مصمّمة المجوهرات دانة العلمي حجر نادر في عِقد من الإنجازات
عِقْد مُهدى كان مفتاح بوابة دخولها الى عالم يملأُه الذهب والألماس والزمرد والصفير... حُلي وسلاسل من النجاحات المكللة بلآلئ من الإنجازات المرصّعة بأحجار من الابتكار والتميّز. رسمت بدايتها منذ عام 2006، وأصبحت من أبرز مصمّمات المجوهرات في المملكة والعالم، والسيدة الأولى والوحيدة في لجنة «المعادن الثمينة» في الغرفة التجارية في جدّة، وصاحبة مصنع مجوهرات يحمل اسمها. في هذا الحوار تروي المصمّمة السعودية دانة العلمي حكايتها مع الصناعة والإبداع.
الحس الفني لا يكتمل إلا بالإلمام بالصناعة وامتلاك الخبرة
- الرسم والابتكار في صنع أشياء ملموسة من العدم، هو حس يمتلكه كل مصمم في أي مجال من المجالات، سواء في الأزياء أو الديكور وحتى المجوهرات، ولكن ما الذي يميز مصمّم المجوهرات عن غيره من المصمّمين؟
تصميم المجوهرات بشكل عام، لا بد من أن يجمع ما بين الحس الفني والحرفية في الوقت ذاته. فالكثير من الشباب الذين يهوون الرسم، وتحديداً رسم المجوهرات، لا يمكنهم تصور القطعة على أرض الواقع، وخصوصاً إذا لم يكونوا من أهل الاختصاص، أو لا يملكون خبرة في صناعة الذهب، ومعرفة خواص الأحجار وطرق تركيبها، ولا يلمّون بالكثير من الأمور قبل دخولهم عالم الرسم والتصميم. فميزانية التصميم هي التي تتحكّم في وزن الذهب وسماكته، وأنواع الأحجار وعددها. ولذلك فإن الرسم والابتكار لا يكفيان وحدهما للحصول على قطعة يكون تنفيذها جيداً.
- بما أنكِ تحدّثتِ عن المؤهلات الضرورية لكل مصمّم مجوهرات، ما هي المؤهلات الشخصية التي تتمتعين بها؟
قبل أن أصبح مصمّمة مجوهرات وأشارك في معارض تحمل اسمي، كنت أعمل في صناعة المجوهرات منذ عام 2006. فممارستي للعمل واحتكاكي بالحرفيين والعمال، وتعلّم تحليل عيار الذهب والتأكد من سماكته وطرق تنفيذه، أكسبتني الخبرة في صناعة الذهب أولاً، وعزّزت لدي الإحساس بالتصميم والابتكار، ليكون عام 2013 هو بدايتي التي أصدرت خلالها مجموعتي الخاصة التي تحمل اسمي.
- ما الخطوات التي رسمتِها لدخول سوق الذهب والمجوهرات، ولماذا لم تفكري بإقامة معرض أو افتتاح محل يحمل اسمك؟
الدخول إلى معترك العمل يتطلب تخطيطاً بارعاً، وإلماماً بالسوق المحلي والعالمي، ومعرفة ما هو مطلوب وناقص في السوق. ومنذ بداية عملي لم أكن أهدف الى المنافسة بحد ذاتها، بل سعيت الى عرض قطع مميزة في السوق، تُعرف من خلال الدمغة التي تخصّني، والمصرَّح بها من وزارة التجارة. وفي الحقيقة، أنصح كل من يود الدخول إلى أيٍ من مجالات العمل، أن يتأنّى ويصقل شخصيته ويحتك بالآخرين لاكتساب الخبرة، وهذا ما واجهته بالفعل في حياتي العملية، حيث إن اشتغالي في وزارة العمل لمدة أربع سنوات أكسبني خبرات في فن التعامل والتمتع بروح الفريق، كما أن عملي في ما بعد في مجال الصناعة جعلني أحتك بطريقة مباشرة مع العمال والحرفيين، فكوّنت علاقات جيدة مع التجار في السوق المحلي. ورغم إلمامي بمجال الصناعة وامتلاكي خبرة واسعة وعلاقات جيدة، كان الخوف ينتابني فأتردد في الدخول الى السوق بتصاميمي الخاصة، وهذا الخوف ليس من الخسارة بل من خوض التجربة بحد ذاتها. ولكن بعد تشجيع من الصديقات، خطوت أولى خطواتي في عالم التصميم عام 2013، فشاركت في عدد من معارض المجوهرات ليتعرف الناس إليّ كمصمّمة وصاحبة مصنع تطرح إنتاجها في الأسواق المحلية. ومن ثم شاركت في معارض عالمية في إيطاليا وهونغ كونغ باسم «شركة دبي»، وبعد أن تخصّصت في مجال الأحجار الكريمة النادرة، شاركت في مزاد دبي عام 2015.
سوق الذهب السعودي من أقوى أسواق العالم
- علامَ تعتمدين في تصاميمك؟
بالنسبة الى التصاميم المخصصة لبيع الجملة في الأسواق المحلية الشعبية، فهي غالباً ما تتأثر بالموديلات الأكثر رواجاً في الأسواق الإيطالية والتركية والهندية. لذا، لا بد للمصمّم من أن يكون ملمّاً بهذه الأسواق من خلال حضوره المعارض المحلية والعالمية، وعلى أساس ميزانيات محددة يتم العمل على التصاميم وتشكيل القوالب لإنتاجها بكميات كبيرة وتوزيعها في الأسواق، في حين يختلف العمل على التصاميم الخاصة، والتي لا بد فيها من الجلوس مع الزبون لمعرفة ميزانيته، والاطلاع على ذوقه للتأكد مما إذا كان يفضل الموديلات الكلاسيكية أو صيحات الموضة. وبناء على ذلك، يتم انتقاء التصميم واختيار الأحجار وتحديد وزن الذهب والمدة المطلوبة للتنفيذ.
- هل ينتابك شعور بالمجازفة بينما تصمّمين مجوهرات نادرة وباهظة الثمن؟
عشق الشخص لمهنته، يجعله حريصاً على الدقة في عمله. وفي ما يخص التعامل مع أحجار حساسة ونادرة مثل الألماس، لا بد من أن يكون المشرف على تصنيعها وتركيبها ذا حرفية وخبرة عالية، ولهذا السبب يتم تصنيع الذهب في إيطاليا وتركيب الأحجار في دبي.
- من خلال خبرتك، ما الذي يميز سوق الذهب السعودي عن غيره، وماذا ينقصه؟
لا يختلف اثنان على أن سوق الذهب السعودي من أقوى الأسواق في العالم، ويطمح الى دخوله الكثير من صنّاع الذهب والمجوهرات، وذلك تبعاً للقوة الشرائية العالية التي يتميز بها، ووجود أذواق مختلفة وفئات متنوعة. وأكثر ما نحتاج إليه في سوق الذهب في المملكة هو ثقة المستهلك بالسوق المحلي أكثر من ثقته بالأسواق العالمية.
- الريشة الذهبية هي مبادرة لتشجيع المصمّمين الشباب في المملكة وإطلاق مواهبهم. حدّثينا عن هذه المبادرة؟
مبادرة «الريشة الذهبية» أُقيمت برعاية لجنة «المعادن الثمينة والأحجار الكريمة» في الغرفة التجارية في جدّة، وهي مسابقة تشجع الشباب الموهوبين وتتيح لهم فرصة تطبيق تصاميمهم على أرض الواقع والتنافس في ما بينهم، وكانت أول مسابقة قد أُجريت في عام 2015، وسعدت كثيراً بمشاركة إحدى الفائزات في معرض أبو ظبي للمجوهرات.
- كونك عضواً في لجنة «المعادن الثمينة» في الغرفة التجارية، أخبرينا عن طبيعة عمل هذه اللجنة؟
اللجنة عبارة عن حلقة وصل ما بين التجار والجهات الحكومية من الجمارك والبلدية ووزارة التجارة وغيرها.
شراء المجوهرات يحتاج الى التأنّي والخبرة
- قد لا تلمّ غالبية السيدات بالمجوهرات وجودتها والسعر الذي تستحقه، ما الخطوات أو الأسس التي يجب أن تعتمدها كل امرأة تود اقتناء قطعة مميزة من المجوهرات؟
المجوهرات التي تحتوي على أحجار ألماس أو زمرد أو زفير أو روبي، إذا كان حجم الحجر الواحد فيها يفوق القيراط، فلا بد من الحصول على شهادة من مختبرات عالمية ومحليه موثوقة ومعتمدة، وأغلب محلات المجوهرات تقدم هذه الشهادات، لكن من الأفضل وقت الشراء اصطحاب أحد من ذوي الخبرة بالمجوهرات. وفي الحقيقة، لدي الكثير من الزبائن الذين يستشيرونني في شأن بعض القطع، فأقدّم لهم المشورة قبل شراء القطعة لا بعده، ذلك من خلال إطلاعهم على شهادات القطع وصورها، لمعرفة ما إذا كان السعر مناسباً للقطعة. وبشكل عام، محلياً أو عالمياً، قد ينخدع الكثير من الناس بشراء قطع لا تستحق سعرها. لذا، يُفضل التأني في الشراء وطلب مشورة أصحاب الخبرة في المجوهرات والأحجار.
- عملتِ لأكثر من عشر سنوات في مجال صناعة الذهب، ماذا أكسبتك كل هذه السنوات على الصعيد العملي؟
كلّما مرّت سنة ازددتُ معرفةً وإلماماً بالعمل، سواء تعلّق الأمر بنواحٍ تقنية وصناعية، أو بتقوية علاقاتي بالسوق المحلي والعالمي، ذلك من خلال تكوين علاقات مع باقي المصمّمات اللواتي أعتبرهن صديقات، ولا أتردد في تقديم المشورة والنصيحة لهن، وأسعد بنجاحهن كما أسعد بنجاحي تماماً. فالعلاقات أمر في غاية الأهمية وهي تضمن الاستمرارية والنجاح.
- العالمية هدف يسعى إليه كل مصمم، كيف توفّقين بين الذوق المحلي والعالمي في الوقت ذاته؟
سبق وقلت لك إن السوق السعودي سوق متعدد الأذواق والفئات. وكمجتمع سعودي وخليجي نتمتع بقوة شرائية عالية، فحتى مناسباتنا التي تتطلب شراء المجوهرات مختلفة نوعاً ما عن المناسبات الأجنبية من ناحية الكم والكيف، فبينما تفضّل المرأة المحلية القطعة الكبيرة وذات النقوش، ترغب تلك الأجنبية بارتداء زوج واحد من الأقراط أو وضع خاتم «السوليتير»، ولذلك فإن مصنع دانة العلمي يلبي طلبات السوق المحلي ويراعي ذوق نسائه، كما لا يزال هناك إنتاج لأعداد كبيرة من «الأحزمة الذهب» وبعض الأشكال التراثية، وذلك بسبب الطلب المتزايد عليها في بعض مناطق المملكة مثل المنطقة الجنوبية، وفي الوقت ذاته يتم تصميم وإنتاج صيحات حديثة. وكوني مصمّمة، أفضّل العمل أكثر على القطع الكلاسيكية، لأنها تصلح للارتداء لمدة طويلة وتبقى استثماراً رابحاً.
أواكب المناسبات بتصاميمي
- تميزت مجموعاتك بشكل «مفتاح زين» وأشكال «النقوش الإسلامية»، كيف كان صداها محلياً وعالمياً؟
بشكل عام، لاقت مجموعاتي صدى ممتازاً وفاق كل توقعاتي، وهذا ما لمسته من خلال معارض جدّة والرياض وقطر ودبي، حتى أن بعض الزبائن يطلبون مني إعادة تصنيع هذه المجموعات، فـ«مفتاح زين» الذي يعود الى عام 2014، لا يزال مطلوباً الى اليوم ويلقى رواجاً.
- لأي من المناسبات قدمتِ تصاميم خاصة؟
أحب مواكبة المناسبات وتصميم قطع خاصة لها، فقد خصصتُ تصميماً ليوم الأم، وابتكرتُ آخر لليوم الوطني لدولة الإمارات مطابقاً لرسم خريطة الإمارات، وبلا شك قدّمت لوطني تصميم «عاصفة الحزم».
- أبديتِ أعجابك بماركات عالمية للمجوهرات، هل تسعين لجعل اسمك عالمياً؟
قبل السعي لجعل اسمي عالمياً، أطمح لطرح تصاميم جديدة وفريدة في السوق، ونيل رضا الزبائن من خلال رؤية السعادة على وجوههم وفرحهم بقطعي وارتدائها. فهذا هو النجاح الحقيقي بالنسبة إليّ، خصوصاً أن أُعطي عملي حقه من الوقت والجهد.
- ما المفاجأت التي تحضّرينها لمتابعيك وزبائنك؟
أعمل حالياً على إقامة مزاد آخر للأحجار الكريمة النادرة، لم يتم تحديد تواريخه بعد، كما أعمل على تطوير مصنعي في جدّة، ومكتبي في دبي. وعلى صعيد لجنة المعادن، نحضّر للموسم الرابع من مسابقة «الريشة الذهبية».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024