تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

اختيار إسم الطفل وتأثيره عليه... مسؤولية تقع على عاتق الأهل

اختيار إسم الطفل وتأثيره عليه... مسؤولية تقع على عاتق الأهل

«أحمل اسم عمّتي، وهي امرأة غير عادية. فقد أراد والداي أن ينقلا إلي بعضًا من قوّتها الفكرية وذكائها. وبالتالي فلم يكن لدي أي خيار سوى أن أكون الأولى في الفصول الدراسية، وأكمل دراساتي العليا كي أكون على قدر عمّتي التي أحمل اسمها». 
أغنية فيروز «أسامينا شو تعبوا أهالينا / تلاقوها شو افتكروا فينا» وقصة السيدة تعبّران عن أهمية اختيار اسم الطفل عند الأهل، إلى درجة قد تبدو مهمة مقدّسة بالنسبة إليهم. فبينما يكون اسم الطفل الأول حاضرًا عند بعض الأهل، وغالبًا إما يكون اسم الجدّ أو اسم الجدّة بحسب جنسه، فإن بعضهم الآخر يكون اسم طفلهم الأول مقررًا حتى قبل أن يتزوّجوا.
فكم مرة نسمع عازبًا أو عزباء تقول: «سوف أسمّي ابني بهذا الاسم عندما أتزوّج وأنجب، تيّمنًا بشخصية مشهورة أو شخصية تاريخية كانت لها بصمة في العلم أو الأدب...»، بل هناك بعض العزّاب يلقبونهم بأبي فلان.
إذًا، اختيار الأهل لأسماء أطفالهم، لا يكون مصادفة، بل يأتي غالبًا بعد بحث وتدقيق، واختيار الاسم مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأهل، فهو لا يعكس ذوقهم وحسب، وإنما في بعض الأحيان يعكس تاريخهم، وأحلامهم، وآمالهم في الطفل الذي ينجبونه.


الاسم محرّك فريد من نوعه
يجد الاختصاصيون أن اسم الطفل هو دعم لهويته، فكما تساهم النماذج المحيطة به ببناء شخصيته، كذلك اسمه يساهم في هذا البناء والتنشئة. فأن يُنادى باسم هو أمر حيوي وصريح يعبّر عن وجوده. صحيح أن هناك الكثيرين يحملون الاسم نفسه، ولكن يبقى اختيار الاسم الأول شخصيًا.
هذه هي العبارة التي سوف يسمعها الطفل أكثر من غيرها خلال سنواته الأولى، ولا سيما في المدرسة حين يُنادى أكثر من طفل باسمه. فالاسم الأول له أهمية قصوى. نحن نحدّد الأشياء، ونحن نسمّي الناس. والاسم هو الذي سيسمح في وقت لاحق للطفل بأن يقول «أنا». 

اختيار الاسم لا يكون وليد الصدفة
اختيار الاسم هو امتداد لمشروع أبوي، وقد يكون هذا المشروع نرجسيًا، فكم مرة نسمع حاملاً ترغب في تسمية مولودها باسم شخصية أحبتها في صغرها أو أُعجبت بها. فبعض الأهل إذا سألتهم لمَ اخترتم هذا الاسم القديم! يربطونه بشخصية تاريخية كان لها أثر كبير في تاريخ الإنسانية، ويرغبون في أن يحمل مولودهما صفاتها عندما يصبح شابًا.
وفي المقابل، هناك عادات وتقاليد لا تزال موجودة تفرض على الأهل اختيار اسم الجدّ أو الجدّة. فقد تريد الأم اسمًا عصريًا، ولكن الوالد يريد أن يحمل طفله اسم أبيه، أي الجدّ. وقد يختلفان أحيانًا على التسمية، فتشترط الأم أن تختار اسم الطفل الثاني أو العكس، مما يُحدث فارقًا بين أسماء الأبناء، أي يكون اسم الابن أو الابنة البكر قديمًا جدًا فيما بقية الإخوة أسماؤهم عصرية.
وفي المستقبل، قد يلوم الابن البكر والديه على الاسم الذي اختاراه له، ويسأل لماذا سمّيتُماني بهذا الاسم؟
لذا فمنذ البداية يبدو من المهم جدًا أن يعرف الطفل من اختار له الاسم، سواء الأم أو الأب، أو ما إذا كانا متفقين على اختيار الاسم، وأن يعرف قصة اختيار اسمه. أي لماذا اختارا هذا الاسم، ومتى ولمَ؟ والأهم أن يعرف معناه. فالاسم هو الإسقاط الأول للوالدين على الطفل.

الاسم الأول، ثمرة مفاوضات طويلة
اختيار الاسم الأول يكون ثمرة اتفاق الوالدين. وهذا جيد. فالمناقشات الطويلة تسمح لكل واحد منهما بالتفكير في اسم المولود الذي يحلمان به. فكل واحد منهما لديه رغبات في لا وعيه يتمنى أن يحققها في الطفل المنتظر، وبالتالي فكلاهما يسقطان أحلامهما عليه.
لذا فكلما تناقش الوالدان حول اختيار الاسم، كان ذلك أفضل! والشيء المهم هو أن يسترشدا باسم يناسب أحدهما الآخر. ومن الواضح أنه كلما كان الاسم المختار ثمرة اتفاق الوالدين، تقلصت الرغبات والأمنيات. وباختصار، مما يساعد الطفل لاحقًا على أن يكون أكثر انفتاحاً وحريةً.

اسم نادر وفريد من نوعه
السعي إلى الفرادة هو أحيانًا ما يوجّه اختيار الاسم. فبعض الآباء يريدون تسمية طفلهم باسم لم يسبق له مثيل، وغير متداول بين أبناء جيله، ويكون له وقع فريد.
وفي المقابل، تظهر سلبيات الاسم القديم في المدرسة، فقد بيّنت الدراسات أن ترهيب شلّة من التلامذة تلميذًا بعينه يرتكز أحيانًا على اسمه أو كنيته. فهؤلاء التلامذة يبحثون عن الطفل ذي الشخصية الضعيفة، فيكون اسمه الغريب أو القديم إحدى وسائلهم للتنمّر أو الاستهزاء به ويجرحون مشاعره.

والتلميذ الذي لا يعرف معنى اسمه ولم يجعله أهله فخورًا به، يتأثر سلبًا مما قد يؤدي إلى تراجع أدائه المدرسي. وإذا استمر هذا الأمر على مدى سنوات المدرسة فقد يؤدي إلى لوم التلميذ أهله باستمرار على الاسم الذي اختاروه له، أو قد يقرّر تغييره في المستقبل، وهناك كثر من الأطفال الذين يأتون الى عيادات اختصاصيي علم نفس الطفل بعدما تعرّضوا للتنمّر أو الاستهزاء، يكون اسمهم أحد أسباب هذه المشكلة. لذا يُنصح الأهل بمجاراة موضة الأسماء، فبعض الأسماء الأولى تبدو أحياناً أفضل من غيرها! أما إذا أصرّوا على اختيار اسم نادر، فمن الضروري أن يشرحوا معناه لطفلهم كي يعرف كيف يدافع عن اسمه الذي هو جزء من كينونته ويكون فخورًا به.

 

الاسم إرث يكون أحيانًا ثقيلاً

في بعض الأحيان، يمكن أن يكون الاسم إرثًا ثقيلاً على حامله. فبعض العائلات تسمّي أبناءها البكر باسم الجدّ أو أحد الأعمّام أو الأخوال، تخليدًا لذكراه، خصوصًا إذا كان هذا العمّ أو الخال قد تميّز بصفات جميلة، مثل الشجاعة والكرم أو الذكاء، ويرغبون في انتقال هذه الصفات إلى أبنائهم البكر، ما يجعل هؤلاء يشعرون بثقل الإرث الذي يحملونه في اسمهم، خصوصًا إذا ما قورن بينهم وبين أصحاب الاسم الأصليين، وقد يعيق تطوّر شخصيتهم، ففي النهاية ليس الاسم وحده ما يجعل الطفل ذكيًا أو شجاعًا أو إنسانًا مميزًا، بل هناك أيضًا أسلوب تربوي نشأ عليه الطفل، إضافة إلى أنه يجب ألا يغيب عن بال على الأهل أن كل إنسان فريد من نوعه، وكذلك في تكوينه النفسي والعاطفي والذكائي. وبالتالي فمقولة «أطلقت عليك اسم جدّك أو خالك لتحمل صفاته أو لتكون ذكيًّا بارعًا مثله» قد تدفع الطفل أو المراهق إلى التصرف بعكس ما حلم به الوالدان، وبالتالي لا يكون على قدر تطلعاتهما وآمالهما.

اسم الدلع أو Nick Name
اسم الدلع له إيجابيات لأنه يُشعر الطفل بعاطفة زائدة، ولكن يجب أن يكون خاصًا بينه وبين أفراد عائلته. المشكلة عندما يكبر الطفل ولا يزال الأهل ينادونه باسم الدلع، خصوصًا أمام أصدقائه. هنا على الأهل الانتباه إلى أي مدى يكون لاسم الدلع أثره السلبي في الابن او الابنة. اسم الدلع يختلف بين الأهل والأصدقاء، وطالما أن الطفل يعرف معنى اسمه يكون فخورًا به. لذا من الضروري أن ينتبه الأهل إلى هذه المسألة، فمناداة الطفل باسم دلع أو اسم بديل Nickname يعني أنهم لا يحبون الاسم الذي اختاروه له، مما قد يُشعر الطفل بأن اسمه غير مرغوب فيه، وبالتالي يتعزّز لديه الخجل منه، مما قد يؤدي إلى عدم ثقته بنفسه، وبالتالي قد يصبح ضحية تلميذ متنمّر.

نصائح للأهل في تسمية أبنائهم 

عليهم أن يفكّروا مليًا في اختيار الاسم، خصوصًا إذا كان للجدّ أو الجدّة، وأن يكونوا مقتنعين به، وألا يتبعوا التقليد العائلي.

عليهم مراعاة المحيط الاجتماعي، فمثلاً اختيار اسم أوروبي قد يضرّ بالطفل إذا كان يعيش في بيئة شرقية محافظة. لذا من الضروري حين يختار الأهل الاسم أن يأخذوا في الاعتبار المحيط العائلي، والمدرسي، ومدى قبول الاسم في المحيط الاجتماعي، وما إذا كان فعلاً يليق بابنهم.

على الوالدين تسمية أبنائهم من النمط نفسه كي لا يسبّبا الغيرة بين الأبناء.

وعليهم دائمًا:

الشرح للطفل قصة اختيار اسمه.

تعليمه الدفاع عن اسمه والافتخار بالمعنى الذي يحمله.

إرشاده للذهاب إلى شخص راشد في المدرسة إذا كان يتعرّض للإساءة من أقرانه بسبب اسمه، ليساعده في حل المشكلة، والتدخل مثلاً إذا كان هناك صديق يستهزئ به فيدعوهما المعالج النفسي أو المرشد الاجتماعي، للمواجهة.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078