعبر تناول دواء لإيقاف الأسيد في المعدة. وأمّا في حال النزف، فيتمّ التشخيص عبر المنظار ليُعالج بدواء أو بالكي أو بوضع Clip  أي ملقط. وفي حال المعاناة من Perforation، فيجب إجراء جراحة فورية والإبتعاد عن المنظار.

سرطان المعدة
إنّ أكثر أنواع السرطانات شيوعاً في المعدة هو الAdinocarcinoma of the stomach. تقول الدكتورة حبيقة إنّ «الأسباب لذلك قد تكون نوعيّة الطعام، بخاصة المحفوظ والمملّح والمقدّد، كما قد يكون بسبب إنعدام الكهرباء وتبريد الطعام بالتالي. لكن السبب الأبرز قد يكون تحوّلات في المعدة أحالت الإلتهابات Gastritis إلى سرطان في غشاء المعدة». ويصيب السرطان إجمالاً المسنّين فوق الستين، وفي حال وجود عامل جينيّ، قد يصاب به الناس تحت الأربعين. وتلفت حبيقة الى أنّ الأعراض الأهمّ تكون «الألم والتقيّؤ وعدم القابلية على الأكل وخسارة الوزن، وقد نرى نزفاً مشابهاً للقرحة». أخيراً، يكون العلاج جراحياً وقد يستدعي علاجاً كيميائياً قبيل ذلك، ويترافق مع علاج أشعّة على المنطقة التي تمّ إستخرج السرطان منها، بعد الجراحة.

مشاكل أخرى
عند إجراء عمليّات لتصغير حجم المعدة، قد تؤثر في منحىً ما على المعدة وصحّتها. تقول الدكتورة حبيقة: «حسب نوع العمليّة التي أجريت، وحسب الطريقة المعتمدة، قد تحدث بعض المضاعفات. ففي بعض الحالات، يتمّ تصغير حجم المعدة عبر تقنية التكبيس أو ال Sleeve، بحيث يصغُر حجم المعدة، فيشبع المرء أسرع. لكن من الممكن حدوث  Reflux أو نزف عند نقطة التكبيس. وفي حال تحويل الأكل مباشرة نحو الامعاء، قد يحدث عدم إمتصاص كامل من الجسم للأكل.
كما قد تحدث مشاكل من جرّاء الجراحة بحدّ ذاتها كعدم التحام الخيطان أو نزف داخل المعدة. ومن الممكن ظهور مشاكل نقص تغذية ونقص فيتامينات». لذلك، يجب إجراء فحوص دوريّة للفوسفور والكالسيوم والألبومين والبروتين وقياس معدّلاتها لإعطاء مكمّلات غذائية لازمة.

نصيحة للجميع
تنصح الدكتورة حبيقة بوجوب «الوقاية من الإصابة بالبكتيريا عبر غسل اليدين دوماً قبل تناول الطعام وعبر تجنّب لمس السوائل والإفرازات في أجسام الآخرين . كما يجب تناول الأدوية التي قد تضرّ بالمعدة مع الأكل، بالإضافة إلى تناول عقاقير لحماية المعدة. ويجب معالجة المشكلة قبل تفاقمها. ومن المستحسن تناول مضادات الأكسدة الموجودة في الخضار والفاكهة الطازجة». وطبعاً، إنّ التدخين شرّ لا بدّ من تفاديه كي لا يسبّب السرطانات.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078