استرخي في عوالم الريف الفرنسي... إنها دوردون
مع اقتراب فصل الشتاء كثيرات منا يرغبن في إجازة بعيدًا من الإجازة الحضرية أو الإجازة البحرية، بل إجازة في أحضان الطبيعة ووسط أجواء الريف بكل تقاليدها وحميميتها، نستيقظ على تغريدة عصفور، ولمسة نسائم خريفية منعشة، ومشهد صباحي يغمره التفاؤل حيث الطبيعة تستعد لاستقبال الشتاء مرتديةً ألوانًا تدرّجت بذهبيتها، ويحيط بها تاريخ يشهد على تبدّل الأزمنة الإنسانية والطبيعية.
هذا التصوّر لمشهد الإجازة ليس مجرد حلم لا يمكن تحقّقه، بل واقع يسكن جنوب شرقي فرنسا في مقاطعة دوردون Dordogne بقلاعها الرائعة، وفنها الصخري، ومناظرها الطبيعية الخضراء، وتراث فن الطهو... سوف تكون إجازة رائعة لتجربة نمط حياة الريف الفرنسي حيث الصنوبر، والمروج، والتلال والأودية المتدحرجة وكروم العنب والكمأة، والمنحدرات، والجداول، والكهوف كلها عناصر متأهبة لاستقبالك في ربوعها.
فدوردون هي المقاطعة الفرنسية الثالثة التي تشكل عاصمة إقليم أكيتين الجديدة New Aquitaine، وتتكوّن من مدن عدة. تحتل المساحات المشجّرة فيها 45 في المئة من أراضيها لتكون المنطقة الثالثة في فرنسا من حيث مساحة الغابات، وقد اتخذت اسمها من النهر الذي يخترقها.
إذا كنت ترغبين بالألوان والرسوم المتحركة ورائحة الأسواق الفرنسية، فإن مقاطعة دوردون وبلداتها سوف تكون الوجهة المثالية بالنسبة إليك.
سارلات-لا-كانيدا، المعروفة، بـ «سارلات»
سارلات هي عاصمة بيرغورد إحدى أكبر مدن دوردون، وهي بلدة تاريخية وموقع سياحي رئيس، تشتهر بزخارفها الأثرية، التي يرجع تاريخها أساسًا إلى العصور الوسطى والنهضة، وتحديدًا من القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر.
ويتكوّن وسط البلدة التاريخي من مجموعة متجانسة من متاهة الأزقّة الضيقة الخلابة، وساحات صغيرة مظلّلة، تصطف حولها القصور الخاصة بأسقفها المعتمرة بحجر «اللوز» الصخري، والأكثر شهرة بينها، منزل «لا بويتي»، وفندقا «دو باري»، و«دي سافيناك» أو الرئيس. وتعتبر ساحة الحرّية عصب الوسط التاريخي الديناميكي حيث الحركة فيها لا تهدأ، تحدّها المدرّجات التي يستريح عليها السيّاح يتأملون في التاريخ المنتشر بفخر في أرجاء المدينة، كما تشكّل هذه الساحة ملاذًا للتسوّق، حيث يتم بيع المنتجات المحلية: «الفوا غرا»، الكمأة، التين والجوز. وتشكّل كاتدرائية سانت ساسردو وقصر الأساقفة امتدادًا للساحة، فهما يذكّران الزوّار بأن سارلات مدينة الأساقفة لقرون عدّة.
فسارلات كانت واحدة من أهم المدن في العصور الوسطى في العالم، وكانت أول مدينة تستفيد من قانون مارلو. هذه المدينة الصغيرة في بيرغورد، يزورها مئات الآلاف من السيّاح كل عام، كما كانت بمثابة استوديو طبيعي لتصوير الكثير من الأفلام التاريخية.
معلومة: ما هو قانون مارلو؟
هو القانون الذي صدر في 4 آب / أغسطس عام 1962 وهو قانون مكمّل للتشريع المتعلق بحماية التراث التاريخي والجمالي الفرنسي، الذي يهدف إلى تسهيل استعادة العقارات التاريخية وترميمها. عُرف بهذا الاسم نسبةً إلى أندريه مارلو، وزير الثقافة الفرنسي آنذاك.
وادي فيزير
في شمال دوردون، يتدحرج وادي فيزير على طول المروج الخضراء، فيما منحدرات الحجر الجيري مثقوبة بعشرات الكهوف التي تعود إلى ما قبل التاريخ، والمعروفة في كل أنحاء العالم.
استمد هذا الوادي اسمه من أحد فروع نهر دوردون نهر فيزير الذي يخترقه، وهو واحد من المواقع ما قبل التاريخ الأكثر إثارة للإعجاب في أوروبا. يضم هذا الوادي المناجم، والكهوف المزخرفة، ومواقع سكان الكهوف.
وقد أُدرج خمسة عشر موقعًا من هذه المواقع في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
لجأ الإنسان إليه وإلى الكهوف التي يحضنها قبل 400 ألف سنة. سوف تجتاحك مشاعر من الرهبة عند زيارتك هذا الوادي الخصب بجماله الطبيعي والتاريخي، فهنا تتعرفين إلى الإنسان الأول، أي إلى أصولك الإنسانية، وتجولين بين روائع اللوحات والمنحوتات والنقوش التي تعود إلى آلاف السنين، وتقرئين شهادات الحياة اليومية.
قلاع دوردون
تحضن مقاطعة دوردون حصونًا تعود إلى ألف عام في محيط طبيعي رائع. ولعل قلعتَي بيناك وكاستلنود، وهما تطفوان، وتتواجهان على ضفتي المياه الخضراء الزمردية لنهر دوردون، نموذجان رائعان عن القلاع الفرنسية القديمة، وما تحمله من قصص انتصارات، وانكسارات، وحروب دارت في القرون الوسطى. وليس بعيدًا منهما قصر دو ميلاندس، وهو المكان المهيب لقاعة الموسيقية الشهيرة جوزفين بيكر، وهو مفتوح للزوار.
قلعة بيناك
على ضفاف نهر دوردون، وعلى بعد 10 كيلومترات جنوب غربي سارلات، تفرض قلعة بيناك نفسها على مشهد بانورامي أخّاذ. فبين النهر الذي رُسمت على صفحة وجه مياهه قلعة مهيبة تعود إلى القرن الثاني عشر، والجرف الذي تقف عليه بشموخ وسط الأخضر، يبدو التاريخ وحروبه العديدة، والأزمنة وتقلّباتها، تفاصيل تدخلك في متاهة جمال الريف الفرنسي، حين تجولين بين أروقة القرية المرصوفة بالحجارة، والتي تبدو بيوتها القديمة المعتمرة أسقفها بحجر اللوز الصخري، وكأنها تعبت من التسلق واستراحت عند أقدام القلعة، تسترق السمع لتعرف ما يحدث داخل الأسوار فتهمس بحكايات الأزمنة التي مرّت على فرنسا.
قبل مغادرتك القرية، اكتشفيها من الماء وقومي بنزهة في أحد المراكب الشراعية أو بواسطة التجديف في نهر دوردون، أو اكتشفيها جوًّا عبر رحلة في المنطاد.
قلعة كاستلنود
عند ملتقى واديَي دوردون وسيو، تقف قلعة كاستلنود في مواجهة قلعة بيناك، منافستها الأبدية في القرون الوسطى، تحيط بها حدائق ماركيساك وقرية لا روك-غاجيك.
بُنيت القلعة الأولى في القرن الثاني عشر قبل أن يتم تدميرها خلال الحملة الصليبية «ألبيجوا» بقيادة جيوش سيمون دي مونفور. تضم القلعة المتحف الحربي الذي يعرض كل تفاصيل الحروب في العصور الوسطى. افتُتح المتحف عام 1985، وهو يضم مجموعة من 200 قطعة من الأسلحة.
حدائق ماركيساك
تقع حدائق ماركيساك في بلدة فيزاك، وهي مُدرجة على قائمة أجمل الحدائق في فرنسا. يعود تاريخها إلى القرن السابع عشر.
وفيزاك بلدة تقع في منطقة بيرغورد السوداء في القسم الجنوبي الشرقي من دوردون، وعلى بعد 10 كيلومترات من جنوب غربي سارلات-لا-كانيدا.
تمتد حدائق ماركيساك على مساحة اثنين وعشرين هكتارًا تشكّل تسعة عشر منها، موقعًا مصنفًا من الأماكن التاريخية الخلابة، تزنّر قلعة من القرن الثامن عشر. توفر الحدائق نزهة رائعة في متاهة من الأخضر، فعلى مسافة أكثر من ستة كيلومترات تجولين بين روائع مظللة تحدّها 150 ألف شجرة من «شجر البقس» محفورة باليد منذ قرون، وزُيّنت بالشرفات التي تمنحك مشهدًا بانوراميًا يحبس الأنفاس وصخور منحوتة، وشلالات ومسارح من المساحات الخضراء...
في ماركيساك، سوف تتعرفين إلى فن المناظر الطبيعية المعروف بفن التوبياري. فتخطيط الحديقة مع أروقتها المتعرّجة الشبيهة بالمتاهة، نموذج تاريخي حي لتطور هذا الفن في فرنسا خلال حكم نابليون الثالث.
تقع الحديقة على نتوء صخري، وتهيمن بمنحدراتها العالية على الوادي. من شرفة دي «لا دوردون» المعلّقة على علو 130 مترًا فوق النهر، سوف تشعرين كأنك نسر يحلّق فوق بيرغورد، وإن كنت واقفة على الأرض. فلا عجب في أن يسميها البعض الحدائق المعلّقة. تستقبل الحدائق الزوار على مدار السنة.
ما هو الفن التوبياري Topiary ؟
كلمة «توبياري» مشتقة من «أرس توبياريا» اللاتينية، أي «فن المناظر الطبيعية»، وهو فن نحت شجر الحدائق لأغراض زخرفية من مختلف الأشكال الهندسية والشخصيات والحيوانات.
مغامرات لا تفوّتيها في دوردون
رحلة مائية في نهر دوردون
للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الرائعة من بيرغورد، عليك تجربة الإبحار في قارب الغابار، وهو قارب خشبي مسطح القاع يستعمل محليّاً لنقل البضائع.
وفي الفترة من نيسان/أبريل إلى تشرين الأول/أكتوبر، تُبحر قوارب الغابار في تفرّعات نهر دوردون. إذا كنت ترغبين في خسارة السعرات الحرارية المتراكمة أثناء إقامتك، يمكنك استئجار الزوارق أو قوارب الكاياك.
دوردون معقل الكمأة السوداء... فلا تفوّتي تذوّقها
تشتهر دوردون بفن الطهو. بالنسبة إلى بعض الخبراء، لا شيء يضاهي الكمأة السوداء (درنة الميلانوسبورم)، وغالبًا ما تُسمّى «الماس الأسود» أو «اللؤلؤ الأسود» من بيرغورد. موسم الكمأة يبدأ من كانون الأول/ ديسمبر إلى شباط/ فبراير. ويمكن العثور عليها في المطاعم في مقاطعة دوردون، فهي على رأس القائمة، وكذلك تتصدّر أسواق الكمأة. وطهاة دوردون يتفنّون في صنع أطباق الكمأة الشهية، فلا تفوّتيها على الإطلاق.
الأكثر قراءة
أخبار النجوم
ياسمين عبد العزيز تضع حدّاً لتعليقات منسوبة إلى...
أخبار النجوم
خبيرة أبراج تثير الجدل بعد تنبؤاتها لمصير ثلاث...
أخبار النجوم
فاتن موسى تتذكر لحظات ممتعة مع الراحل مصطفى...
أخبار النجوم
أمل كلوني تثير الجدل بنحافتها بالشورت القصير
أخبار النجوم
رانيا يوسف تتحدث بصراحة عن زيجاتها وابنتيها...
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024