تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

المرأة في مواجهة سرطان الثدي

لا يقل العامل النفسي أهميةً عن العلاج الذي تتبعه المرأة المصابة بسرطان الثدي. ولا شك في أنه يُطلب منها التحلّي بالشجاعة والعزم لتتخطى هذه التجربة الصعبة في حياتها. لكن فيما يسهل توجيه النصائح لها عن سبل التعامل مع هذا الوضع، فإنه ليس من السهل أن تتقبّل هذا المرض الذي يمس هويتها كامرأة ومظهرها، إضافةً إلى كونه قد يشكل خطراً على حياتها. البعض ينصح بالتعامل مع الوضع كما لو أن شيئاً لم يكن وبتجنب التحدث مع المريضة عن مرضها خوفاً من تأثرها، فيما نسمع أقاويل أخرى تشدد على أهمية الإشارة إلى المرض وتأكيد بساطته لطمأنة المريضة باستمرارالاختصاصية اللبنانية في علم النفس مايا بو خليل أوضحت طريقة التعامل الصحيحة مع المريضة لتكون حالتها النفسية أفضل وتتمكن من تخطي هذه المحنة، موضحةً حقيقة مشاعر المرأة في فترة المرض والمراحل التي قد تمر بها قبل أن تصبح هذه التجربة من الماضي بالنسبة إليها.

- كيف يمكن أن تتقبّل المريضة حالتها بشكل أفضل وتتخطى هذه المرحلة الصعبة، خصوصاً أن شكلها الخارجي يتأثر؟
تقترن غالباً كلمة «سرطان» بفكرة الموت. حتى أن الناس يخشون التكلّم في هذا الموضوع ويهمسون عند التحدّث فيه وكأنهم يخشون أن يحضر. ولأن سرطان الثدي يتصل بعضو يرمز إلى الأنوثة والأمومة والرضاعة، لطالما اعتبر هذا الموضوع من المحرّمات والكل يخشى التحدث فيه. لذلك تحاط عادةً حالة المريضة بالكتمان ويرفض المحيطون التحدث عنها. لكن مع تطوّر العلاجات وكثرة حملات التوعية التي تشجّع على الكشف المبكر، صارت المرأة تتقبّل بشكل أفضل احتمال إصابتها بالمرض.

رغم ذلك لا يمكن أن ننكر أثر الصدمة على من تصاب به. فإضافةً إلى أن حياة المرأة المصابة تكون مهددة بالخطر، يمس المرض هويتها الجنسية وكأنه يقضي على جمالها وأنوثتها نظراً لتأثيره على شعرها وثديها والدورة الشهرية لديها.  وتمر المرأة بمراحل عدة قبل أن تستوعب الحالة التي تعيشها، من إعلان التشخيص ثم الخضوع للعلاج والانتهاء منه والعودة إلى الحياة الطبيعية بعد الحصول على المساعدة النفسية اللازمة لتنطلق في حياتها من جديد وتعيد ترتيب أولوياتها للمرحلة المقبلة.

وكل ما يتصل بتقبّل المرض واتباع العلاج بشجاعة فيتطلّب الكثير من الوعي لمحاربة القلق الذي يترافق مع المرض واستبدال الأفكار السلبية المرتبطة بهويتها كامرأة بأخرى إيجابية تساعدها على استعادة ثقتها بنفسها وبقدراتها دون أن تتأثر بالتغيرات التي تحصل في مظهرها جراء المرض والعلاج. من المهم أن تعيد المريضة تنظيم حياتها باعتبار هذه المرحلة الصعبة جزءاً من حياتها وأن تعي أنها تخطت هذه المرحلة الصعبة التي أكسبتها الكثير من الخبرة فتحرص على الاستفادة من كل لحظة من حياتها.

وتجدر الإشارة إلى أن كل مريضة تواجه المرض على طريقتها فالبعض يشعر بقوة العزم والإرادة والإيمان فيما يشعر البعض الآخر بالضعف والقلق. كما تواجه المريضة المرض بنشاط زائد فيما قد ترفضه أخرى وترفض تقبّله. لكن غالباً ما يدعو المرض إلى العودة إلى الذات ومراجعة الماضي من علاقات عائلية وحسابات شخصية. حتى أن المريضة قد تعود إلى علاقات فاشلة مرت بها في الماضي ضمن العائلة أو خارجها مما قد يدفعها إلى الانزواء والانعزال. وهنا يبرز دور العائلة في مساندة المريضة ودعمها لتتخطى هذه الحالة وتعود إلى حياة طبيعية.

- هل يجب التعامل مع المريضة كما لو كانت لا تعاني مشكلة أم بالعكس يجب أخذ مرضها بعين الاعتبار؟
يجب عدم تجاهل المرض أبداً بل على العكس يجب التحدث عنه بانفتاح مع المريضة. لكن في الوقت نفسه يجب عدم إعطاء المرض حجماً كبيراً حتى لا يصبح بمثابة «إعاقة» بالنسبة إليها مما يصعّب الأمور عليها. إذ أن الاهتمام الزائد بالمرض ينعكس سلباً على المريض ويبطئ عملية التأقلم مع المرض.لذلك على المحيطين تأمين الدعم المعنوي والعاطفي للمريض بشكل معتدل غير مبالغ فيه. إذ أنه غالباً ما تشعر المرأة بالإحباط بعد الشفاء من المرض نظراً إلى النتائج التي ترتبت عن مرضها على حياتها العائلية والإجتماعية والجنسية. هذا إضافةً إلى القلق الذي يرافقها باستمرار خوفاً من عودة الإصابة بالمرض مما يسبب لها شعوراً بعدم الاستقرار والأمان.

- كيف يمكن أن يساند المحيط المريضة بطريقة عملية لتتخطى تجربتها؟
يصعب على المحيطين أن يفهموا فعلياً ويعوا الأثر النفسي للمرض على نفسيتها، مهما كانت درجة الوعي لديهم والفهم. علماً أن العائلة تخشى أيضاً من نتائج المرض المحتملة على أفرادها وعلى الحياة الإجتماعية والعملية للمريضة. لهذا السبب، تهمل العائلة غالباً أهمية العامل النفسي والعاطفي بالنسبة للمريضة مما يولّد لديها شعوراً بالحزن والوحدة.

من هنا أهمية التشديد على عدم التعامل مع المرض بكتمان وصمت فيفكر كل من ناحيته دون التواصل مع الآخرين، خصوصاً في ما يتعلّق بالمريضة التي قد تشعر في حال التكتّم معها في موضوع مرضها، بمزيد من القلق. كما أنه في هذه الحالة تكبر المسافة بينها وبين الآخرين وقد يؤثر ذلك بشكل دائم على علاقتها بهم. وفي ما يتعلّق بالزوج فمن المهم أن يبقى إلى جانبها لأطول وقت ممكن ويتفهّم حالتها ويستمع إليها ويشعرها أنه يحبّها في كل الظروف والأوقات.

- في حال وجود أطفال، كيف يمكن مساعدتهم ليتقبّلوا مرض والدتهم؟
أياً كانت سن الطفل، من الطبيعي أن يكتشف أن أمّه تعاني مرضاً قد يشكل خطراً على حياتها. ومن المهم في هذه الحالة أن تُعطى للطفل معلومات سطحية لكن كافية في الوقت نفسه عن المرض. كما أنه من الضروري الإجابة على أسئلة الطفل بصراحة، على أن تتم طمأنته إلى أنها مرحلة صعبة ستمر وأن الشفاء مؤكد وأن العائلة ستتخطى هذه التجربة. وتجدر الإشارة إلى أن الطفل يلجأ عادةً إلى الصمت خشية إزعاج والدته. لكن في المقابل يظهر قلقه وخوفه من خلال أسئلة يطرحها وسلوكاً غير مقبول.

الصورة الشعاعية للثدي... نعم أم لا؟

صحيح أن الكشف المبكر ينقذ حياة المرأة المصابة بالسرطان، لكن طُرحت في الآونة الأخيرة تساؤلات حول ما إذا كان ضرورياً أن تجرى لكل امرأة في سن الأربعين الصورة الشعاعية للثدي Mammography سنوياً. كما يُطرح السؤال حول ما إذا كانت الفائدة من إجراء الصورة تتخطى الضرر الناتج عنها. في الواقع إذا كانت المرأة في سن الأربعين وعرضة للإصابة بسرطان الثدي بنسبة معتدلة، قد يكون الضرر الذي تتعرّض له جراء إجراء الصورة الشعاعية للثدي أكبر من الفائدة الناتجة عن ذلك.

ففيما تنصح الجمعية الأميركية لسرطان الثدي بأن تخضع المرأة لصورة الثدي سنوياً، لا يوصي المعهد الأميركي للأطباء بذلك، بل ينصح في المقابل بأن تقابل المرأة الأصغر سناً بين الحسنات والسيئات من إجراء صورة الثدي فتتخذ القرار بنفسها. كذلك، تميل السياسة الصحية في أوروبا إلى عدم البدء بإجراء صورة الثدي قبل سن الخمسين. ورغم ذلك لا تزيد نسبة الوفيات الناتجة عن الإصابة بسرطان فيها عنها في مناطق أخرى من العالم.

من جهة أخرى، تكثر المناقشات المتعلّقة بموضوع التشخيص الإيجابي الخاطئ للمرض، حيث تصل نسبة النساء اللواتي في سن الأربعين ويشخّص المرض لديهم خطأً إلى نسبة 6 في المئة من النساء اللواتي هن في سن الأربعين وتُجرى لهن صورة للثدي. فهل يبقى التشخيص المبكر أفضل رغم التوتر والقلق اللذان تتعرض لهما المرأة التي تجري الصورة الشعاعية لأنه ينقذ حياة امرأة؟ في الواقع، لا يمكن الإجابة مباشرةً ب«نعم» على السؤال لأنه لا يمكن أن نهمل الحالات التي يتم فيها اكتشاف مشكلات صحية أخرى في الصورة الشعاعية لم تكن المرأة لتمرض منها في يوم من الأيام. وتلك المشكلات هي عبارة عن أورام لا تنمو وتكبر وإن فعلت فهي تنمو ببطء شديد بحيث لا يمكن أن تنتج عنها مشكلة صحية. وتشكل هذه المشكلات الجانبية التي يتم كشفها في الصورة الشعاعية للثدي الضرر الأهم الناتج عن التصوير .

وتكمن المشكلة في أن الأورام السرطانية الخبيثة وتلك التي لا تشكل خطراً متشابهة تماماً وبالتالي يصعب التمييز بينها. وقد تتخذ إجراءات صارمة وتتعرض المرأة لعلاجات وتخضع لجراحة دون أن تكون هناك حاجة إلى ذلك، مع ما يرافقها من قلق وتوتر واكتئاب نتيجة الخوف من الإصابة بالمرض. في كل الحالات، تبقى الأجوبة في هذا الموضوع مبهمة ويصعب استخلاص نتيجة واضحة منها. فلا بد من التذكير بأن الهدف من الفحص الشعاعي للثدي ليس اكتشاف أكبر عدد ممكن من الحالات، بل تجنب الوفيات. 

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079