بشرة المدخنين والمدخنات...
لعلّ التحدّي الأصعب يكمن في الإقلاع عن التدخين! فهذا السمّ الزعّاف عندما يتمكّن من المرء يمسك به ويُحيل حياته عذاباً. إذ ناهيك بموضوع إدمان النيكوتين والإعتياد على السيجارة، يصبح الأمر أيضاً عائقاً جمالياً مهمّاً، بالإضافة إلى الشقّ الصحيّ المتعلّق به. فقد أظهرت دراسات وأبحاث عديدة التأثيرات السلبيّة التي يخلّفها التدخين على الجسم والبشرة. فمن التسبّب بالسرطانات المختلفة إلى ضيق النفس وسواها من الأمراض، يسبّب التدخين أيضاً لائحة طويلة من السلبيّات المتعلّقة بجمال البشرة ونضارتها...
بيد أنّ الذين «يدمنون » هذا الأمر يكادون لا يأبهون إلاّ بعد فوات الأوان، بحيث لا يمكن مطلقاً عكس النتائج السلبية والعواقب لاحقاً، بل كلّ ما في الأمر هو إمكانية تدارك الموضوع والتوقف عن التدخين للحدّ من الضرر الذي سوف يحصل لاحقاً. «التسمّم » من جرّاء التدخين عبارة قد لا يصدقّها البعض أو لا يأخذونها على محمل الجدّ، إلاّ أنها صحيحة تماماً وهي الوصف الأبرز والأدقّ الذي يمكن إعطاؤه، والأدلّة خير برهان على ذلك. تشرح الإختصاصيّة في الطبّ التجميليّ Medico-Esthetics السيدة إيما العماد باز، المجازة في تعليم المهنة وممارستها، مضار التدخين على البشرة، مستندة إلى أبحاث طبيّة حديثة. كما تفسّر الإختصاصيّة في التجميل Beauty Therapy نوال حنيني العواقب الجمالية الوخيمة التي تتكبّدها البشرة والجسم، والتي يكاد يستحيل عكس مضارها.
تأثيرات التدخين
كثيرة هي الأضرار الصحية والجمالية التي يسبّبها التدخين لصاحبه، إذ إنها تطال الجسم برمّته منسابة إلى داخله لتخليف أكبر كمّ من المشاكل. وهذا غيض من يض كأمثلة بسيطة لما يمكن أن يتسبّب به التدخين: اصفرار الأسنان وتساقطها باكراً، إلتهاب اللثة، رائحة فم كريهة، إصفرار الأظافر، أمراض في الزلعوم، سرطان البلعوم، قرحة المعدة، سرطان المعدة، تصلّب شرايين القلب وشرايين الجسم، جلطة دماغية، ذبحة قلبيّة وضعف القلب، أمراض وسرطانات في الكلى والأمعاء، سرطان البنكرياس، سرطان المثانة وإلتهابات في الرئتين، ربو، سرطان الدم أو اللوكيميا، بالإضافة إلى ترقق العظم ومشاكل في العينين وسواها... أمّا من الناحية الجمالية والتأثير على البشرة، فتقول السيدة باز «لولا التأثير المهمّ للتدخين على البشرة، لما كثُرت الأبحاث والدراسات المتعلّقة بهذا الموضوع لمحاولة معرفة كيفيّة حصول التأثير السلبيّ. فصحيح أنّ الشقّ الأهمّ قد إكتشف، بيد أنه تبقى بعض علامات الإستفهام معلّقة في إنتظار إيجاد الأجوبة المناسبة لها.
لكن منذ سنة 1985 ، أُدخلت عبارة جديدة إلى القاموس الطبيّ وهي «وجه المدخّن Smoker's Face » ، بحيث صُنّفت كحالة مرضيّة من قبل الدكتور دوغلاس مودل الذي أشار إلى إمكانية التعرّف على المدخن من مجرّد النظر إليه دون معاينة طبية وفحوص. فالمواصفات التي تميّز بشرة المدخّن هي أربع عموماً:
أوّلاً تجاعيد وخطوط حول العينين والفم والشفاه وعلى الفكّ السفليّ، وخطوط كثيرة على منطقة الخدّ أو خط عميق حسب كيفيّة التدخين، وهذه إشارات إلى الشيخوخة المبكرة.
ثانياً، بشرة باهتة تفتقر إلى معالم الحيويّة والبريق، مع بروز العظم وظهور الجلد منهك القوى وشبيهاً بجلد الحيوان المسلوخ والمجفف في الشمس.
ثالثاً، إفتقار البشرة إلى التعابير والحركة ووجود تدبّغات وتصبّغات جلديّة ما يجعلها غير صافية.
رابعاً، وجود لون غير صحّي للبشرة مائل إلى البرتقاليّ أو البنفسجيّ الداكن، مع إحتمال إحمرار الجلد. وهذه المواصفات الثلاث الأخيرة هي أيضاً علامات التسمّم عند الإنسان المدخن وغير المدخّن، مما يُثبت وجود علاقة ما بين التدخين والتسمّم .»
أبحاث معمقّة
في السنوات الأخيرة، تبيّن أن التدخين يزيد نسبة إفراز أنزيم Enzyme معيّن في الجسم هو - Matnix-Metallo Proteinase-1 ، المضرّ جداً بالبشرة، بحيث أنه يعمل على تفكيك الكولاجين في الجسم، المسؤول عن مطاطية البشرة، ما يسبّب بظهور التجاعيد وجفاف البشرة وبروز الشيخوخة الجلديّة المبكرة. تفسّر حنيني من جهتها «في تقرير طبّي وارد في المجلاّت الطبية سنة 2003 ، تبيّن أنّ الذين يدخنون لفترة ما بين أربع إلى عشر سنوات يعانون من شيخوخة بشرتهم بمقدار عشرة إلى عشرين سنة! ولا يمكن مطلقاً عكس الضرر الحاصل من جرّاء التدخين، إذ إنّ ما حصل قد حصل! لكن يمكن إيقاف الضرر عند حدّه والعمل على عدم تفاقمه عبر التوقف عن التدخين ».
تضيف باز «إنّ البشرة تشكّل أكبر عضو في الجسم ووظيفتها الأساسيّة هي تأمين الحماية من العوامل الخارجيّة، لذلك فالمسام لا تتيح إلاّ إدخال كمّيات ضئيلة جداً من الخارج كالمستحضرات والكريمات وسواها. فلو إستطاع الإنسان إدخال كل المغذيات إلى بشرته، لما كان أحد يُصاب بالشيخوخة والتجاعيد. من جهة أخرى، إنّ محاولة إستخدام الأعشاب الطبيعيّة والنباتية على البشرة بطريقة خارجية تبوء بالفشل لأنّها أكبر من الخليّة البشرية، وبالتالي لا تدخل إلى الجسم بطريقة صحيحة. فكلّ ما يمكن فعله هو تناولها عبر الطعام لضمان وصول المغذيات مباشرة إلى الجسم وعبر مجرى الدم إلى البشرة .»
تأكيد قاطع
كثيرون هم المشكّكون في صدق الأبحاث، إذ إنّ المدخّن يأبى أن يعترف بالحقيقة المُرّة التي تقول إنّ التدخين يؤذي البشرة. فكانت الأعذار كثيرة، منها أنّ الشمس والعوامل الخارجية هي فقط التي تؤثر في البشرة وتُسيء إليها. من هذا المنطلق، وبغية دحض أعذارهم الواهية، أُجريت دراسة على إثنين وثمانين شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين الثانية والعشرين والحادية والتسعين، نصفهم مدخّن والنصف الآخر غير مدخّن.
أمّا المدخنون فتتراوح نسب تدخينهم ما بين ربع علبة يومياً إلى أربع علب يومياً. قام هذا الإختبار على فحص بشرة اليد الداخلية من جهة أعلى الذراع، كونها لا تتعرّض كثيراً للشمس والعوامل الخارجية، ونظراً الى تقارب نوعيّتها من نوعيّة بشرة الوجه. وقد أثبتت الدكتورة آن أربور وفريقها في جامعة ميشيغن أنّ بشرة الناس غير المدخنين تكون مطاطة وتتمتع بالحيوية، بينما بشرة المدخنين تكون هزيلة وضعيفة ورقيقة بسبب قلّة مادّة الإيلاستين. وفي ما بعد، أكملت الدكتورة يولاندا هلفريش هذه الدراسة وأكّدت النتائج السابقة، وأعطت تفاصيل منوّهة بأنّ كمّية التدخين وسنوات التدخين متداخلة ومترابطة، إذ تؤثّر كلتاها في البشرة عبر «تسميمها ».
تفسّر باز «لعلّ أبرز عوامل الشيخوخة الجلديّة المبكرة هي أشعّة الشمس ما فوق البنفسجيّة وأسرّة التسمير الإصطناعيّة Solarium والتدخين.
فقد أكّد الدكتور إندي رحال من الجمعية البريطانية للبشرة أنّ التدخين لا يفكّك فقط الكولاجين الموجود في الجسم، بل يخفف أيضاً من نسبة إنتاجه، كما يقلّص الشرايين الدموية الصغيرة فيمنع بالتالي وصول الأوكسيجين إلى البشرة بغية تجديد الخلايا. كما لا يتيح للجسم أن يتخلّص من السموم عبر تصريفها بطريقة طبيعيّة في مجرى الدم. وفي دراسة بريطانية حديثة شملت خمسة وعشرين توأماً متطابقاً، يدخن فرد منهما والآخر لا يدخّن، ظهر أنّ البشرة رقّت ما بين %25 إلى 40 % عند التوأم المدخّن رغم التطابق الجينيّ الكامل مع أخيه غير المدخّن! » وهذا يؤكّد التأثير السلبيّ للتدخين على البشرة.
علاج بشرة المدخنين
تحتاج بشرة المدخين إلى عناية خاصة تختلف عن العناية العادية لبشرة شخص غير مدخّن، لأنّها تتعرّض يومياً لمواد مؤكسدة ما يجعلها متدبّغة وجافة وعُرضة للشيخوخة المبكرة. لذلك على المدخّن أن يكون حريصاً على التعويض على بشرته بعناية تكون مبيّضة، مرطّبة ومجدّدة للخلايا. تشرح الإختصاصيّة باز «لا يوجد علاج كفيل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ومحو الضرر الذي تسبّب به التدخين على البشرة. لذلك يجب التخلّي عن التدخين نهائياً ومباشرة العلاج لمنح البشرة الأمل القليل الباقي بالمحافظة على ما توصّلت إليه.
لكن يبقى الأهمّ هو نظافة البشرة وصحّتها. فيجب الأكل بطريقة صحّية وشرب كمّيات وافرة من الماء، إضافة إلى الإبتعاد عن المنبّهات مثل الكافيين وسواها، وتعريض البشرة للهواء الطلق كي تتنفّس. كما يجب الإمتناع عن التدخين! ولعلّ أبرز طريقة لمحاولة العلاج تكمن في تقشير البشرة، بحيث يتمّ التخفيف من طبقات الجلد الميت والملوّث بمادة النيكوتين، تحت إشراف طبّي للتوصّل إلى نتيجة أفضل قدر المستطاع، فيمكن إستخدام مقشّرات تحتوي على أنواع من الأسيد لبعث النضارة والمساهمة في تجديد خلايا البشرة. كما أنّ تناول الجرعات الإضافية من الفيتامينات "أ "، "إي" و"سي" المانعة للتأكسد يمنع دخول المواد المؤكسدة ويخفف من كمية ضررالدخان على البشرة.
عناية مفروضة!
بالإمكان تبييض الأصابع والأظافر التي تصفرّ بفعل التدخين عبر وضع قطنة ممزوجة بمادة الأوكسيجين أو الأمونياك، وفرك الأظافر بها لمدّة دقيقة. ومن جهة أخرى، على السيّدة المدخّنة إتباع نظام عناية روتيني للتخفيف من الضرر. وعليها تنظيف بشرتها يومياً بحليب ولوسيون أو بكريم مقشّر إلى حدّ ما. وكريم النهار يكون حسب نوعيّة البشرة، ومن الأفضل أن يكون مرطّباً للتعويض عن الجفاف الحاصل من جرّاء التدخين. كما يجب إستخدام كريم للعيون مرطّب في النهار ومانع للسواد في الليل، إضافة إلى كريم لليل لمنع التجاعيد وللتبييض في الوقت عينه. وأخيراً يجب قشر البشرة كلّ بضعة أيّام بكريم مقشّر وضع قناع مرطّب وآخر مبيّض أسبوعياً ومداورةً.
من جهة أخرى، يتمّ العلاج في المركز المختصّ حسب نوعيّة البشرة وعمرها ومدى تعبها، وتتحدّد المدّة الفاصلة ما بين الجلسات حسب رؤية الإختصاصيّ وفي مواسم محدّدة لتجنّب الدبوغات من جرّاء التعرّض للشمس.
لكن تبقى النصيحة الأثمن والحلّ الأنسب: الإقلاع عن التدخين...
بشرة منهكة القوى
ترى حنيني أنّ "تفاعل البشرة مع الدخان يتسبّب بجفاف الطبقة الجلديّة السطحية والمتوسّطة، مما يؤدّي مع الوقت إلى تغيّر لون البشرة إلى رمادي والمعاناة من التجاعيد والخطوط في سن مبكرة. كما أنّ الجفاف يطال منطقة العينين ويؤدّي إلى ظهور الهالات السوداء والدبوغات البنّية المتفرّقة إضافةً إلى الجفاف المفرط. كما تتباطأ الدورة الدموية الثانويّة فتقلّ كميّة الأوكسيجين على الوجه ويسبّب ذلك إنعدام النضارة كلياً.»
وتجدر الإشارة إلى أنّ التدخين يقضي على مخزون الجسم من الفيتاميات وبخاصة الفيتامين «أ » و الفيتامين «سي .» تضيف باز بدورها «أمّا بالنسبة إلى الإبتسامة، فتتأثر لأسنان بشكل مباشر عمليّة التدخين يتغيّر لونها من أبيض لى أصفر أو بنّي لطّخ. كما تعاني اللثة ن الأمراض جرّاء لتعرّض للنيكوتين نتيجة تباطؤ الدورة لدموية وعدم وصول لأوكسيجين إليها طريقة منتظمة. كما أنّ الأظافر تصفرّ بسبب حمل السيجارة ما بينها ». يوجد في السيجارة نحو 4000 مركّب كيميائيّ عبارة عن سموم! وهي تدخل مباشرة إلى مجرى الدم وتصل إلى كلّ خلايا الجسم. وبالإضافة إلى السلبيّات التي قد تؤدّي إليها، فهي أيضاً تعرقل عمليّة إلتئام الجروح بعد العمليّات الجراحية، لأنّ سيجارة واحدة كفيلة بالتخفيف من سرعة مجرى الدم الطبيعيّة وعدم إنتظام الدورة الدمويّة لنحو تسعين دقيقة.»
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024