اللياقة البدنية والرياضة
عصر التطوّر والتكنولوجيا هذا هو سيف ذو حدين! فصحيح أنه قد سهّل حياة الإنسان عبر إمداده بأحدث الإختراعات التي من شأنها أن تُريحه وتُسرّع عمله وتخدم حاجاته اليومية. فالكهرباء والسيارة والمصعد الكهربائي والكمبيوتر والريموت كونترول وسواهاأدوات بسيطة تمنع الإنسان من التعب كونه يستخدمها بأقلّ طاقة ممكنة. لكن من جهة أخرى، بات المرء سجين التطوّر من حيث يدري أو لا يدري. إذ أضحى يتقاعس شيئاً فشيئاً عن القيام بالمهمات التي تتطلّب حركة، فيستقلّ السيارة عوض المشي أو الجري أو حتى إستخدام الدراجة. كما يصعد من طابق إلى آخر بالمصعد وليس على السلالم، ولا يكبّد نفسه حتى عناء الحراك لتغيير القناة على التلفزيون، بل يستعين بأداة التحكّم...
هذا الخمول ينعكس سلباً على حياة المرء وعلى صحته وعلى لياقته وقوامه وأحياناً على نفسيّته. كيف يمكن التوفيق ما بين الحركة اليومية وما بين القيام بالرياضة الخاصة وبالتمارين المدروسة المخصّصة لكل أجزاء الجسم. وهل تكفي الحركة وتعوّض عن الرياضة للحصول على النتيجة المُثلى؟ وما علاقة الأكل؟
يفسّر مدرّب الرياضة جو بو جودة الإختلاف ما بين الرياضة وبين الحركة التي يقوم بها الناس في نهارهم العادي، شارحاً أهمية اللياقة البدينة على إختلاف الأصعدة. كما تتحدث الإختصاصية في علم التغذية رولا باسيل عن علاقة الأكل والنشاط بالقوام والشكل الخارجي.
أهمية الرياضة في الحياة
ثبت أنّ ممارسة الرياضة تعمل على إنقاص الوزن الزائد، كما تحافظ على جسم سليم وقوام مشدود. وتقلّل أيضاً خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين وإرتفاع ضغط الدم وداء السكري وإلتهاب المفاصل وآلام الظهر وترقق العظام. والرياضة أيضاً تنظّم الشهيّة بحيث تمنع من المبالغة في الأكل منعاً لزيادة الوزن.
يقول بو جودة «إنّ أجسامنا بحاجة إلى الحركة والتمارين. فالقيام بالتمارين اليومية مهمة جداً للياقة البدينة وللصحة.
فعند البدء بالرياضة، يبدأ الجسم بإستهلاك الطاقة الموجودة فيه. لذلك يتدرّب الجسم على أن يكون أكثر مرونة وحركة مستخدماً كمية طاقة أقل، وينتج عن ذلك المقدرة على الصبر والتحمّل. ومن خلالها يمكن تكوين العضلات وتشكيلها وتنمية العظام للحصول على المظهر الأفضل لشكل الجسم وعلى الصحة.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ زيادة المرونة في الجسم عن طريق الرياضة تقلّل من فرص الإصابات وتحسّن عملية التوازن والتناسق في الجسم. فبمجرّد القيام بتمارين خفيفة لشدّ الجسم وجعل العضلات في حالة إرتخاء وراحة، يزول ألم الرقبة أو الجزء العلوي من الظهر أو حتى التوتر والشدّ العصبيّ».
وترى رولا باسيل، من جهتها، أنّ «الرياضة بإختصار هي مفتاح التحكّم في وزن الجسم لأنها تساعد على حرق السعرات الحرارية الزائدة بغية إبقاء القوام مصقولاً. ذلك أنّ القيام بالتمارين الرياضة يخفف من وطأة ما تناوله المرء، كما تفرض أحياناً إتباع نظام محدّد وتعلّم المرء الإنضباط وعدم الشراهة».
فوائد للجسم
تعتبر الحركة الجسدية والرياضة من أهمّ عوامل تقوية البدن وتزكية النفس وتنشيط الدماغ. يمكن إيجاز فوائدها الكثيرة للجسم كما يلي، حسب المدرّب بو جودة: «تساعد الحركة عمل القلب، فتزيد كفاءته وقدرته وقوّته ليزداد ضخّ القلب للدم المحمّل بالعناصر الغذائية والأوكسيجن إلى جميع أعضاء الجسم والعضلات، بغية إستمرار إنتاج الطاقة، مما يؤدّي إلى تغذية أفضل لهذه الأنسجة وبأقلّ جهد ممكن من القلب.
يضيف: «إنّ الحركة كفيلة بتنشيط خلايا العظام وتقوية الأنسجة العظمية وزيادة كثافة العظام عبر زيادة إمتصاص الكالسيوم والفوسفور، كما تقوّي الأوتار والأربطة بين المفاصل وتزيد مرونتها، مما يسهّل ثني الجسم وتحريكه بمرونة ومن دون ألم أو توتر. كما أنّ النشاط البدني يساعد على زيادة المادة اللزجة في المفاصل مما يمنع إهتراء الغضاريف الموجودة بينها. لذلك، فالحركة تقي الإنسان من الإصابة بآلام الظهر والمفاصل والروماتيزم وعرق النسا وهشاشة العظام».
وتقول باسيل: «تزيد الحركة القابلية لتناول الطعام وفتح الشهية وتحسين الحالة الغذائية المناسبة بالإختيار السليم للغذاء، والإستفادة من الغذاء بشكل أمثل. كما أنّ النشاط البدني والحركة والرياضة من أهمّ علاجات الإمساك المزمن عبر تحفيز حركة الأمعاء ومساعدتها على طرح الفضلات. وتجدر الإشارة إلى أنه بالحركة والنشاط والرياضة، تقلّ الأعباء الملقاة على الجهاز العصبي من التوتر والقلق. كما ترفع الناحية المعنوية للإنسان وتدعم الثقة بالنفس وإحترام الذات وتحسين المزاج والسلوك وتحسين نمط النوم مما يؤدي إلى تقليل الإكتئاب والقلق والإجهاد النفسي».
وتقلّل الرياضة من إحتمال الإصابة بالكثير من الأمراض، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والجلطات وإرتفاع ضغط الدم الشرياني وإرتفاع الكوليستيرول ومرض السكري وأمراض المفاصل والروماتيزم وآلام الظهر المزمنة وأمراض هشاشة العظام. وتقوّي مناعة الأنسان وتزيد مقاومته للأمراض.
الحركة اليومية
لا صحّة حقيقية من دون حركة ونشاط بشكل يوميّ. إنّ الحلّ هو في تغيير الأسلوب المعيشيّ الذي نعيشه اليوم نظر الى التطوّر السريع والتقدّم في جميع المجالات وإعتمادنا الكلّيّ على العديد من أجهزة التحكّم والمصاعد والسلالم الكهربائية ووسائل المواصلات الحديثة، بالإضافة إلى أنّ معظم الأشغال التي يمارسها العديد من الناس تتطلّب الجلوس الطويل. كلّ هذا قد أدّى إلى إتّباع سلوكيّات خاطئة في أمور الحياة اليومية من قلّة الحركة والنشاط.
تقول باسيل إنّ «أبرز المشاكل التي تسبّبها قلّة الحركة هي الخمول والكسل والإتكال على الآخرين، والتعب وعدم الصبر والإحتمال والإرهاق السريع لأقلّ مجهود، وقلّة الوعي الذهني وضعف الذاكرة والبلادة والقلق والتوتر والأرق. بالإضافة إلى أنها تدفع إلى الأكل بكميات مضاعفة ومن دون وعي أو حسبان بسبب الجلوس المستمرّ وعدم القيام بشيء. كما تظهر أمراض في سنّ مبكرة مثل إرتفاع الضغط وأمراض الشرايين وداء السكري والسُمنة ومضاعفاتها العديدة، بالإضافة إلى هشاشة العظام وتيبّس المفاصل وظهور بوادر الشيخوخة المبكرة».
من الناحية العلمية، إنّ الجسم لا يفرّق بين الرياضة التي تتمّ ممارستها بإستخدام الأجهزة والمشي على الرصيف، أو السباحة في حمام سباحة دافئ وبحيرة مفتوحة، فكلّ ذلك له التأثير نفسه على الجسم. لكن الأهم هو إتباع أسلوب نشط في حياتنا وهو ببساطة أن نمضي جزءاً أكبر من أوقاتنا في الخارج بدلاً من أن نحيا حياة ساكنة، وأن نتعوّد إستخدام السلالم عوض المصاعد الكهربائية وأن نستخدم الدراجة أو نمشي بدل القيادة أو ركوب الباص.
تغيير نمط حياة
حتى نعتاد على الحركة اليومية ونساعد جسمنا على التخلّص من الوزن الزائد وعلى إكتساب الصحة والشكل والعافية، يمكن إجراء تعديلات طفيفة على نمط حياتنا كي تتحسّن نوعيّة هذه الحياة تلقائياً، بحيث تصبح الحركة والنشاط روتيناً مُكمّلاً للرياضة وليس بديلاً عنه:
- حاول ترك مقعدك في العمل وتحرّك بين فترة وأخرى ولو داخل الحجرة.
- تعوّد إيقاف السيارة في مكان بعيد بعض الشيء عن المحلّ أثناء التسوّق أو عند الذهاب في نزهة لإعطاء فرصة للقدمين بالحركة والمشي.
- حاول ممارسة الرياضة في الهواء الطلق مرتين أو ثلاثاً أسبوعياً، فبعض التمارين لا تتطلب مكاناً خاصاً أو معدّات لأدائها، مثل المشي أو الجري.
- علّم الأطفال إتباع أسلوب حياة صحّيّ يوميّ ورافقهم وأظهر أهمّية ذلك لهم.
- قلّل إستخدام أجهزة التحكّم وتوجّه إلى التلفزيون أو الستيريو كلّما أردت تبديل قناة أو تعديل مستوى صوت.
- خفّف وقت الجلوس أمام التلفزيون والكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية منعاً لزيادة نسبة السمنة وخاصة عند الصغار.
- شجّع الأولاد على اللعب مثل الركض وركوب الدراجة والسباحة ولعب كرة القدم وحاول أن تلعب معهم.
أنواع الرياضة
يقول بو جودة: «يمكن تقسيم التمارين الرياضية إلى نوعين حسب توافر الأوكسيجين:
- التمرينات الرياضية الهوائية مثل المشي والهرولة والجري والسباحة. وهذه يستفيد منها المرء بالأوكسيجين الداخل من الهواء وتعمل على إمداد الجسم والخلايا بالأوكسيجين لكي تعمل بكفاءة. وهي من أفضل أنواع الرياضات فهي تحسّن الدورة الدموية وتنشّط القلب وتساعد على إنقاص الوزن.
- التمرينات الرياضية اللاهوائية:
نصائح عامة
كلّ شخص يمكنه القيام بحركة أثناء النهار. وعليه أن يمارس نشاطاً بدنياً طوال الوقت كي يتجنّب الخمول والترهل وزيادة الوزن. ومن جهة أخرى، تأتي الرياضة كعامل مكّمل للياقة والرشاقة، إضافة إلى إتباع نظام غذائي صحي ومدروس. يجمع المدرّب الرياضي وإختصاصية التغذية على إرشادات بسيطة للروتين اليومي:
- يجب إختيار نوع الرياضة المناسب، خاصة في حال الإصابة بمرض مزمن.
- يجب انتعال الحذاء المناسب للتقليل من إصابات القدم.
- أوقات الصباح وفترة العصر هي الأفضل للمارسة الرياضة.
- يجب ممارسة التمارين الرياضية على الأقل ثلاث مرات أسبوعياً ويجب مزاولة النشاط البدني والحركة بشكل يوميّ.
- يجب القيام بتمارين الإحماء والتهدئة قبل وبعد التمارين لمدة خمس دقائق، ولا يجب القيام بحركات فجائية.
- يجب الإكثار من تناول الماء أثناء التمرين.
- يجب إتباع نظام غذائي سليم ويدوم لمدى الحياة كي يعرف الإنسان معدّل كمية الطعام الذي يدخل جسمه مع الطاقة التي يصرفها.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024