الإعلامي ريكاردو كرم وجهاً لوجه كما لم نعرفه من قبل
لم يكن انضمام ريكاردو كرم إلى الإعلام وليد الصدفة، بل نتيجة عشق واضح لهذا العالم الذي برع فيه وحقق مكانة له وهوية لا تهتز ليبلغ نجاحات كبيرة بعد جهود وتفانٍ في العمل. يعترف بأنه أدمن المهنة، لكنّ الأولية تبقى للعائلة حيث لا ينافسها أحد. هو حاضر مع أفرادها في كل لحظة حتى في أثناء غيابه وسفره المستمر. يتحدث ريكاردو عن أصعب التجارب التي مرّ بها بحكمة وبكثير من الشفافية، ويعترف بأنها علّمته وعلّمت به، فزادته رغبةً بالحياة وتمسكاً بها.
بين البداية واليوم
- ما الذي تذكره من بداياتك في عالم الإعلام؟
مررت في مراحل عدة ساهمت في بلورة نظرتي ورؤيتي للأمور. واقترن العمر والتجارب معاً في تحديد نقاط التحوّل. من البديهي أن تختلف الاهتمامات والأهداف لدينا على مرّ السنوات. في البداية ينصّب التركيز على تحقيق الانتشار واكتساب الشهرة، ثم على تحدي الذات وصولاً إلى مرحلة السعي لتحقيق الوقع الاجتماعي الإيجابي.
- أي نقطة تحوّل كانت الأهم في تحقيقك النجاح ولتبرز بشكل خاص في المجال؟
في كل مرحلة نقطة تحوّل لعبت دوراً في بناء هويتي الإعلامية وترسيخها لدى الجمهور. اجتمعت عناصر مختلفة في صيغة العمل الذي قدّمته. منذ اللحظة الأولى، قرّرت، وبالرغم من صغر سني وخبرتي المتواضعة، ألّا أستنسخ أحداً أو أقلّد أحداَ. لا أستطيع الجزم لكن أعتقد أن ّهذه التركيبة إضافةّ إلى أسلوبي والمادة غير الاستهلاكية دفعوني إلى الصدارة.
- أين تجد نفسك اليوم؟
أستمتع اليوم بحالة من الصفاء الذهني والرؤية الواضحة. وقد ساهم كل ما اختبرته من تجارب وأنشطة في وصولي إلى هذه المرحلة.
- أي رسالة تودّ أن تنقل اليوم إلى إعلامي في بداية المشوار؟
أتمنى عليه لو يأخذ من حماسة وحرفية أبناء جيلي ممّن أحدثوا فرقاً في المشهد الإعلامي. هذا وحده كفيل بدفعه إلى الأمام. شخصياً، لم ألهث يوماً وراء الضوء أو قرع الطبول، أو تسويق صورة لي بعيدة عن الواقع، لا تشبهني. وددت دوماً أن يقيّمني الجمهور من خلال عملي فقط لا غير.
- ما أهم إنجاز حققته في حياتك؟
من دون شك عائلتي هي أكثر ما أسعى إلى الحفاظ عليه. من يكتشف متأخراً أهمية العائلة، لا يدرك السعادة الحقيقية. كل أوجه الحياة الأخرى تبقى ثانوية. النجاح يكمن في تحقيق التوازن والتناغم بين العمل من جهة، والحياة الخاصة من جهة أخرى.
- خارج إطار الشاشة و «تكريم» والندوات والمؤتمرات، كيف تمضي أوقاتك؟
أنا أوّل من يصل إلى مكتبي وآخر من يغادر. كثيرة هي المواعيد والاجتماعات المتتالية. نادرة هي أوقات الفراغ لدي. اليوم أجد أنني ما زلت أتمتّع بطاقة كبيرة لا بدّ من الاستفادة منها، وأتمنى أن تستمر كي أتابع بنفس الشغف والدينامية وأبقى بالتالي قادراً على التحكم بأمور عدة وإدارتها في الوقت عينه.
- هل أنت من الأشخاص الذين يتقبّلون النقد؟
طبعاّ إذا كان بنّاءً ومفيداّ.
- لو لم تختر مجال الإعلام، ماذا يمكن أن تكون؟
كان من الممكن أن أكون مصرفياً. أشيرإلى أنني درست هندسة الكيمياء... منذ طفولتي وأنا أعشق الموسيقى الغربية فكنت أنفق مصروفي الأسبوعي على شراء أسطوانات نجوم البوب. أحببت الإذاعة فقدمت برامج باللغة الفرنسية تُعنى بالموسيقى. أحببت التواصل مع الناس، وكنت أعمل بكل حواسي. كان صوتي جواز مروري إلى التلفزيون. اجتهدت كثيراً لأطوّر نفسي. بدأت من لا شيء. عملت وعملت وعملت. هذه هي المعادلة.
- هل كان من السهل لك أن تحقق الانتشار الذي يبحث عنه إعلامي في بداية الطريق؟
كما ذكرت، أحبني الناس أولاً من خلال صوتي الرخيم وانتشرت تدريجاً وعملت على تطويرأدائي وتكوين شخصية خاصة بي. أعطيت مهنتي وهي أعطتني فاستطعت أن أفرض نفسي على الخارطة الإعلامية.
- هل تغيرت اليوم طريقتك في اتخاذ القرارات ومواجهة التحديات في مجال عملك؟
في سنّ مبكرة نتخذ القرارات بسرعة من دون تفكير معمّق. واجهت الكثير من العوائق والمشّقات والتحديات، لكنني من النوع الذي لا يقبل التنازل.صراحتي لا متناهية في مجال يحتاج إلى كثير من الديبلوماسية. أعترف بأن شخصيتي صعبة، وثمة أمور لا يمكن أن أغيّرها. ولن أغيّرها.
- أي شخصية قابلتها تركت فيك الأثر الأكبر؟
كثيرون أثّروا فيّ: الإمبراطورة فرح ديبا بهلوي بشفافيتها واحترامها لفريق عملي. بيل غايتس الذي برهن أن الرجل الأكثر ثراءً في العالم يمكن أن يكون طبيعياً. نقولا الحايك الذي اخترع ساعات السواتش. جيهان السادات، الأميرة فريال فاروق، لوتشيانو بافاروتي ...
- هل من شخصية تحلم بمقابلتها بعد؟
أتمنى مقابلة المناضلة البرمانية أونغ سان سوشي. أسعى أيضاً إلى مقابلة هيلاري كلينتون ومارك زوكيربرغ.
- كيف ترى مستقبل الإعلام؟
نتجّه اليوم إلى الإعلام الرقمي، أما المكتوب فإلى اضمحلال. وحتى التلفزيون يتجه إلى online. فيما ستبقى الإذاعة رفيقتنا في السيارة.
- كيف تواكب هذا التطور في عملك؟
نسعى إلى تطوير محطة الـ«يوتيوب» الخاصة بي Ricardo Karam Channel
- هل تعتقد أن الكتاب أيضاً قد يختفي مع الوقت؟
لا أعتقد أن ثمة ما قد يحل محل الكتاب وحفيف أوراقه. يبقى للكتاب أثر لا يُضاهى.
- أي كتاب قرأته ترك أثراً لديك؟
أستمتع بكل كتاب أقرأه، سواء كان سياسياً أو تحليلياً أو سيرة ذاتية أوتاريخياً. أحب الرواية. أتابع الإصدارات المتعلقة بالفن التشكيلي والتصميم الهندسي.
طفولتي وأطفالي اليوم
- ماذا عن الأوقات التي تخصّصها لعائلتك؟
في الأيام العادية أخرج لممارسة رياضة الركض صباحاً، وأوقظ أطفالي ليذهبوا إلى المدرسة فيبدأ نهاري بضحكاتهم مستمداً منها الطاقة. عندما أكون مسافراً، أتواصل مع أبنائي عبر«الفايس تايم» عدّة مرات في اليوم. لقد اكتشفوه مؤخراً وأدمنوا عليه غير آبهين بفرق الوقت حيث أنا في العالم.
أخصّص عطلة نهاية الأسبوع لعائلتي حصراً: نشاط الأولاد، تزلّج، كرة المضرب، كرة القدم ...
- عندما تتذكر طفولتك، كيف تراها مختلفة عن تلك التي يعيشها أطفالك؟
عشت الحرب اللبنانية بكل أوجهها وويلاتها. في الطفولة سذاجة وبراءة وحشرية، وهي صفات مشتركة بين الأطفال إلى أن يبدأ الطفل في الإستيعاب والفهم. أما طفولتي فأذكر منها أننا انتقلنا من منطقة إلى أخرى، وكانت البيوت في جبال «إهدن» باردة وغير مجهزة بوسائل التدفئة في فصل الشتاء. كنا نجلس ونصلّي ضمن مجموعات خوفاً من أي هجوم عسكري. الحرب سلبتنا الكثير.
ولم تكن الهدايا في الأعياد والمناسبات متوافرة بسبب ظروف الحرب. عندما أتذكّر قساوة تلك المرحلة أردّد وأقول أنّها عجنتني وخبزتني. تابعت دراستي في الجامعة الأميركية في بيروت في ظروف الحرب وكانت هذه المرحلة مفصلية شكّلت أولى ملامح شخصيتي ونضوجي. أبرز ما اكتسبت هنا كان فن التعايش والحوار والاستماع إلى الآخر.
- هل من نقاط سلبية في طفولتك أو في طريقة التعاطي معك تحاول أن تتجنبها مع أطفالك وتعوّض في طريقة تربيتهم هذا النقص الذي كان لديك؟
اختلف الزمن عمّا كان عليه في طفولتي. المناخ كلّه تغيّر. كما أنّ ظروفي كانت مختلفة. فقدت والدي قبل أن أولد. و قد انعكس هذا على طريقة تعاطيّ مع أطفالي حيث أتواجد في حياتهم بشكلٍ مضاعف. القيم التي تلقيتها أحاول أن أنقلها إلى أطفالي. الحوار والنقاش أساسيان في بيتنا. هم يجادلون ويتمتعون بشخصية قوية ويناقشون في أمور وقضايا تتخطّى أعمارهم. هم يكثرون من طرح الأسئلة وأحياناً لا أجد أجوبة لأسئلتهم. أحاول قدر الإمكان أن أشركهم في ما يدور في العالم: حروب، كوارث طبيعية، لاجئون، أطفال شوارع... زمننا اليوم مبني على الحوار، ومن الضروري مخاطبة الأولاد على هذا الأساس.
- من منهم يشبهك أكثر؟
ليس مطلوباً أن يكون أيٌ منهم نسخة عني. لكن أجد أن شخصية إبني البكر طلال تشبهني إلى حد كبير. أما شريف، أصغر أولادي الثلاث، فهو نسخة عني من حيث الشكل.
- ما الذي تتمناه لهم؟
أمنيتي الكبرى أن يبقوا في الوطن، وهذا ما أحرص على ترداده على مسامعهم فاسحاّ لهم المجال لطرح كل أسئلتهم الطفولية عن الانتماء والهوية والجذور والأرض. أسئلة الأطفال تذهلنا أحياناً.
- ما أكثر ما يؤثر فيك في الحياة؟
بصورة عامة، أتاُثّر عند رؤية كل من أراه ضعيفاً، وإن لم أكن أعرفه. أتأثّر عند رؤية كل من هو حزين، وحيد، مستوحد، مقهور، محتاج، مذلول... أما من صفحات الذاكرة الحيّة، كانت علاقتي بجدّتي لوالدتي استثنائية. عشت في كنفها وكانت أهمّ إنسانة في حياتي بدون منازع. بوفاتها شعرت أنني خسرت جزءاً مهماً من حياتي. في كل مرة أصادف شخصاً متقدماً في السن أدمع... كنت أحلم أن ترى أولادي في يوم من الأيام... هي دوماً معي.
- ما هي نقطة ضعفك على الصعيد الشخصي؟
طيبتي الزائدة هي نقطة ضعفي الأساسية.
- ونقطة قوتك؟
إيماني هو نقطة قوتي.
أصعب التجارب لبناء حياة أجمل
- ما أصعب تجربة عشتها؟
المرض هومختبر يشعر فيه الإنسان بعجز قاتل. ومرض طفل صدمة للأهل تتطلب وقتاً لتقبّلها والتعايش معها. مررنا في العائلة بسنوات ثلاث صعبة تلقّى خلالها ولدي نديم العلاج إثر إصابته بمرض عضال. ذرفنا دموعاً كثيرة.ضعفنا.انكسرنا.انتفضنا... في المقابل، الألم يغذّي لدينا الرغبة في العيش ويحدّد أهدافاّ جديدة ويبني آمالاً من نوع آخر... قدرتي على الحب زادت بعدها... في هكذا تجارب وحالات، نتحامل على أنفسنا فيما نسعى إلى مواجهة المرض والتغلب عليه والاستمرار في الحياة.
- أي لحظة كانت الأصعب في تلك المرحلة؟
اللحظات التي كنت أجد فيها صعوبة في التخفيف من وطأة الألم الذي كان يعانيه ابني...حين لم أكن قادراً على تقديم أي مساعدة.
- في فترة مرضه، مع من كان يشعر أكثر بالارتياح؟
مع والدته ومعي طبعاً. أصلاً، كانت الزيارات ممنوعة منعاً باتاً.
- هل من تغييرات لاحظتها في شخصيته بعد مرضه؟
كبر قبل أوانه وأصبح أكثر نضجاً...ترسّخت قناعتناً بأن الله يختار الأشخاص المميزين ليمرّوا بتجارب صعبة، ومن المؤكد أن يلمع نجمهم في المستقبل. أنا على ثقة بأن نديم من هؤلاء الأشخاص.
- هل يتذكر ابنك تفاصيل من مرحلة مرضه لا تزال تؤثر فيه؟
هو يتذكر أموراً معينة من فترة العلاج ويغفل التفاصيل الصغيرة. من المؤكد أنه تخطى المرحلة، لكن من البديهي أنها بصمته وتركت أثرها فيه.
- كيف تنظر إلى الأشخاص الذين يحبّون الظهور، كما هو رائج اليوم؟
ثمة أشخاص يعشقون الأضواء، والبعض لا. هناك من يعتبر الحضور استمرارية. هناك من يكون عبداً للصورة وهمّه الوحيد أن يثير إعجاب الآخرين وأن يتحدثوا عنه. أراها مسألة نسبية تُراوح بين شخص وآخر.
عن تكريم... جهود مستمرة ونجاحات تتكرر
- حفل «تكريم» هو موعد يتكرر في كل عام، أين سيُقام هذا العام؟
سيُقام الحفل في عمّان في ٢٥ نوفمبر. وقد اخترنا هذه المدينة الآمنة التي احبّها كثيراً لما فيها من نسيجٍ مجتمعي متنوّع ومثقّف.
- في حفل «تكريم» الثامن، ألا يزال يتطلب منك المجهود نفسه كما في البداية؟
العمل في «تكريم» مستمر طوال العام. لكن من المؤكد أن يتطلب الحفل جهوداً أكبر بكثير. وكون مبادرة «تكريم» قد كبرت إلى هذا الحد لتصبح مشروعاً بحجم وطن لا أشخاص. منذ البداية، أردت بناء مؤسسة غير مرتبطة بي. الجديد هذا العام هو مشهدية الـdigital platforms المرافقة التي استحدثناها. تابعونا: www.takreem.net
- ما الذي ساهم في تحقيقك هذا النجاح البارز في «تكريم» في مقابل مبادرات كثيرة قد تتشابه في نواحٍ عدة؟
العمل والمصداقية والمنهجية الواضحة والشفافية وثقة الناس وشغفي وإيماني بالتغيير الإيجابي... عوامل ساهمت حتماً في ذلك.
- كيف استطعت أن تكسب ثقة الناس وتُبعد اتهام الوساطة التي تترافق أحياناً مع مبادرات من هذا النوع؟
منذ الدورة الأولى، عملنا على ترسيخ المعادلة التي سبق وذكرتها. أعرف أنه تحدٍ صعب، لكن لا يزال هناك من يخطئ ويضع جوائز «تكريم» في خانة الجوائز الموجودة على الرغم من عدم إمكان المقارنة. على كل حال، كل مبادرة من هذا النوع هي قيمة مضافة تؤمّن غذاءً روحياً للناس، ولا بد من أن تختلف عن غيرها.
- هل من لحظات تذكرها في «تكريم» أثّرت فيك بشكل خاص؟
أتأثر كثيراً بالفائزين الذين يتحدثون خلال الحفل...أفرح وأبكي فيها معهم. أتأثر مع الناس الحاضرين. الحفل الذي يدوم ساعتين هو لحظات من العمر، ونتاج سنة من العمل. ساعتان تختصران جهوداً وعملاً مضنياً. الزخم كبير والمشاعر كثيرة لا توصف. أجده امتحاناً صعباً ينتهي في هذا الوقت.
- كيف تطوّر «تكريم» سنة بعد سنة؟
ثمة أخطاء كثيرة تعلّمت منها. ثمة أحلام كثيرة بعد. ثمة مميزون ومتميزون كثرا في عالمنا العربي. ثمة إرادة كبيرة هائلة بأن يُشكل حفل تكريم بصمة إيجابية في عالمٍ عربيٍّ حافل بالإضطرابات ويحتاج الى كمّ كبير من النور. وكل متميز في «تكريم» نأمل أن يُشكل نورا وأملا.
- إلى أي مدى استطعت الفصل ما بين حياتك الخاصة وحياتك الاجتماعية؟
زوجتي يمنى وأنا لا نستسيغ الأضواء والضوضاء. لذا لا تشاهديننا في المناسبات العامة. يعتبر البعض هذا غروراً لكن في الواقع هذه هي طباعها وطباعي. أفضّل أن يهتم الناس بأعمالي وتقييمها بدلاً من الاهتمام بأموري الخاصة. لكن أود أن أشير إلى أنه في فترة مرض ابني، تأثرت كثيراً برسائل الناس ومحبتهم وتعاطفهم معي. لقد أعطونا قوّة لا يمكن تفسيرها، وكان لذلك الأثرالإيجابي في نفسي. وبما أنني أتكلّم عن الموضوع هذا لأوّل مرة في الإعلام، اسمحي لي أن أشكر كل من لم تتسنى لي الفرصة أن أشكره.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024
مقابلات
بسنت شوقي تتحدّث عن الفن وعلاقتها بزوجها محمد فراج وأسرار رشاقتها
مقابلات
بسنت أبو باشا: أنا محظوظة وأقتدي بالكثير من النجوم
مقابلات