تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

هذا ما يجب أن تفعليه في حال شاهد طفلك الكوابيس ليلاً

يستيقظ كريم( سنتان) بعد منتصف الليل ويبكي رعبًا، ولا تستطيع أمه أن تفهم ما يحدث معه لأنه لا يعرف كيف يعبّر، فهو لا يعاني ألمًا جسديًا. وعندما تنتهي أزمة الخوف هذه يرغب كريم في السهر ومشاهدة التلفزيون حتى ساعات الصباح الأولى رغم محاولات والديه إعادته إلى السرير. ماذا يحدث لكريم؟ هل يرى كابوسًا؟ وكيف يمكن الأم أن تعرف السبب؟ وهل يرى الأطفال عمومًا كوابيس؟

هذا ما يجب أن تفعليه في حال شاهد طفلك الكوابيس ليلاً

«لها» التقت الاختصاصية في علم نفس الطفل غارين زوهرابيان في الجامعة اليسوعية في بيروت لتجيب عن هذه الأسئلة وغيرها. تقول زوهرابيان: «إن رؤية الكابوس تحصل مع الطفل الصغير والمراهق والراشد، وليس هناك سبب محدد له، فلكل حالة أسبابها الخاصة. وعمومًا يشير الكابوس إذا تكرر لفترة طويلة إلى مشكلة نفسية يعانيها الإنسان، فقد يكون تعرّض لصدمة قوية أو أنه يشعر بالتوتر أو القلق أو الخوف من أمر ما، فيبقى هذا التوتر في لا وعيه ويكون الكابوس أحد أعراضه .

وأسباب الصدمة النفسية أو التوتر عند الطفل يمكن أن تكون عوامل خارجية، كالخوف من شيء ما أو حدث مريع عاشه. مثلا موت أحدهم أو رؤية حادث أليم. كما يمكن أن يكون سببه سوء معاملة في المنزل كممارسة العنف الجسدي إما من الأهل أو الخادمة أي الضرب أو العنف النفسي كإهانته أو إهماله. ومهما يكن نوع سوء المعاملة يمكن أن يكون سببًا للتوتر، وبالتالي للكابوس. 

اهمال الطفل

يظن الأهل أحيانًا أنهم لا يسيئون معاملة طفلهم في الوقت الذين يقومون بذلك عن غير قصد، فإهمال الطفل مثلا هو سوء معاملة، لأنه يشعره بعدم الأمان، وبأن والديه لا يهتمان به، مما يعني أنه إذا أصابه مكروه لن يكونا موجودين لنجدته. وبالتالي يرى كابوسًا ليليًا. 

يعكس الكابوس عند الطفل الصغير شعورًا بالخوف يكون له تفسير واضح. مثلا الطفل الذي تعرض لعضة كلب أو طفل عاش خلال الحرب وواجه الموت والعنف فيخاف من الطائرات أو الانتقال من مكان إلى آخر». 

وتضيف الاختصاصية:« قد يكون سبب الكابوس أمورًا غير واضحة. فمن المعروف أن مشاعر الإنسان منقسمة إلى سلبية وإيجابية، ومع تقدّم السن يتمكن من السيطرة على المشاعر السلبية التي تنتابه. والطفل في سن السنتين يبدأ بإدراك أن هناك شعورًا سلبيًا في داخله. فقبل بلوغه السنتين يكون معتمدًا كليًا على والدته، ولم يكن في إمكانه القيام بأمور «سيئة»، ومع خطواته الأولى عندما يبدأ بالمشي و الحبو والتحرك بحرية أكثر من دون مساعدة أمه، تبدأ كلمة « لا» تتردد على مسمعيه( لا تلمس هذا، لا تقفز هنا...)، وبدوره يبدأ بالقيام بأمور ضد إرادة أمه ورغبتها. وبذلك يبدأ إدراك الشعور السلبي الأول تجاه والدته وبالتالي تصبح لديه رغبة في معارضتها في كل ما تطلبه منه،« أنت تقولين ممنوع ولكن أنا سأقوم بما أريد». فهو في حاجة إلى الاعتراض والمقاومة، ويبدأ بإظهارهما ضد المحيط حوله، وإذا نجح في معارضته يسمع عبارة «أنت طفل شرير لأنك لا تصغي إلى الماما». فيشعر بأنه مُعتدى عليه بسبب عبارة« شرير» التي يقولها الراشدون، وفي المقابل يشعر بالعدوانية تجاه الآخرين. فاستعمال هذه العبارة يعطيه شعورًا بأنه شرير. لقد بدأ يدرك الشر الموجود في داخله الذي يُشعره بالذنب والتوتر، فيسأل نفسه لمَ هو شرير؟ 

التعبير عن العدوانية 

وتشير زوهرابيان إلى أن العدوانية غريزة موجودة عند كل إنسان، وتطورها يعود إلى المحيط الذي يعيش فيه الطفل. فالأم عندما تكون جيدة في تعاملها مع طفلها بشكل كاف، أي أنها تعرف متى عليها أن تكون حازمة معه، ومتى عليها أن تمنحه الحنان الكافي، تساعد في تطوير شخصية طفلها بشكل سليم. ولكن هذا لا يعني ألا تسمح للطفل بالتعبير عن عدوانيته، فمن حين إلى آخر قد يعتدي على قرين له ويدافع عن نفسه، ويعتدي إذا أُعتدي عليه، وهذا طبيعي وفي حاجة إليه ليتعلم كيف يدافع عن نفسه في المستقبل. 

ذكرنا أن الطفل عندما يبلغ السنتين يلاحظ أن هناك جانبًا سلبيًا في شخصيته. وإذا كان المحيط لا يقبل هذه السلبية عنده ويعامله على أنه شرير، ويشعره بالذنب، يبدأ يتعايش مع السلبية الموجودة فيه كأنها أمر غير مقبول ومحرّم. فيفكر في نفسه أنه شرير. مما يسبب له كابوسًا. مثلا طفل في السنتين يصبح لديه أخ، فيشعر بالغيرة من هذا الطفل، لأنه يخاف من خسارة مكانته عند والديه ويشعر بعدوانية كبيرة تجاه هذا الأخ وتكون لديه رغبة شديدة في التخلص منه، أو إلغاء وجوده أو عضه. وفي المقابل لا يقبل الأهل هذه العدوانية، بل يقولون مثلا «لا إنه يحب أخاه كثيرا»، فيشعر الطفل بأنه لا يمكن إلا أن يحب شقيقه في الوقت الذي لا يحبه. إذًا المحيط لا يساعد الطفل بطريقة سليمة في التعبير عن عدوانيته، ويعيش الشعور بالسلبية في داخله وكأنه شخص شرير جدًا وأن في داخله وحشًا مريعًا، وهذا الوحش لا يجدر به أن يظهره إلى العلن وعليه أن يخبئه. لذا نرى أحيانا طفلا في الثانية يعبّر عن كرهه لأخيه بشكل مختلف جدًا. فيظهر حبه المفرط لأخيه ليبرهن بأنه لطيف، بينما يضمر الكره في داخله ويكظمه، وعندما ينام يظهر هذا الشعور السلبي في لا وعيه ويتحوّل إلى كابوس. فجميع الأطفال يحلمون ولكن في سن الثانية لا يستطيعون التعبير عما يرونه في الكابوس. 

أهمية حريّة التعبير 

وتشدد الاختصاصية على ضرورة ألا تجيب الأم عن طفلها حين يُسأل ما إذا كان يحب أخاه. فغالبًا ما نسمع أمًا تجيب عن طفلها «طبعًا يحب أخاه»، في الوقت الذي عليها أن تترك له حرية التعبير مهما كان جوابه. فهي عندما تقول «طبعًا يحبه» تجعله يكظم كرهه لأخيه. وعوضّا عن الإجابة نيابة عن الطفل، يمكن أن تقول الأم «أعرف جيدًا أنك تشعر بالقلق لوجود أخ لك، وهذا طبيعي، ولكن من المؤكد أنني لا أزال أحبك، فأنا أعتني به كما كنت أفعل حينما كنت في سنه، لا تقلق فمكانك في قلبي هو نفسه، نحن نحبه ولكن هذا لا يعني أننا صرنا نحبك أقل بل لديكما المحبة نفسها، وأهتم أكثر لأنه لا يزال لا يعرف المشي أو الأكل أو... ». الطفل في هذه الحالة يدرك أن شعوره بالغيرة ليس أمرًا غير طبيعي، ولكنه ليس في حاجة إلى هذه الغيرة لأن الأخ لا يشكّل تهديدًا لوجوده وبالتالي تكون هذه الطريقة السليمة لإدارة العدوانية عند الطفل وتساعده في التعبير عن مشاعره. لذا لا يجوز الحكم على عدوانيته. إذًا الشعور بالغيرة قد يسبب كابوسًا لأنه يكبت غضبه. 

هنا يكمن دور الأهل في السماح للطفل بالتعبير عن عدوانيته في شكل سليم، ولكن عليهم أوّلا أن يقبلوا هذا الشعور، لأنه موجود عند كل شخص سواء كان طفلا أو راشدًا. لذا عليهم أن يؤكدوا له أن ما يشعر به أمر طبيعي، ويمكنه أن يغضب لأنه متوتر، فالتوتر يسبب عدوانية وهي طبيعية. وإذا لم يستطع الأهل مساعدة الطفل عليهم طلب مساعدة اختصاصي. فبعض الأهل يحاسبون طفلهم على أقل خطأ يرتكبه مما يؤدي به إلى أن ينظر إلى السلبية في داخله وكأنها أمر غير طبيعي، ويجب كبتها، وهكذا تظهر من خلال الكوابيس. 

تأثير الشجار بين الأهل في الطفل

وتشير زوهرابيان إلى أن الكابوس قد يكون نتيجة حدوث شجار بين الوالدين بحضور الطفل مما يسبب شعورًا بعدم الأمان، إذ يكفي أن تقول الأم «أريد الرحيل» حتى يشعر الطفل بالقلق. في سن السنتين يفهم كل شيء. كما أن الطفل الذي ليس لديه حدود فإنه يفقد الشعور بالأمان رغم ذكائه واستقلاليته، و يفكر «إذا لم يكن هناك من يحد تصرفاتي فإنه سيأتي يوم لن أجد من يحميني». وبحاجة إلى السلطة والشعور بالأمان. كذلك يسبب له الانتقال من مكان إلى آخر أو عندما تتغير غرفة نوم الطفل توترًا وقلقًا وبالتالي كابوسًا. 

عندما يستيقظ الطفل ليلا وهو يبكي على الأم أن تطمئنه إلى إنها إلى جانبه وتحميه وتعيده إلى النوم. أما إذا كان الطفل يسهر ويحصل على كل ما يرغب فيه كما يفعل الطفل كريم، يصير الكابوس في لاوعيه وسيلة للاستيقاظ والحصول على كل ما يريده ويكون في هذه الحالة يستغل الأهل الذين بتسامحهم يعززون هذه الحيلة في لاوعيه. لذا على الأم أن تعيده إلى النوم بطريقة حازمة ومن دون مساومة، أن تطفئ النور وتستلقي إلى جانبه وتشعره بالأمان، وفي الوقت نفسه تؤكد له أن عليه العودة إلى النوم لأن الوقت لا يزال ليلا. 

وعمومًا الأسباب التي تسبب قلقًا كثيرة ولكن الكابوس واحد، وعلى الأهل أن يدرسوا كل الاحتمالات وإذا لم يتمكّنوا من حل المشكلة عليهم اللجوء إلى اختصاصي.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078