أدوية تنشيط الذاكرة
ابتداء من سنّ الثلاثين، يبدأ العديد من الناس يلاحظون فقدان حدة ذكائهم ويفترضون أن هذا الأمر هو مجرد جزء من عملية تقدمهم في السنّ. إلا أن التقدم في السنّ ليس مسؤولاً عن الحالة المرضية التي يشهدها الكثيرون والتي تقوم على التدهور الفكري الحاد. في الواقع، يتأثر دماغ الإنسان بدرجة عالية بالعوامل الخارجية التي قد تنتج عنها تأثيرات إدراكية سلبية.
لا شك في أن تعرّض المرء للتوتر المتزايد واعتماده نظام غذائي غير متنوع ويفتقر الى الفيتامينات وإتباعه نمط حياة معين وتعرّضه للملوثات البيئية يلحق الضرر بخلايا دماغه الهشة. بالإضافة الى أن العديد من الأدوية التي تباع في الصيدليات تتسبب بفقدان الذاكرة الحاد.
حتى أن الأطفال يواجهون صعاباً في التصرف والتعلّم مرتبطة بتعرضهم للملوثات، ويمكن لهكذا مشاكل أن تستمر معهم حتى بلوغهم سنّ الرشد. كما أن الأشخاص الذين يعرفون تدهوراً إدراكياً في السن الثلاثين أو الأربعين نتيجة اعتمادهم نظاماً غذائياً فقيراً ونمط حياة مضنياً وشاقاً يكونون عرضة أكثر من غيرهم للإصابة بالتدهور الإدراكي الحاد في مرحلة لاحقة من حياتهم.
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل من وسيلة للحفاظ على ذاكرة الإنسان وقدراته الذهنية رغم كل التوتر والتعب والإرهاق وقلة النوم التي يتعرض لها يومياً؟
هل من تأثيرات جانبية للأدوية الجديدة التي تعد بتعزيز الذاكرة عبر تقديم ذكاء أكثر حدة للأشخاص الذين يفرطون في العمل أو الذين لا يحصلون على قسط وافر من النوم؟
حسنات الأدوية
هل يصبح الإنسان يعتمد على حبة ليتذكر أين وضع مفاتيحه أو ليؤدي عمله في شكل صحيح؟ في الأصل، تم اختراع حبوب بروفيجيل Provigil للأشخاص الذين يعانون السبّخ أو النوم الذي لا يقاوم وتمت الموافقة عليها الآن لمعالجة انقطاع النفس الموقت أثناء النوم والخلل في النوم الناتج عن التناوب في ساعات العمل.
ولكن هذه الحبوب أصبحت تستعمل أيضاً لمعالجة حالات أخرى غير محددة على علامة الدواء على أنها المنشّط الأكثر سرية في العالم. على عكس الأمفيتامين والكافيين وغيرها من المواد المنبهة الشائعة مثل عقار ريتالين Ritalin و أديرال Adderall التي تسمح لك بأن تركزي وتتركك نشيطة وإنما شديدة العصبية في شكل غير مستحب، يقدم دواء البروفيجيل Provigil تحسناً طفيفاً في المزاج وليس شعوراً غامراً بالنشاط والقوة بالإضافة الى إحساس بأنك قادرة على إتمام المهمة الموكلة إليك أياً كانت.
على الأرجح أن ثمة شيئاً واحداً نخشى أن نفقده أكثر من شعورنا بالرغبة الجنسية أو حتى حياتنا ألا وهو عقلنا. وهو ما يفسّر وجود ما لا يقل عن ٤٠ دواء في مرحلة التطوير يعرف عنها أنها تعزز الإدراك والوعي.
سواء وصفت هذه الأدوية لمعالجة حالات خطيرة على غرار مرض الزهايمر (خرف الشيخوخة) أو انفصام الشخصية أو لمعالجة حالات وأمراض أخف حدة وغير محددة في شكل واضح على غرار الحرمان من النوم والخلل الإدراكي الطفيف MCI (وهو عبارة عن مرض عصبي نفسيّ جديد وعصري تصاب به العديد من النساء اللواتي يرهقن أنفسهن في العمل)، سوف تدرّ هذه الأنواع من الأدوية الكثير من المال نظراً الى أنها تستعمل لمعالجة أكثر من حالة واحدة.
ومن المؤكد أن الأدوية التي تعد بتحسين الذاكرة هي ردة فعل على جيل يتقدم في السنّ: سوف يبلغ حوالي ٤٥ مليون أميركي الخمسين من عمرهم خلال السنوات العشر المقبلة، وبما أن فقدان درجة معينة من الذاكرة يشكل مرحلة لا مفر منها من عملية التقدم في السنّ، فهذا يعني أن الكثير من الناس سوف يصلون الى مرحلة يتمنون فيها لو أنهم يتذكرون أين وضعوا مفاتيحهم.
إلا أن جزءاً كبيراً من الطلب على هذه الأنواع من الأدوية هو لمحاربة ليس أمراضاً سريرية على غرار مرض الزهايمر فحسب وإنما مرضاً حضارياً أيضاً: معظم الناس لا يحصلون على قسط وافر من النوم ويجهدون أنفسهم في العمل ويسيطر عليهم خوف يائس من أن يتركهم الأشخاص المحيطون بهم ويتناسون أمرهم.
وهذا القلق أو الخوف لا يصيب فقط الكبار في العمر المهيبين وإنما الجيل الشاب والصاعد أيضاً في شكل نسبي مثل الأشخاص في الثلاثين والأربعين من عمرهم وأحياناً حتى الأصغر منهم سناً.
أهمية الغذاء الصحي
في حين أننا ننتظر حبوب الدواء السحرية التي تعد بأن تؤمن لنا تركيزاً حاداً، ثمة خيارات لا تسيطر على المرء وهي غير طبية تستحق عناء تجربتها. يمكن تناول الخضار والفاكهة أن يساعد الذاكرة على أن تكون في أوج عطائها. فالنظام الغذائي والتمارين الذهنية والجسدية وتخفيض نسبة التوتر تساهم في جعل الدماغ يشتغل في أفضل شكل ممكن.
بالإضافة الى أنواع معينة من الموسيقى تساعد الدماغ على الاسترخاء. ويدّعي مؤيدو هذه النظرية أن العلاج بواسطة الموسيقى يخفف من حدة التوتر الذي قد يؤثر سلباً على الذاكرة، على الرغم من أن الدراسات قد أظهرت حتى الآن أن تسجيلات الموسيقى تساعد فقط على تحسين نوعية النوم.
خلال السنوات القليلة الماضية، تضاعف عدد وصفات البروفيجيل (اسمها السائب مودافينيل) من مليون وصفة في العام ٢٠٠٢ الى حوالي مليونين في العام ٢٠٠٤، كما وقد أدرّت أدوية البروفيجيل حوالي ٤٤٠ مليون دولاراً أميركياً في العام ٢٠٠٤ ومن المتوقع أن ترتفع نسبة المبيعات بحوالي ٢٥٪ في سنة ٢٠٠٥. لا بد من أن نواجه الحقيقة التالية: لا يوجد في العالم هذا العدد الهائل من الأشخاص الذين يعانون السبّخ أو النوم الذي لا يقاوم.
وفقاً لشركة سيفالون Cepahlon، وهي الشركة الصانعة لعقار بروفيجيل، يتوقع أن نسبة مرتفعة تصل الى ٥٠٪ من الأشخاص الذين يستعملون الدواء يستعملونه لمعالجة حالة مرضية أخرى غير المحددة على علامة الدواء، على سبيل المثال مساعدة الأشخاص الذين يعملون طوال الليل على تحمّل عبء العمل والمثابرة أو مساعدة غيرهم من الذين يرغبون في تمضية نهاية أسبوع في بلد غريب على عدم الشعور بالتعب أو النعاس بغية الاستفادة من عطلتهم الى أقصى حد.
ويتعجب علماء النفس كيف أن هذا الدواء أصبح مستعملاً في شكل شائع وواسع جداً من دون أي فهم فعلي للعلم الأساسي وراءه. أما ما يدركه العلماء هو أن هذا الدواء يعمل على بعض ناقلات عصبية تعزز الوعي والإدراك في ممرات أكثر تحديداً من الأمفيتامين بالإضافة الى تأثيراته الجانبية القليلة.
يستعمل عقار بروفيجيل للتركيز على المدى القصير ولكن العديد من الأدوية الأخرى طور التطوير تستهدف تعزيز الذاكرة على المدى الطويل. وتتعدد استعمالات الجيل الجديد من العقاقير التي تدعم الذاكرة والذكاء الى ما لا نهاية وتتراوح ما بين القدرة على تنظيم العمل بطريقة أفضل وصولاً الى القدرة على اتخاذ قرار صائب في انتخاب المرشح المناسب.
ولكن رغم ذلك، تماماً كما هي الحال بالنسبة الى الجدل الذي تثيره حقن الستيرويد في مجال الرياضة، لا يمكننا إلا أن نطرح السؤال لمعرفة ما إذا كان تحسين الأداء الإدراكي أمر عادل. ولا بد من الإشارة الى أن هذه الأنواع من الأدوية باهظة الثمن (حوالي ٧ دولارات الحبة) وعلى الأرجح أنها سوف تستلزم استعمالاً مستمراً على غرار الأدوية المضادة للاكتئاب.
هل سوف يتمكن المرء يوماً ما من شراء الذكاء الذهني؟ هل ستكون الذاكرة القوية لفترة طويلة والفطنة والذكاء منقسمة هي أيضاً وفقاً للطبقات الاجتماعية، فيتمكن الأثرياء وأصحاب النفوذ فقط من دفع تكاليف جرعات يومية من العقاقير المقوية للذاكرة؟ وهل نريد فعلاً أن نعيش في عالم يكون فيه الثري وحده ذكياً؟
كما أن الطلب على العقاقير التي تدعم الذاكرة يستند هو أيضاً الى الافتراض بأن الأخطار الطويلة الأمد لهذه الأدوية على الصحة سوف تكون ضئيلة وغير جديرة بالذكر. ولكن هل هذا الافتراض صحيح نظراً الى أننا من خلال العبث بالطبقة الخارجية لدماغنا نحاول تغيير ١٠ ملايين سنة من التطور البشري.
التأثيرات الجانبية للأدوية
حتى الآن تقتصر التأثيرات الجانبية التي تم التصريح عنها على آلام الرأس والشعور بالغثيان والعصبية وتخفيض فعالية بعض أنواع وسائل التحكم بالحمل. حتى أن الباحثين أنفسهم يعترفون أنه ربما يكون للعقاقير التي تدعم الدماغ وتعزز فعاليته تأثيرات جانبية لم يتمكنوا بعد من معرفتها. ماذا لو كانت هذه المكونات تمنعنا من النسيان؟
فإن قدرتنا على ترشيح المعلومات غير المفيدة والتخلص منها مهمة بقدر قدرتنا على التذكر. ويعتقد الباحثون أن الجانب السلبي للعقاقير التي تدعم الذاكرة هي أن الدماغ قد يصبح في حالة من الفوضى. أو لسنا منذ الآن ومن دون تناول هذه العقاقير نعاني حالة من الفوضى على صعيد أدمغتنا؟
إذا لم نأخذ العقاقير بعين الاعتبار، هناك الكثير من الأمور التي يمكننا القيام بها في الوقت الحالي لحماية قوة دماغنا وتعزيزها، على سبيل المثال استعمال الجنكة (شجر صيني مروحي الورق أصفر الثمر) وهو عبارة عن مغذ إضافي مصنوع من النبات أثبت أنه عندما يستعمل في بعض التركيبات يعطي دفعة صغيرة وإنما مهمة الى الذاكرة.
بالإضافة الى ذلك، ثمة أربعة مكونات يمكن اعتمادها في نمط الحياة وهي تحمي الدماغ ألا وهي تخفيف التوتر وممارسة التمارين الرياضية والتدريب الذهني والتغذية.
ولا بد من الإشارة الى أنه يتم التعرّف في شكل متزايد الى الدور الذي يلعبه التوتر كلاعب أساسي في الخلل الإدراكي، إذ وجدت دراسات نشرت حديثاً أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات عالية من الكورتيزول، وهو هرمون يفرزه الجسم أثناء فترات التوتر، قد أظهروا درجات عالية من الخلل في الذاكرة.
ويشجع الباحثون على إتباع النظام الغذائي المعتمد في دول منطقة البحر الأبيض المتوسط والقائم على كمية أكبر من الفواكه والخضار وزيت الزيتون والأسماك من النظام الغذائي الذي يتبعه الأميركيون في شكل نموذجي.
وفي دراسة أجريت في المعهد الطبي في مركز جامعة راش الطبي في شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية، وجد الباحثون أن خطر الإصابة بمرض خرف الشيخوخة الزهايمر كان أقل بنسبة ٦٠٪ لدى الأشخاص الذين يأكلون السمك مرة واحدة في الأسبوع مقارنة بالأشخاص الذين نادراً ما يأكلون السمك أو لا يأكلونه على الإطلاق.
كما وأن الذاكرة تشكل هي أيضاً منطقة أخرى من الصحة تتصل اتصالاً وثيقاً بالوزن. فالأمراض التي تعزى الى السمنة والتي تلحق الأذى بالقلب على غرار داء السكري وضغط الدم المرتفع وتصلّب الشرايين، تمنع الدماغ أيضاً من الحصول على كمية الأوكسجين والمغذيات المناسبة وقد تلحق الضرر بالذاكرة.
وقد أثبتت دراسة تلو الأخرى أن دماغنا في حاجة الى التمارين هو أيضاً على غرار المطالعة وحل الكلمات المتقاطعة وممارسة هواية ما أو أي تمرين يشكل تحدياً بالنسبة الى الدماغ ويدفعه الى تعلّم شيء جديد وحفظه.
ويطرح موضوع تناول عقاقير دعم الذاكرة أسئلة جدية حيال مسألة الإدمان على هذا النوع من الأدوية.
ولا تزال الأبحاث تحاول أن تكتشف ما إذا كان دواء بروفيجيل يسبب الإدمان للجسم أو العقل في كل بساطة لأنه فعال جداً. فالشخص الذي يتناول هذه الأدوية يصل الى مرحلة يصبح خلالها يتوق توقاً شديداً الى الهرب من الروتين اليومي. وتعكس الأدوية التي تساعد على دعم الذاكرة وتقوية التركيز رغبة البعض منا في عدم اكتشاف عالم آخر وإنما في التمسك بشدة بعالمنا الحالي.
ما هي الذاكرة؟
الذاكرة هي عبارة عن عملية حفظ تجارب وتخزينها واستعادتها وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتعلّم. من خلال التعلّم نحصل على المعرفة، ومن خلال الذاكرة تصبح هذه المعرفة متوفرة لنا. هناك أنواع مختلفة من الذاكرة: الذاكرة المؤقتة أو القصيرة الأمد وهي تخزن لفترة قصيرة جداً في الدماغ تتراوح ما بين المليثانية (جزء من ألف) وبضع دقائق؛ والذاكرة الدائمة أو الطويلة الأمد وهي التي تدوم فترة أطول. يمكن الذاكرة القصيرة الأمد أن تصبح طويلة الأمد من خلال الانتباه والتركيز والأفكار المتناسقة والتكرار.
هل أن النسيان أو فقدان الذاكرة مرحلة طبيعية من عملية التقدم في السنّ؟
هناك فقط القليل من التغييرات الإدراكية التي ترافق عملية التقدم في السنّ. بينما يتقدم المرء في السنّ، تنخفض السرعة التي يعالج بها المعلومات السمعية والمرئية والحسية. ومع مرور الوقت، يحصل أيضاً انخفاض في نية تذكر أسماء أو أرقام أو أماكن مشهورة جداً عند الحاجة الى تذكرها. عندما لا يكون الشخص مصاباً بأمراض خطيرة تصيب ذاكرته، من الممكن تحسين الذاكرة والوظيفة الإدراكية في سنّ متقدمة.
كيف يمكننا تحسين الذاكرة مع التقدم في السنّ؟
تشتمل عملية تحسين الذاكرة ودعمها على أمور كثيرة ومن الضروري تخصيصها وفق احتياجات كل شخص. فهي تستلزم ضرورة إبقاء الذهن نشيطاً وتأمين التمارين والدعم اللازم للدماغ والجسم لكي يعملان في أفضل شكل ممكن. كما ويجدر بك أولاً أن تقري لنفسك السبب الذي يدفعك الى تعزيز ذاكرتك، إذ من الضروري أن يكون لديك حافز كاف لكي تتمكني من استهلال التغييرات التي تقومين بها والمحافظة عليها. مهما كانت هذه النشاطات بسيطة وسهلة، لا يحصل التغيير من دون نية وإدراك.
نصائح للمساعدة على تنشيط الذاكرة
- القي نظرة على عاداتك وانتبهي إذا كان أي منها لا يعزز ذاكرتك وينمي ذكاءك. وإذا وجدت أياً منها، ضعي خطة لتغييرها. فكري في اكتساب عادات جديدة يمكنها أن تدعم ذاكرتك كأن تعيري انتباهك للأمور، وتعدّي اللوائح، وتدوّني الملاحظات، وتنظمي بيئتك، وتربطي ما بين الوقائع والصور.
- ممارسة أي نشاط بشكل منتظم يحرك الدم في الجسم كالمشي وممارسة تمارين عادية في شكل منتظم.
- النوم: النوم من ٧ الى ٨ ساعات متواصلة ليلاً وفي وقت محدد قدر الإمكان.
- الغذاء: تناول الفاكهة والخضار والحصول على كمية كافية من فيتامين B12 لعلاقته المباشرة بالذاكرة.
- تنشيط الذاكرة وتمرينها بالقراءة والمطالعة ومحاولة حل بعض الألغاز عامة.
شارك
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
فُتحة فستان ليلى علوي تثير الجدل... والفساتين...
إطلالات النجوم
مَن الأجمل في معرض "مصمّم الأحلام" من Dior:...
أخبار النجوم
يسرا توضح حقيقة خلافاتها مع حسين فهمي
أكسسوارات
تألّقي بحقيبة الملكة رانيا من Chloé... هذا سعرها
إطلالات النجوم
الـ"أوف شولدر" يغلب على فساتين نجمات الـ"غولدن...
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024