تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

اللقاح المضاد لسرطان عنق الرحم

سمعتِ بلا شك عن اللقاح الذي تم اكتشافه حديثاً والذي يحمي المرأة من سرطان عنق الرحم. ينصح الأطباء كل فتاة في سن المراهقة بالخضوع لهذا اللقاح لتخفيف خطر تعرضها لاحقاً لسرطان عنق الرحم الذي بات شائعاً كثيراً وسبباً رئيسياً لوفيات النساء حول العالم. ما هو هذا اللقاح؟ وهل هو مفيد فعلاً؟ وفي أي عمر يجب الخضوع له؟ وهل من مخاطر ناجمة عنه؟

لقاح ضد سرطان عنق الرحم؟ إنه خبر مفرح من دون شك لأن هذا المرض الخبيث ينجم عن فيروس من فئة الفيروسات الحليمية البشرية (HPV) التي تسبب آفات سابقة للسرطان، وهو مسؤول عن عدد كبير من وفيات النساء حول العالم. من هنا جاءت فكرة تطوير لقاح قادر على إبطال تأثير الفيروسات المسؤولة عن تلك الآفات.

ما هو اللقاح وعلى ماذا يحتوي؟

يتألف اللقاح المضاد لسرطان عنق الرحم من بروتينات مماثلة لتلك الموجودة في سطح الفيروس الحليمي البشري، وتم الحصول عليها بفضل الهندسة الوراثية. الهدف هو تلقيح هذه البروتينات لإجبار الجسم على الدفاع عن نفسه من خلال إنتاج أجسام مضادة ضد الفيروس. لكن المشكلة هي أنه يوجد خمسة عشر نوعاً من الفيروسات الحليمية البشرية القادرة على توليد السرطان في الأعضاء التناسلية، ويستحيل تقنياً تطوير لقاح قادر على توفير ضمانة شاملة. لذا، ركّز العلماء على الفيروسات الأكثر خطورة والأكثر شيوعاً، أي HPV 16 وHPV 18. واللقاح Gardasil، الأكثر شيوعاً ربما في الوقت الحاضر، موجه ضد هذين الفيروسين فضلاً عن الفيروسين HPV 6 و11 HPV، المسؤولين عن الثآليل الموجودة في عنق الرحم والتي تسبب الكثير من الانزعاج أثناء ممارسة العلاقة الجنسية.

لكن هل هذا اللقاح فعال بنسبة 100 في المئة؟ لا، بكل أسف لأن اللقاح يحارب فقط نوعين من الفيروسات الحليمية HPV من أصل الخمسة عشر نوعاً المسؤولة عن سرطانات الأعضاء التناسلية. إلا أن هذين النوعين من الفيروسات HPV هما وراء 70 في المئة من سرطانات عنق الرحم. وقد أثببت الدراسات لغاية الآن أن اللقاح فعال بنسبة 100 في المئة في القضاء على هذين نوعين من الفيروسات، مما يعني توفير حماية بنسبة 70 في المئة من سرطانات الأعضاء التناسلية، شرط الخضوع لهذا اللقاح قبل التعرض لأي شكل من أشكال الفيروس. إلا أن الأطباء والعلماء لا يزالون يجهلون مدة فاعلية هذا اللقاح، ويصعب الجزم لغاية الآن ما إذا كانت الحماية تستمر بعد مرور خمس سنوات على تلقي اللقاح. أثبتت التجارب السريرية أن معدلات الأجسام المضادة تبقى مرتفعة بصورة جيدة في الجسم، لكن هل تبقى هكذا لمدى الحياة؟ علينا انتظار المستقبل والدراسات اللاحقة  لمعرفة الجواب. وفي كل الأحوال، يبقى اللقاح وسيلة وقائية وهو ليس أبداً علاجاً شافياً.

المخاطر المحتملة

أظهرت الدراسات التي أجريت على آلاف النساء اللواتي خضعن للقاح سرطان عنق الرحم أن جسم المرأة قادر على تحمل اللقاح بشكل مقبول عموماً. قد تظهر تفاعلات محلية في مكان اللقاح (مثل احمرار البشرة أو حكاك)، لكن هذه التأثيرات المزعجة لا تستمر طويلاً وتختفي عموماً بعد فترة قصيرة. كما تحدثت بعض النساء عن تعب محتمل خلال بضعة أيام. باختصار، لا شيء خطير أو مخيف.

في أي عمر؟

يوصي الأطباء بخضوع الفتاة في عمر 14 عاماً للقاح سرطان عنق الرحم. فالهدف هو التدخل قبل بداية العلاقات الجنسية لأن الفيروسات الحليمية البشرية تنتقل فقط عبر العلاقات الجنسية، وخصوصاً في العلاقات الأولى. تجدر الإشارة إلى أن هذه الفيروسات (HPV) ليست موجودة في السائل المنوي للرجل، وإنما تلتقطها المرأة عند احتكاكها بالعضو التناسلي للرجل.

هناك بعض الآراء الطبية التي تنصح بإجراء اللقاح في عمر 11 أو 12 عاماً لزيادة احتمالات الوقاية، خصوصاً وأن الفتاة في عمر 11 عاماً تتقبل نصائح أمها أو طبيبها بشكل أفضل من الفتاة التي أصبحت في عمر 14 عاماً.

وفي كل الأحوال، تبرز الحاجة إلى جرعة ثانية من اللقاح بعد مرور شهرين على الجرعة الأولى، إضافة إلى جرعة ثالثة بعد أربعة أشهر.

قد تسألين إذا فات الأوان على خضوعك للقاح في حال أصبح عمرك عشرين عاماً أو أكثر. لا، لأن الأطباء يؤكدون أن كل الفتيات العذارى اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و23 عاماً يستطعن الاستفادة من لقاح سرطان عنق الرحم، أو على الأكثر بخلال السنة الأولى من العلاقات الجنسية. لكن لا شيء مضمون لناحية النتائج في هذه الحالة، لأنه كلما تقدمت المرأة في العمر، ارتفع خطر تعرضها للفيروسات الحليمية البشرية.

لذا، يؤكد الأطباء أن اللقاح المعطى للفتاة في عمر 14 عاماً يكون أكثر فاعلية من ذلك المعطى للمرأة الشابة المتزوجة، ومن هنا نصيحة تلقي الفتيات هذا اللقاح قبل الزواج.

اللقاح وفحص «الزجاجة»

قد تتساءلين عن جدوى إجراء فحص الزجاجة (frottis) بعد خضوعك للقاح سرطان عنق الرحم. لا تخلطي أبداً بين الاثنين، لأن فحص الزجاجة قادر على كشف 30 في المئة من السرطانات التي يعجز اللقاح عن توفير حماية منها. وينصح الأطباء بإجراء فحص الزجاجة مرة كل ثلاث سنوات في حال جاءت النتيجة سلبية عند إجراء الفحص مرة كل سنة في أول سنتين على الخضوع للقاح.

ما هو فحص الزجاجة؟ إنه الفحص الذي يقوم من خلاله الطبيب بأخذ عيّنة من خلايا عنق الرحم لفحصها في المختبر والتأكد من عدم وجود أية آفات سابقة للسرطان. أما اللقاح فيحارب الالتهاب المسؤول عن السرطانات. إنهما إذاً طريقتان مختلفتان.

إذا لم تخضع الفتاة المراهقة للقاح سرطان عنق الرحم، يمكن القول إنها لا تكون محمية من الآفات السابقة للسرطان (lésions précancéreuses). صحيح أن بعض هذه الآفات تختفي لوحدها، لكن بعضها الآخر يتحول إلى سرطان قاتل خلال عشر سنوات تقريباً. وهنا يكمن دور فحص الزجاجة القادر على كشف الأورام قبل أن تصبح خبيثة لدرجة يتعذر شفاؤها أو علاجها.

لذا، يشدد الأطباء على أهمية إجراء فحص الزجاجة بشكل منتظم في حال عدم تلقي لقاح سرطان عنق الرحم، علماً أن فحص الزجاجة يبقى فعالاً حتى عمر 65 عاماً...

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079