تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

التوتر سبب أوجاع الظهر

حين يصبح ضغط الحياة اليومية كبيراً، تتشنج عضلات الظهر وتسبب لنا الألم. إليك هذا الملف الشامل حول أوجاع الظهر وأسبابها وسبل معالجتها...

لا شك في أن الظهر هو مساحة حساسة في الجسم ويتأثر بكل ضربات الحياة: الرضات والصدمات، والحوادث، وآثار التقدم في العمر، وطبعاً، التوتر. فالتوتر اليومي، الذي يصبح أكثر فأكثر أقوى وأعلى وأسرع، لا تتحمله عضلاتنا كما يجب، ولاسيما عضلات الظهر، فتنقبض وتتشنج علامة احتجاج وتسبب لنا الأوجاع. هكذا، يعمد المرضى إلى زيارة الأطباء والمعالجين المتخصصين في تدليك الظهر وتخفيف آلامه وأوجاعه. إلا أن الأوجاع تستمر لسوء الحظ، وتتفاقم عند ازدياد التوتر العصبي. والمؤسف أن مشكلة أوجاع الظهر باتت شائعة جداً وتصيب الشباب والكبار في السن على حد سواء. كيف تعقدين الصلح إذاً مع ظهرك، خصوصاً بعدما تبين أن الأدوية غير فعالة في التخفيف من توتر العضلات. من الأفضل معالجة المشكلة في جذورها، أي تشغيل العضلات، وتمديدها، وتحسين وضعيات الجسم وتبديل أسلوب العيش. وبالنسبة إلى التوتر، قد يصعب عليك الإفلات منه، ولذلك عليك السيطرة على تأثيراته السلبية عبر جلسات استرخاء. ولحسن الحظ أن هذه الجلسات غير معقدة ويمكن إنجازها في المنزل، وحتى في المكتب.

الظهر: هدف للتوتر
عند التعرض للتوتر، يتفاعل الجسم عبر تشنيج العضلات. والظهر هو مساحة حساسة ولذلك يعتبر الهدف المفضل للتوتر والانقباضات. بالفعل، تشير الدراسات والاستطلاعات الميدانية أن نوبات أوجاع الظهر تترافق غالباً مع مراحل التوتر في الحياة. ويتحدث الأشخاص يوماً بعد يوم عن الرابط الموجود بين الصعوبات التي تواجههم في الحياة والأوجاع التي تعاني منها أجسامهم.
التوتر هو شكل من أشكال الاعتداء الذي نتعرض له جميعاً وإنما بدرجات مختلفة. يستجيب الجسم للتوتر عبر شدّ العضلات لحماية نفسه. لكن على المدى الطويل، تتعب العضلات ولا تتخلص من السموم المتراكمة فيها فيستقر الألم وتزداد الأوجاع. تتمركز هذه التوترات عموماً في العنق والكتفين، لأن عضلات النصف العلوي من الظهر والعنق والرأس هي الأكثر تقبلاً للتوتر. أما مساحة أسفل الظهر فهي أكثر تأثراً بالاهتزازات وحمل الأوزان الثقيلة. لكن لا يمنع أن يتفاقم ألم الظهر الخفيف بسبب توتر عصبي.

الحلقة الضعيفة
يعتبر الظهر هدفاً مفضلاً للتوتر، ويمكن القول عنه إنه الحلقة الأضعف. فالعمود الفقري وكل العضلات المتصلة به تتعرض لتجارب شاقة خلال الحياة، وتحتفظ لوقت طويل بآثار الرضات القديمة والحوادث. كما أننا نعاني جميعاً تقريباً من آفات مهمة نوعاً ما، مثل الفتق، والاعتلال المفصلي (arthrose)، وتلف الأقراص بين الفقرات... في هذا السياق، يفرض القلق والهموم بكل ثقلهما على المساحات الضعيفة أساساً. وقد أثبتت التجارب العلمية ذلك. فالتوتر يخفف الدفاعات المناعية في الجسم، مما يساعد على ظهور مساحات التهابية في الأوتار أو الأقراص بين الفقرات. وقد يكشف ذلك مثلاً اعتلالاً مفصلياً كان غير مسبب للألم قبلاً.
من جهة أخرى، تضعف وضعياتنا السيئة ظهرنا وتحضره لتقبل اعتداءات التوتر. فقضاء ساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر، فيما الرأس منحني إلى الأمام والكتفان مشدودان، يشكل وضعية مثالية للتوتر العضلي! كما أن الرحلات الطويلة في السيارة، والجلوس على كرسي غير مريح مع مفاصل متصلبة، وأسلوب العيش الكثير الجلوس، وقلة النشاط الجسدي كلها عوامل تؤذي عضلات الظهر وتجعلها أكثر ضعفاً وحساسية أمام الاعتداءات.
يخصص أطباء العظام الكثير من الانتباه للحجاب الحاجز (diaphragme)، تلك العضلة التي ترفع القفص الصدري عند كل تنشق للهواء. فعند التعرض للتوتر، يحتدم التنفس أو يتوقف. وبما أن الحجاب الحاجز موجود تحت الضلوع وصولاً إلى الفقرات، فإن مساحة أسفل الظهر لا تعمل بصورة طبيعية إذا انقبض الحجاب الحاجز.

الألم مصدر للقلق
يستطيع كل واحد منا تحمل توتر عابر، ويلجأ إلى المشي أو السباحة لإرخاء نفسه قليلاً. إلا أن التوتر يستطيع، على المدى الطويل، إحداث خلل في دوائر الألم، عبر خفض مستوى القدرة على التحمل عند بعض المرضى. هكذا، يتخذ التوتر العضلي البسيط أبعاداً غير مرتقبة، ويصبح ألم الظهر مصدراً للقلق يزيد من التوتر الأساسي. يقع 20 في المئة تقريباً من المرضى في هذه الحلقة المفرغة حيث يختلط الألم والتوتر ببعضهما.
يقول الأطباء إنه لا تسهل معالجة هؤلاء المرضى، خصوصاً وأن اكتئاباً حقيقياً يختبئ أحياناً وراء ألم الظهر المتمرد. لذا، يجب الإصغاء جيداً لهؤلاء المرضى وعدم القول لهم إن ألمهم وهمي وموجود فقط في رؤوسهم.
في الواقع، يحدث الاكتئاب خللاً في عمل السيروتونين والنورادرينالين، الناقلين الكيميائيين للألم. ويبرر ذلك شعور أكثر من نصف الأشخاص المكتئبين بأوجاع غير عادية، بينها 20 إلى 30 في المئة في مساحة الظهر. وقد أثبتت بعض الأدوية المضادة للاكتئاب، التي تؤثر في النورادرينالين والسيروتونين، فاعليتها في معالجة الاكتئاب والألم على حد سواء. ولذلك يصفها الأطباء اليوم لتخفيف ما يبدو وجع ظهر بسيطاً.

إعادة تنظيم العمل وتخفيف التوتر
بدأت بعض الشركات الكبيرة تأخذ في الحسبان عامل التوتر بسبب تكرر الإجازات المرضية عند الموظفين نتيجة المشاكل الناجمة عن التوتر. وعمدت لهذه الغاية إلى تكريس استراحة الغداء ظهراً بحيث يستطيع الموظفون الخروج من مكاتبهم وممارسة أي نشاط للترفيه عن أنفسهم وتخفيف الضغط قبل معاودة العمل مجدداً. وقامت بعض الشركات أيضاً بإعطاء الإرشادات لموظفيها بشأن الوضعيات الصحيحة وكيفية الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر، وطريقة رفع الأغراض عن الأرض وما شابه...

التحرك المنتظم لإرخاء العضلات
إلا أن الارتخاء الناجم عن التدليك والمعالجات اليدوية لا يحلّ مسألة التوتر. لذا، يجدر بالأشخاص الذين يتعرضون للكثير من التوتر، وبصورة يومية، اللجوء إلى تقنيات الاسترخاء وحتى التنويم المغنطيسي للسيطرة على العواطف. وتشكل هذه التقنيات جزءاً من الأسلوب العلاجي المعتمد في معظم مراكز معالجة الألم حول العالم.
ولا بد طبعاً من تغيير أسلوب العيش والسيطرة على النوم وممارسة نشاط جسدي منتظم. فالوصفة المثالية لمحاربة الألم هي تحسين وضعية الجلوس وتكييفها مع النشاط الذي تتم ممارسته. وفي يوم العمل، تبرز الحاجة إلى استراحات عدة لإرخاء الظهر وتخفيف التوتر العصبي. بالفعل، يجب النهوض عن المكتب بين الحين والآخر، والنظر إلى البعيد أو المشي قليلاً في أروقة المكاتب، وبرم الكتفين لتطريتهما، وبرم الرأس يميناً ويساراًَ.... لقد خلق الله عز وجلّ الجسم ليتحرك. ولا شيء أسوأ من الوضعية الساكنة بالنسبة إلى الظهر.

نصائح الخبراء
يأخذ الأطباء والاختصاصيون في معالجة أوجاع الظهر مسألة التوتر في الحسبان عند اختيار العلاجات الملائمة لمرضاهم.
في حال وجود الكثير من الصداع الصادر من العنق بسبب تحسسات الجذور العصبية والانقباضات العضلية خلف القسم العلوي من العنق، يسيطر الألم على جهة واحدة من الرأس ثم ينزل إلى العضلات المربعة المنحرفة في العمود الفقري. يعزى ذلك إلى التوتر المفرط والوضعيات السيئة. في هذه الحالة، يتأكد الطبيب أولاً من عدم وجود ورم، أو انحطاط في فقرة، أو ورم ليفي عضلي.
يباشر الطبيب أو المعالج الفيزيائي أو المعالج اليدوي بعدها في إرخاء نقاط الانقباض عبر تدليكات خفيفة وعميقة، حسب حالة كل مريض، ويعلّم المريض تقنيات التنفس الصحيحة باستعمال عضلات البطن والعضلات المنحرفة والشريان المعترض في البطن. كما يعمد المعالج إلى تنشيط عضلات أسفل الظهر، والحوض، والمؤخرة بطريقة تضمن استقرار الجسم وثباته في الوضعيات. أما عضلات أعلى الظهر فلا بد من إرخائها لترك حركات الرأس طليقة والسماح بتنفس جيد.
من جهة أخرى، يمكن التخفيف من التعبير الجسدي للتوتر عبر تقنيات لتمديد العضلات، شرط أن يترافق ذلك مع تمارين للتمدد الذاتي، وتمارين قلبية وعائية شاملة، وتمارين تنفس عبر البطن، وغذاء صحي خالٍ من المنبهات (الشاي والكافين...)، وسيطرة جيدة على النوم.

تمارين رياضية منزلية
إرخاء العضلات وتمديدها وتنشيطها... عند تحقيق هذه الأهداف الثلاثة، يمكنك عقد الصلح مع ظهرك ونسيان أوجاعه ومشاكله.
لعلّ النشاط الجسدي هو الحل الأمثل لتخفيف توتر العضلات والتخلص من التوتر السيء. فعند تحريك كل الجسم، عبر تشغيل العضلات والتنفس بعمق، يمكن الهروب بشكل دائم من الألم. ويتجلى الحل المثالي في الاسترخاء لفترات قصيرة موزعة على مراحل عدة من اليوم. لكن يمكنك أيضاً ممارسة بعض التمارين مساء عند العودة إلى المنزل بعد يوم عمل طويل.
حين تكونين متوترة، تشعرين برغبة في إفراغ هذا التوتر وإخراجه من داخلك. ويؤكد الاختصاصيون أنه كلما قمت بتشغيل العضلات، أطلقت المزيد من الطاقة. والمهم هو تقوية العضلات العميقة التي تدعم الجسم، أي عضلات الوضعية. في المقابل، يجب تمديد العضلات السطحية، أي تلك التي تنقبض بفعل التوتر، لإرخائها جيداً. ولحسن الحظ أن هذه التمارين البسيطة هي في متناول الجميع، ويمكن ممارستها في أي وقت حتى لو كنت متعبة جداً.

التخفيف من التوتر
تكشف الأدوية عن تأثير محدود في معالجة مشاكل الظهر والتخفيف من أوجاعه، فيما تبين أن العلاجات اليدوية قادرة فعلاً على إرخاء الظهر.
يجدر بالطبيب أولاً فحص المريض الذي يشكو من ألم الظهر والتأكد من عدم وجود أية أسباب جسدية (آفة أو مرض) وراء الألم قبل إلقاء اللوم على التوتر. بعد ذلك، يسأل الطبيب مريضه عن أسلوب عيشه ومدى حجم التوتر الذي يتعرض له، لأن العلاج يرتبط في أغلب الأحيان بمستوى التوتر الموجود.
إذا تبين جلياً أن أوجاع الظهر ناجمة عن توتر عصبي، قد تجدي الأدوية نفعاً قليلاً، وإنما بصورة مؤقتة. ويعترف الأطباء أن مسكنات الألم ومرخيات العضلات تكشف عن تأثير محدود وقصير الأمد. لذا، يتوجه المرضى الذين يعانون من توترات مستمرة في العضلات إلى المعالج الفيزيائي أو المعالج اليدوي القادر على تخفيف الأوجاع بمجرد تدليك مساحة الظهر وإرخاء التوتر المتراكم فيه. وقد أثبتت التجارب أن العلاجات اليدوية، على اختلاف أنواعها، مفيدة لتخفيف أوجاع التوتر، رغم أن هذه الفاعلية لم تثبت بعد علمياً.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079