لهذه الأسباب على الأهل تجنب كلمة «لا» الشهيرة
التربية الإيجابية هي النهج الذي يكتسب المزيد من الشعبية، للقضاء على «لا» الشهيرة الدائمة الحضور في مفردات الأهل. فهذه الـ «لا» التي يطلقها الأهل كيفما تحرّك طفلهم الصغير، وتحديدًا عندما يبدأ التحرك وحده للاستكشاف، والاختبار، وطرح الأسئلة، تجعلهم يشعرون أحيانًا وكأن كل ما يقولونه له «لا».
مع ذلك، ورغم أن هذه الكلمة توحي بالسلبية، فهي مهمّة لوضع حدود للأطفال وجعلهم يلتزمونها. وبالإضافة إلى ذلك، هذه الكلمة المؤلفة من حرفين هي في معظم الأحيان أول ما يتبادر إلى ذهن الأهل لدعم سلطتهم، وأيضًا لحماية الطفل الذي هو على وشك أن يفعل شيئًا خطرًا يؤذيه.
لذا، يشدّد الاختصاصيون على أن كلمة «لا» ينبغي أن تكون مفهومًا تربويًا هدفه بناء شخصية الطفل.
فالطفل عمومًا يشعر بالطمأنينة حين يتصرف على ضوء قواعد محدّدة أكثر من التصرف في نظام لا حدود له. ووضع الحدود والقوانين المنزلية الثابتة هما أمران ضروريان لنمو الطفل الذهني والنفسي. ويشيرون إلى ضرورة أن تكون كلمة «لا» قائمة على أسباب محدّدة إذ لا يجوز قولها لمجرد الـ«لا»، بل على الأم التفكير في دوافعها! وأن تشرح لطفلها سببها كأن تقول له مثلاً: «لا تقفز عن الكنبة لأنك ستقع، أو تؤذي نفسك». فالهدف بناء شخصية الطفل، وليس فرض سلطة أبوية تعسفية.
لذا من الضروري أن يدرك الأهل أن هذه الـ«لا» لم تكن لممارسة السلطة الأبوية أو إخضاع الطفل لمزاجهم، بل لتنشئته على أساس تربوي يعلّمه تقبّل رأي الآخر ولو كان معارضًا له، ويحضّره للاءات الكبرى التي سيواجهها في المدرسة أو في حياته العملية في المستقبل، فضلاً عن أنه سيتعلّم كيف يسيطر على رغباته وأهوائه، وأن ليس كل ما يطلبه يمكنه الحصول عليه.
وفي المقابل، يجب تعليم الطفل احترام قيمة الأشياء. فعندما يحترم الطفل مثلاً أنه من غير المسموح له أن يكسر زهرية موجودة على الطاولة، سيعرف كيف يحافظ على أغراضه في المستقبل. إذ لا يجوز أن يظن أن كل شيء متاح له في المنزل وفي إمكانه تكسيره.
التربية الإيجابية في مواجهة طفرة الـ«لا»
الهدف من التربية الإيجابية تقليص هذه الطفرة في ترداد «لا» على مسامع الطفل تفقد معناها، وتفقد الطفل ثقته بنفسه.
ففي العديد من المناسبات، يُحبط الآباء رغبات طفلهم عندما يقولون «لا» كيفما اتُّفق، وبالتالي تفقد معناها التربوي. فبعض الأطفال ينظرون إلى هذه الـ «لا» البسيطة كدعوة إلى المواجهة، وكهجوم مباشر على استقلاليتهم.
وهم بدورهم يحشدون كل طاقاتهم للهجوم المضاد. فيصرخون، ويدخلون في أزمة بكاء وغضب، وينهالون على أهلهم بفيض من العبارات التي تعبّر عن غضبهم: «لماذا لا؟ أنا أكرهك!».
ويعتقد كثيرون أن سماع الطفل بشكل مكثّف هذه الـ«لا» الملزمة سوف يؤدي إلى تأخر مرحلة الاستقلالية لديه، وبالتالي ثقته بنفسه.
لماذا؟ لأن الصيغة السلبية، والتي غالبًا ما تُستعمل في لهجة تعكس شعور الأهل بالقلق، توتّر الطفل. وبالتالي، فإنّ الطفل (أو المراهق) إما يعارض أو يخضع، وهذا فيه مجازفة أن يفقد الطفل الثقة بنفسه. فمن المعلوم أنه من أجل أن ينمو الطفل، يجب تحفيز فضوله والرغبة في الاستكشاف، فيما التعليمات السلبية قد تؤثر في هذا النمو. لذا فإن التعامل مع الطفل بانفتاح، من شأنه أن يسمح لدماغه أن ينضج على النحو الأمثل.
وبناء على ما تقدّم، ينصح الاختصاصيون الأهل بتجنب «لاءاتهم» المفرطة، وهذا ليس سهلاً ولكن يمكنهم المحاولة في ثماني خطوات.
● إعطاء التعليمات والمعلومات
على الأهل شرح أسباب رفضهم قيام طفلهم بعمل ما قد يؤذيه بدلاً من مجرد الجواب السلبي. فالعلم بالأسباب، يُشعر الطفل بأن والديه يحترمانه، وبالتالي يتفهّم منطقهما الخاص. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يسأل إذا كان في إمكانه تناول الكعكة، فبدل القول له «لا»، على الأم أن تجيبه: «سوف نتناول العشاء بعد بضع دقائق». بذلك يفهم أنه لن يأكل الكعكة، لأنه سيتناول العشاء، وبالتالي تختفي «لاؤه» المعارضة.
● تفهّم مشاعر الطفل وعواطفه
قد تبدو دموع الطفل وأزمة الغضب التي يمر بها طفولية، ولكن الألم الذي يشعر به الطفل يكون حقيقيًا. لذا فمن الأفضل أن تُظهر له والدته أنها تتفهمه... «تشعر بالحزن لأنك متألم»، بدلاً من محاولة الاستخفاف بما يحدث، لأن الأمر في رأي والدته لا يستحق.
● قول «نعم» بدلاً من «لا»... عندما يكون ذلك ممكنًا
يمكن الأهل الاستعاضة عن «لا» بكلمة «نعم» بشكل لطيف، فعندما يطلب الطفل من والدته مثلاً أن يلعب بالسيارة أثناء تناول الغداء، يمكنها أن تجيب: «نعم، سوف أسمح لك باللعب، بعد الانتهاء من وجبتك».
● أخذ الوقت للتفكير
عندما يطلب الطفل من والده مثلاً شراء لعبة يرغب فيها، بدل أن يجيبه فورًا بـ «لا»، يمكنه أن يجيبه: «اسمح لي أن أفكر في ذلك»، فهذا يُشعره بأن طلبه مهم وأن والده يتعامل معه بجدية.
● منح اختيارات عدة
عوضًا عن رفض الأهل طلب الطفل، عليهم منحه اختيارات عدة. على سبيل المثال، يرفض الطفل الذهاب إلى الفراش، وبدل أن تناقشه والدته، ويدخلان في جدال لا نهاية له، يمكنها أن تقول له: «أمامك خياران، إما اللعب بلعبك لخمس دقائق أخرى، أو يمكننا قراءة كتاب معًا»، فهذا يمنحه القدرة على الاختيار والتقيّد بما اختاره.
●معاملة الأطفال باحترام
وهذا ينطبق على الجميع: فعندما نعامَل باحترام، نصبح أكثر ميلاً للقيام بما يُطلب منا، وكذلك الطفل.
● البحث عن الحلول معًا
في بعض الأحيان، يعاني الأهل والطفل مشكلة الإصغاء إلى بعضهما البعض. ومع مراعاة النقاط المذكورة أعلاه، قد يكون من الحكمة الجلوس وإيجاد حل معًا. الأهل يستمعون الى وجهة نظر الطفل، وهو بدوره يستمع إلى وجهة نظر والديه. وبالتالي يتفهم كلا الطرفين وجهات النظر ويتذكّرانها.
● إعطاء حل وسط للطفل بدل قول «لا»
«لا تلمس ذلك»، «لا تذهب هناك»، «لا تفعل هذا!»... نحن نمنع، نحن نحرم... ومن المستحيل احتساب عدد المرات التي يقول فيها الأهل لأطفالهم «لا» في اليوم الواحد. والمشكلة، أنه من خلال سماع هذه الـ«لا» من والديه، وهو بين الثانية والثالثة من عمره، يمكن أن يكون لها تأثير إبراز مرحلة الـ «لا» لديه.
وهذا لا يعني أن على الأهل التوقف عن منع الطفل من القيام بأمور تؤذيه، وإنما من الأفضل وبكل بساطة تقديم بديل للطفل. على سبيل المثال، إذا كانت الأم لا تريده أن يشرب من كوب زجاجي، خوفًا من أن يرميه فيُكسر ويجرح يديه، يمكن أن تعطيه كوبًا بلاستيكيًا ليشرب وحده.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024