التدخين آفة 'عامرة' بالمساوئ
يصعب على المدخن أن يتخلّى في ليلة وضحاها عن عادته السيئة رغم إدراكه للأخطار التي يعرّض حياته لها. لكن ماذا إذا علم أنه يخسر 14 سنة من حياته بهذه الطريقة وأن التدخين يعتبر المسبب الأوّل للوفيات والأمراض التي يمكن الوقاية منها؟ أسباب كثيرة تشجع على التخلي عن التدخين وتشكل دافعاً مهماً لذلك لأن النتائج المترتبة عليه لا تعد ولا تحصى ولا تنحصر في موضع معين أم في حالة خاصة. والمشكلة الحقيقية أن أخطار التدخين لا تطال المدخن فحسب بل تتعداه ليصيب الأذى الأشخاص الذين هم حوله والذي يتعرضون للضرر نفسه. حتى أن التدخين السلبي قد يسبب السرطان حيث تبين أن الأشخاص المقيمين مع المدخن هم عرضة أكثر بنسبة 24 في المئة للإصابة بسرطان الرئة مقارنةً بغير المدخنين. التدخين خطر على الكل ولا بد من التصدي له بكل الطرق الممكنة. أما المدخن فيحتاج إلى التسلّح بالإرادة والمعرفة ليقاوم الرغبة الجامحة في التدخين.
قد يكفي أن يعرف المدخن الأخطار الصحية التي قد تنتج عن التدخين حتى يقلع عنه نهائياً. فقد لا يحتاج إلا إلى الاطلاع على كل ما يمكن أن ينتج عن التدخين من مشكلات صحية خطيرة حتى يجد لنفسه الدافع ليتخلى عن عادته هذه.
يصعب حصر المضاعفات الناتجة عن التدخين، خصوصاً أن أضراره لا تقتصر على موضع معين. أما أهم الأخطار الصحية الناتجة عنه فهي:
- خطر الإصابة بالسرطان، خصوصاً سرطان الفم والرئة والكبد والمريء والكلى والبنكرياس... علماً أن المدخن يعتبر أكثر عرضة 50 مرة للإصابة بسرطان الفم مقارنةً بغير المدخنين.
- تراجع حاستي الشم والذوق.
- تأخير في التئام الجروح.
- ارتفاع ضغط الدم.
- مشكلات في الرئتين كالالتهاب الرئوي المزمن.
- مشكلات مرتبطة بالحمل كالإجهاض والولادة المبكرة وولادة طفل وزنه أقل من الوزن الطبيعي. كما يكون الطفل الذي أمه مدخنة أكثر عرضة للموت المفاجئ.
- أمراض في الأسنان واللثة.
- تجلط دموي قد يؤدي إلى سكتة دماغية .
- التدخين إدمان بكل ما للكلمة من معنى مما يجعل الإقلاع عنه مسألة صعبة رغم النتائج المترتبة عليه والتي قد يعرفها المدخن جيداً.
أما الأشخاص الذين يكونون بكثرة في أماكن يتم التدخين فيها فهم أيضاً عرضة لمشكلات صحية خطيرة لا يستهان بها وأهمها أمراض القلب وسرطان الرئة ومشكلات في العينين والفم والبلعوم وجهاز التنفس. وبالنسبة للأطفال الذين يتعرّضون بانتظام إلى التدخين السلبي فهم عرضة أيضاً إلى للإصابة بالربو والالتهابات بما فيها الالتهابات الفيروسية في الجهاز التنفسي والتهابات الأذن وذات الرئة. كما ينتج عن ذلك كسل في الرئتين ويرتفع احتمال الموت المفاجئ للطفل.
هل أنا مدمنة تدخين؟
ثمة مؤشرات معينة تدل على الإدمان على التدخين وأهمها:
- تدخين اكثر من سبع سجائر في اليوم.
- تنشق السيجارة بعمق وبشكل متكرر.
- تدخين سجائر تحتوي على مستويات من النيكوتين تتعدى 0،9 ميلليغرام.
- التدخين خلال فترة تقل عن نصف ساعة من موعد النهوض صباحاً.
- إيجاد صعوبة في عدم تدخين سيجارة الصباح الأولى.
- التدخين المكثف في فترة الصباح.
- إيجاد صعوبة في الامتناع عن التدخين في الأماكن التي يحظر فيها التدخين.
- الحاجة إلى التدخين حتى في حال الإصابة بالمرض وملازمة السرير.
التدخين والإقلاع عنه
قبل اتخاذ قرار الإقلاع عن التدخين، لا بد من توافر الإرادة الصلبة إلى جانب مساعدة المحيطين. كما أن وجود الدوافع المتينة مسألة لا يستهان بها. تتوافر نصائح معينة يمكن الالتزام بها قبل المباشرة بتنفيذ القرار:
- ينصح بوضع لائحة بالدوافع التي تشجعك على الإقلاع عن التدخين، وتوضع فيها الإيجابيات القصيرة المدى والبعيدة المدى.
- يمكن طلب المساعدة من الطبيب.
- يطلب الدعم من الأهل والأصدقاء.
- يوضع موعد محدد يتم الإقلاع فيه عن التدخين.
- يتم الإقلاع نهائياً عن التدخين في الموعد المحدد.
- ينصح بممارسة الرياضة فهي تخفف الرغبة في التدخين.
- ينصح بوضع برنامج محدد لما يمكن القيام به بدلاً من التدخين، خصوصاً في لحظات التوتر أو لدى ظهور الرغبة في التدخين.
- من الأفضل تجنب المواقف التي تشجعك على التدخين.
في الوقت نفسه لا يكفي اتخاذ قرار للامتناع عن التدخين حتى تنجح التجربة. توجد طرق معينة تلعب دوراً مهماً في تحقيق الهدف المرجو ولا بد من اتباعها لنجاح تجربة الإقلاع عن التدخين. أما الوسائل الأساسية لتحقيق ذلك فهي:
تبديل الروتين اليومي المرتبط بعادة التدخين
نظراً لصورة الإدمان التي تحيط بالتدخين، لا بد من إجراء تغييرات معينة في التصرف وفي نمط الحياة بهدف نجاح تجربة الإقلاع عن التدخين. صحيح أن البرامج العلاجية ضمن مجموعات تعتبر مفيدة في هذه الحالة، لكن قد تكون هناك حاجة أيضاً إلى تبديل العادات التي يمكن أن تؤدي إلى التدخين وتجنب المواقف التي تلعب دوراً في ذلك. على سبيل المثال قد ينصح الشخص الذي يدخن بعد الأكل أو لدى النهوض من السرير بممارسة نشاط آخر يحل محل عادته هذه كالمشي أو القراءة.
العلاج البديل للنيكوتين
يهدف العلاج البديل للنيكوتين إلى مساعدة المدمن على التدخين في التخلي عن عادته تدريجاً من خلال استبدال التدخين بمصدر آخر للنيكوتين. بهذه الطريقة تزول عادة التدخين نفسها فيما يبقى إدمان النيكوتين موجوداً. تساهم هذه الطريقة في إزالة الآثار الجانبية الناتجة عن الامتناع عن التدخين والتي تلعب دوراً مهماً في العودة إلى التدخين وبالتالي فشل تجربة الإقلاع عنه. وتخفف كمية النيكوتين التي تعطى ضمن العلاج تدريجاً إلى أن توقف نهائياً. أما أنواع العلاج البديل للنيكوتين فهي اللصقات والعلكة والحبوب.
اللصقات
تتوافر بجرعات ثلاث: 21 ميلليغراماً و14 و7. ينصح الأشخاص الذي يدخنون أكثر من 10 سجائر في اليوم بالبدء بجرعة ال21 ميلليغراماً. أما من يدخن أقل من 10 سجائر فينصح باستعمال اللصقة ذات جرعة 14 ميلليغراماً. وبعد استعمال هذه اللصقات ستة أسابيع يمكن الانتقال إلى جرعة أقل خلال أسبوعين.
العلكة
متوافرة بجرعتين 4 ميلليغرامات وميلليغرامين. وينصح بالبدء بالجرعة الأعلى للأشخاص الذين يدخنون أكثر من 25 سيجارة في اليوم. أما أهم الآثار الجانبية التي يمكن أن تنتج عنها فهي تورم اللثة والتغير في حاسة الذوق ومشكلات في الهضم والغثيان والتقيؤ...
حبوب النيكوتين
متوافرة بجرعتي 4 ميلليغرامات وميلليغرامين. وتساوي كل جرعة حبة واحدة، علماً أنه يجب عدم تخطي 20 جرعة في اليوم. ويجب على الشخص الذي يدخن عادةً خلال فترة تقل عن نصف ساعة من موعد النهوض من السرير صباحاً، اللجوء إلى جرعة الأربعة ميلليغرامات. لكن يجب عدم مضغ الحبوب لأنها قد تسبب حرقة أو عسراً في الهضم. أما أكثر الآثار الجانبية الناتجة عنها شيوعاً فهي التورم في اللثة وتحسس في البلعوم والغثيان والتقيؤ والسعال والحرقة وآلام الرأس.
في اليوم الذي يتخذ فيه قرار الإقلاع عن التدخين
- ينصح بالتخلّص من السجائر كلّها.
- ينصح بتغيير الروتين الصباحي. عند تناول الفطور يمكن مثلاً عدم الجلوس في المكان نفسه. كما أنه من الأفضل الانشغال بأمور معينة في معظم الوقت لتجنب ظهور الرغبة في التدخين.
- لدى الشعور بالرغبة في التدخين، ينصح القيام بأمور أخرى تنسيك هذه الرغبة.
- ينصح بحفظ أطعمة معينة تحل محل التدخين كالعلكة أو السكاكر.
- يمكن مكافأة الذات في نهاية يوم كامل من عدم التدخين بالخروج مع الأصدقاء أو التمتع بوجبة لذيذة.
للالتزام بالقرار
- من الطبيعي أن تظهر أعراض معينة تنتج عن الامتناع عن التدخين كالتوتر الزائد والصعوبة في التركيز وزيادة الشهية. كما أنه لا بد من التعرّض لنوبات يصعب فيها التحكّم في الذات لدى ظهور رغبة قوية في التدخين من حين إلى آخر. كما انه لدى الشعور بالنعاس أو بعدم القدرة على التركيز أو بالتوتر لا داعي للقلق لأنها أعراض طبيعية ناتجة عن الامتناع عن التدخين.
- ينصح بممارسة الرياضة كالمشي أو ركوب الدراجة.
- يجب التفكير في إيجابيات الإقلاع عن التدخين كالثقة بالنفس التي ستزداد والفوائد الصحية التي يمكن الحصول عليها على الصعيد الشخصي أو حتى على صعيد العائلة. النظرة الإيجابية للأمور تساعد على تخطي الفترة الصعبة التي لا بد من المرور بها للامتناع عن التدخين.
- لدى الشعور بالتوتر ينصح بالانشغال بأمور أخرى والتفكير في أمور تخفف حدة التوتر. يمكن التفكير بأن التدخين لن يجعل الأشياء تتحسن.
- ينصح بتناول وجبات منتظمة لأنه يمكن أن تصل الأمور إلى المزج ما بين الإحساس بالجوع والرغبة في التدخين.
- يمكن ادخار المال الذي كان يسمح بشراء السجائر.
- ينصح بإعلام الآخرين بقرار الإقلاع عن التدخين للحصول على مساندة الكل. كما أنه من المفيد التحدث إلى الآخرين عن هذه التجربة للالتزام بهذا القرار والتقيّد به.
- في حال عدم نجاح التجربة من المرة الأولى، يجب عدم اليأس والمحاولة مجدداً. فقد يتطلب الأمر محاولات عدة قبل أن تنجح التجربة ويتم الإقلاع عن التدخين نهائياً.
تشجيع!
أما نسبة نجاح العلاج البديل للنيكوتين فتصل إلى 25 في المئة، وتزيد النسبة إلى 35 أو 40 في المئة عندما يترافق العلاج مع المرافقة الطبية المتخصصة. من الطبيعي أن يحتاج المدمن إلى المساعدة للتخلي عن عادته واعتماد نمط حياة صحي من مختلف الجوانب. إذ يصعب على من اعتاد على تدخين أكثر من 40 سيجارة في اليوم الإقلاع عن التدخين بين ليلة وضحاها دون مساعدة. في حال اتخاذ القرار، لا بد من اتخاذ إجراءات معينة تساعد على الالتزام به حتى النهاية.
يفيد كل مدخن أن يعرف النتائج الإيجابية التي تظهر خلال فترة قصيرة من الإقلاع عن التدخين. فقد يشكل هذا دافعاً إضافياً للامتناع نهائياً عن اللجوء إلى هذا السم الذي يقتل ببطء. التحسن يبدأ بعد دقائق من وقف التدخين، قد يفاجأ كثر لدى قراءة هذه المعلومة، إلا أنها صحيحة تماماً ولا يمكن تجاهلها. إليك إيجابيات التخلي عن التدخين التي تظهر خلال دقائق:
إيجابيات التخلي عن التدخين خلال دقائق
خلال 20 دقيقة من الامتناع عن التدخين: ينخفض مستوى ضغط الدم والنبض إلى مستوى طبيعي. وترتفع حرارة اليدين والقدمين إلى المعدل الطبيعي.
خلال 8 ساعة من الامتناع عن التدخين: تنخفض مستويات أكسيد الكربون الأحادي وترتفع مستويات الأكسيجين إلى المعدل الطبيعي.
خلال 24 ساعة من الامتناع عن التدخين: ينخفض خطر الإصابة بذبحة قلبية مفاجئة.
خلال 48 ساعة من الامتناع عن التدخين: يبدأ تجدد الأعصاب وتعود حاستي الشم والذوق طبيعيتين.
خلال أسبوعين إلى ثلاثة أشهر من الإقلاع عن التدخين: تصبح الدورة الدموية طبيعية ويصبح المشي أكثر سهولة. حتى أن وظيفة الرئتين تتحسن بنسبة 30 في المئة.
خلال شهر إلى تسعة اشهر من الامتناع عن التدخين: تزيد الطاقة في الجسم ويتحسن النشاط وتخف أعراض معينة كالسعال والاحتقان في الأنف والتعب وضيق النفس. كما تخف الالتهابات.
خلال سنة: انخفض خطر الإصابة بأمراض القلب إلى النصف مقارنةً مع الفترة التي كنت تدخن فيها.
خلال خمس سنوات: ينخفض خطر الإصابة بسرطان الرئة القاتل بنسبة 50 في المئة مقارنةً مع من يدخن علبة واحدة في اليوم.
خلال عشر سنوات: يصل احتمال الإصابة بسرطان الرئة إلى المستوى نفسه الذي لدى شخص لم يدخن يوماً. تحل الخلايا الصحيحة محل الخلايا السرطانية. ينخفض احتمال الإصابة بجلطة، كما ينخفض احتمال الإصابة بسرطانات الفم والبلعوم والمريء والكبد والكلى والبنكرياس.
إحذر؟
التدخين لا يؤذي المدخن فحسب بل كل من حوله من عائلة وأصدقاء وأطفال وزملاء في العمل في ما يعرف بالتدخين السلبي مع ما ينتج عن ذلك من أخطار كالإصابة بالسرطان وزيادة خطر الإصابة بذات الرئة ومشكلات الأذن والربو، خصوصاً لدى الأطفال الذين يدخن أهلهم، إلى جانب مشكلات صحية أخرى خطيرة. التدخين خطر بذاته يهدد الحياة وسم قاتل لا يشعر المدخن بنتائجه إلا في مرحلة متقدمة بعد بلوغ نقطة «اللاعودة» حيث لا يعود من الممكن إصلاح ما تهدم.
لمزيد من المعلومات
التبغ هو عبارة عن نبتة تؤخذ أوراقها وتستعمل في التدخين أو يتم مضغها أو شمّها. ويعتبر التبغ مادة يمكن إدمانها كونها تحتوي على النيكوتين الكيمائي. وإضافةً إلى النيكوتين الذي يحتوي عليه التبغ، يحتوي أيضاً على أكثر من 19 مادة كيميائية مسببة للسرطان وأكثر من 4000 مادة كيميائية أخرى. ويعمل النيكوتين كمنشط وكمهدئ في الجسم في الوقت نفسه. إضافةً إلى كونه ينشط عملية الهضم ويزيد إفرازات اللعاب. هذا إضافةً إلى كونه ينشط الجهاز العصبي وقد يسبب تشنجات لدى الحصول على جرعات مرتفعة منه. وبعد مرحلة النشاط الناتجة عن الحصول على مادة النيكوتين، تبدأ مرحلة كسل العضلات في الشعب الهوائية. بشكل عام يساعد النيكوتين على الاسترخاء في المواقف المسببة للتوتر. كما أن التبغ يساهم في تسريع دقات القلب من 10 إلى 20 في الدقيقة. وقد يسبب النيكوتين التعرّق والغثيان والإسهال ويرفع مستويات السكر في الدم ويزيد إفرازات الأنسولين في الجسم. ويمكن أن يسبب أيضاً جلطة في الدم. إلى جانب كونه ينشط الذاكرة والقدرة على التركيز. لذلك يعتمد المدخن على التبغ في إنجاز مهمات معينة ينوي القيام بها. ولا ننسى أن النيكوتين يساعد في الحد من الشهية، مما يبرر الخوف من زيادة الوزن لدى الأشخاص الذين ينوون الإقلاع عن التدخين. ولا يخفى على أحد أن النيكوتين يؤثر على المزاج، وهذا ما يشعر به كل مدخن.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024