لا داعي للخجل من سَلس البول
قد تظنين أن سلس البول، أو التبويل اللإرادي، هو مشكلة صحية تطال الآخرين لكنها لا تطالك أنتِ. إلا أن تسرّب بضعة نقاط من البول أثناء الضحك أو عدم القدرة على احتباس البول لبعض الوقت والإحساس برغبة ملحة في التبويل الفوري هي في الواقع أدلة دامغة على مشكلة سلس البول.
تقول النظرية إن الطفل يصبح «نظيفاً» في عمر السنتين تقريباً، أي أنه يستغني عن الحفاضات ويصبح قادراً على التحكم في حاجته إلى التبويل. إلا أن الواقع يثبت غير ذلك. فقد أظهرت الإحصاءات أنه بين عمر 5 و7 أعوام، يستمر 12 في المئة من الصبيان و8 في المئة من البنات في التبويل ليلاً بمعدل ليلتين كل أسبوع على الأقل. وبين عمر 13 و16 عاماً، هناك 1 إلى 2 في المئة من المراهقين الذين يستمرون في التبويل ليلاً في فراشهم بمعدل مرة على الأقل كل شهر. واللافت أنه في حال معاناة الأهل من هذه المشكلة في صغرهم، ثمة احتمال بنسبة 77 في المئة أن يعاني أولادهم من المشكلة نفسها.
يولد الطفل وهو غير قادر على التحكم في حاجته إلى التبويل. في مرحلة الحفاضات، تمتلئ المثانة حتى حجم معين ثم تتقلص وتفرغ محتواها. رويداً رويداً، يبدأ الدماغ بالنمو ويتعلم التقاط الرسائل الآتية من المثانة الممتلئة، فيباشر بدوره في إرسال الرسائل لها لمنعها من إفراغ محتواها طالما أنه لم يقرر هو ذلك. هذه السيطرة على المثانة تكون فعالة أولاً خلال النهار، ومن ثم أثناء النوم. إلا أن سرعة نضوج هذه العملية تختلف كثيراً من ولد إلى آخر، وتجعل بعض الأطفال يعانون من سلس بول متأخر.
إلا أن معظم أسباب سلس البول تختفي حين يكبر الولد: فقدرة المثانة تزداد، ويخف النشاط المفرط عند الطفل، وتنشط "أجهزة الإنذار"، ويتعلم الطفل كيفية الاستجابة لها ويصبح إنتاج هرمون ADH طبيعياً. والواقع أن هرمون ADH هو هرمون مدرّ للبول يتم إنتاجه عموماً بكمية أكبر خلال الليل لتخفيف الحاجة إلى التبويل. قد لا يكون هذا النظام ناضجاً كفاية عند الأطفال، ولذلك تمتلئ المثانة بوفرة ويحدث بالتالي تبويل لاإرادي في الفراش. ثمة أدوية لمعالجة هذه المشكلة. لكن في حال استمرار المشكلة أو ظهورها مجدداً بعد أشهر من النظافة (سلس بول ثانوي)، وإذا وافق الولد على التحدث عن مشكلته، يستحسن زيارة الطبيب العام أو طبيب الأطفال ومناقشة المشكلة معه. وفي أغلب الأحوال، يستطيع الطبيب كشف مشكلة سلوكية: فالطفل لا يحب مثلاً الحمامات في المدرسة، أو لا يرغب في ترك اللعب للدخول إلى الحمام، فيحبس بوله داخل المثانة. وعند تكرار هذه المسألة مع مرور الأيام، يعتاد الطفل على تجاهل إشارات المثانة، ولا يعرف بالتالي متى يجدر به إرخاء العضلات العاصرة عند اللزوم، فيحدث بالتالي سلس البول وربما التهاب في المجاري البولية يجعل المثانة متحسسة أو مفرطة النشاط.
قد يعزى سلس البول أيضاً إلى مرض معين مثل داء السكري، أو تشوه في شكل المثانة أو التهاب بولي يسبب، خصوصاً عند البنات، انقباضات فجائية في المثانة.
ثمة احتمال أيضاً أن يعزى سلس البول إلى مشكلة نفسية، عاطفية أو عائلية، وفي بعض الحالات إلى سوء المعاملة أو الاستغلال الجنسي.
في أية حال، ومهما كان السبب، يمكن معالجة سلس البول عند الأطفال، أولاً عبر عدم تحميل الطفل أي ذنب وثانياً عبر تعليمه كيفية التبويل إرادياً.
النساء أكثر عرضة للمشكلة من الرجال
تقول 16 في المئة من النساء بين عمر 30 و34 عاماً و21 في المئة من النساء بين عمر 35 و39 عاماً إنهن يعانين من مشكلة سلس البول، فيما تشير الإحصاءات إلى أن 3 إلى 5 في المئة فقط من الرجال في هذه الفئة العمرية يعانون من مشكلة سلس البول.
صحيح أن الرجال لا يترددون في التبويل عند زوايا الشوارع المظلمة أو في الأماكن المقفرة، لكن هذا لا يكفي لوحده لتبرير شيوع مشكلة سلس البول عند النساء أكثر من شيوعها عند الرجال. فعند نصف النساء اللواتي يعانين من هذه المشكلة، يكون السبب آلياً ويتجلى في شكل تسرب للبول عند بذل أدنى جهد. في هذه الحالة، تكون العضلة الفاصلة بين عضو التناسل والشرج ضعيفة. هكذا، عند بذل أي جهد، كما عند ممارسة الرياضة أو إنجاز التنظيفات المنزلية، يرفع انقباضات عضلات البطن الضغط في البطن ما يؤدي إلى هبوط عنق المثانة.
لذا، نجد أن سلس البول شائع كثيراً عند الأشخاص الرياضيين الذين يفرض النشاط الجسدي عندهم ضغطاً على العضلة الداعمة للأحشاء والموجودة بين عضو التناسل والشرج. فإذا كانت هذه العضلة قوية، يعمل انقباضها على رفع عنق المثانة وسدّ إحليل البول عبر ضغطه على مفصل العانة. وإذا كانت هذه العضلة ضعيفة، تكون العضلة القابصة للمثانة الوحيدة التي تقاوم الضغط. وإذا عجزت عن مقاومة الضغط كفاية، يحصل تسرب للبول.
إلا أن أسباب ضعف العضلة الفاصلة بين العضو التناسلي والشرج عديدة، ومنها الحمل، والولادة، والإمساك المزمن، وانتعال الكعب العالي (لأنه يزيد من التقوس ويدفع عنق المثانة إلى الأمام)، أو ببساطة إلى نقص في قوة العضلات. فالاعتماد المستمر والطويل الأمد للوضعية السيئة مثل إرخاء البطن إلى الأمام وإرخاء العضلة الفاصلة بين الشرج والعضو التناسلي، مع حمل طفل مثلاً بين الذراعين، يفرض ضغطاً إضافياً وغير ضروري على هذه المساحة.
يمكن معالجة هذه المشكلة الميكانيكية عبر تحسين الوضعية وممارسة التمارين الهادفة إلى تقوية العضلة الداعمة للأحشاء لتعلم السيطرة على المثانة بصورة أفضل. وفي انتظار تحسن الوضع، يمكن وضع حزام حوضي (ceinture pelvienne) لتصحيح وضعية الحوض والعمود الفقري، علماً أن هذا الحزام قادر على تقوية عضلات الظهر وعضلات البطن العميقة مع إراحة العضلة الفاصلة بين الشرج والعضو التناسلي. وفي حال عدم نجاح هذه الطرق، تبرز الحاجة إلى عملية جراحية لتقوية العضلة، ولا عيب أبداً في ذلك لأن العديد من بطلات الرياضة خضعن لهذه العملية.
إلا أن سبب سلس البول ليس دوماً ميكانيكياً. ففي 25 في المئة من الحالات، يعزى تسرّب البول إلى انقباضات مفاجئة في المثانة بحيث تبرز الحاجة الملحة إلى التبويل رغم أن المثانة لا تكون ممتلئة كلها. ويمكن لفتح الصنبور أن يحدث تسرباً لاإرادياً للبول، تماماً مثل الالتهاب، أو الحصية في الكلية، أو حتى المشاكل العصبية. وفي أية حال، تبقى زيارة الطبيب المتخصص إلزامية خصوصاً وأن العلاجات عديدة وفعالة.
عند الكبار في السن
بعد عمر الستين، تعاني 30 إلى 50 في المئة من النساء و10 في المئة من الرجال من مشكلة سلس البول. في هذه الفئة العمرية، تبلغ النساء سن اليأس ويعانين من ارتخاء في العضلات بسبب انخفاض مستوى الاستروجين. تصبح العضلة الفاصلة بين الشرج والعضو التناسلي ضعيفة، فيما تنقبض المثانة بشكل متكرر وغير نظامي، ما يولد حاجة ملحة إلى التبويل. ويقول الأطباء إن انقباضات العضلات الفاصلة بين الشرج والعضو التناسلي لا تؤثر أبداً في الإحليل الذي يفقد مع الوقت مرونته ويصبح متصلباً مثل الكرتون. وأظهرت الدراسات أن العلاج البديل للهرمونات يفاقم أحياناً المشكلة. في المقابل، يمكن للعلاج الموضعي بالهرمونات على شكل كريم أن يكون واقياً لعضلة المثانة. وعند الرجال، يتضح أن الذين يعانون من تضخم حميد للبروستات يواجهون أيضاً مشكلة سلس البول. فازدياد حجم البروستات يولد احتباساً مزمناً للبول، ما يؤدي إلى تسرب نقط بول وتوليد حاجة ملحة بالتبويل المتكرر. كما تبين أن استئصال غدة البروستات عند رجل واحد من أصل عشرين رجلاً يسبب سلساً قوياً للبول. وتبقى الشيخوخة الطبيعية عند الرجال والنساء سبباً بدهياً لسلس البول، تماماً مثل تناول بعض الأدوية (مثل الأدوية المنوّمة ومهدئات الأعصاب...). لكن لا داعي أبداً لأن تترافق الشيخوخة مع استعمال الحفاضات. فثمة حلول متوافرة في معظم الحالات، ولا تقتصر دوماً على الأدوية. يكفي استشارة الطبيب المتخصص للحصول على العلاج النافع!
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024