مُعضلة جمالية ذكوريّة
«الرجولة» مصطلح شامل يُستعمل للوصف الذكوريّ المتمثّل بصفات محدّدة عالمياً، مثل العضلات المصقولة والقوّة والصوت الأجشّ والهيبة وسواها... فالرّجل يتباهى بمظهره «الخشن» وطّلته التي تفرض نفسها وجسمه الرياضيّ المتناسق بإمتياز. بيد أنّه في بعض الأحيان، يحصل ما ليس في الحسبان! فيعاني «الذكر» مشكلة يكون تصنيفها حكراً على «الأنثى»: مشكلة تضخّم الثدي وبروزه!
للوهلة الأولى قد يخطر للبعض أنّ هذه مجرّد مزحة سمجة أو تعليق ساخر أو حتى إنتقاد لاذع لبعض التصرّفات المنمّقة التي قد يقوم بها رجل ما. لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، بحيث أنّ مشكلة تضخّم منطقة الثدي عند الرجل هي حالة مَرَضيّة ذات أسباب متعدّدة، وتتطلّب تدخّلاً علاجياً جراحياً. لا تهدّد هذه الحالة «رجولة» المرء ولا تنتقص من قيمته كإنسان، بل هي ببساطة تشكّل عائقاً جمالياً وأحياناً إنزعاجاً نفسياً. لكن مع الطبّ التجميليّ والعمليّات الجراحية، يمكن أن تصير هذه المسألة طيّ النسيان.
تشرح الدكتورة ساريا واكيم الغريّب، الاختصاصيّة في أمراض الغدد والسّكّري، أسباب تفاقم حالة تضخّم الثدي وتتطرّق إلى مختلف نواحي هذه المسألة. كما تتحدّث الدكتورة ميراي سْمَيره، الاختصاصيّة في جراحة التجميل والترميم،عن الحلول الجراحيّة التجميليّة المتوافرة للتخلّص من هذه المشكلة، حسب حالة التشخيص التي تظهر في الفحوص.
تضخّم الثدي
قد يواجه البعض وقتاً عصيباً في تقبّل أمر خارج قليلاً عن نطاق المألوف. إذ لم يسبق أن عهدوا مثلاً مشكلة جمالّية خاصة بأحد الجنسين تواجه فرداً من الجنس الآخر! فالتركيبة البيولوجيّة الذكوريّة مختلفة بعض الشيء عن تلك الأنثويّة. ولهذا السبب، قد نجد عائقاً في إستيعاب أو حتى في الإستماع إلى مشكلة من هذا النوع.
تبرز مشكلة تضخّم الثدي عند الرجال كإحدى الحالات "الشاذة" أي غير المألوفة كثيراً في مجتمعاتنا، إذ لا نجد الكثيرين يتكلّمون عنها، فيما البعض يعاني منها حقاً ولا يجرؤ على الحديث عنها.
تقول الدكتورة واكيم «تضخّم الثدي عند الرجل وبروزه بشكل واضح Gynecomastia هو ظاهرة تكوّن الصدر بشكل غير معهود عند الرجل، أي عندما يبدأ الثدي عند الشاب بالظهور مماثلاً لذلك عند الفتاة».
وهذه الظاهرة غير طبيعيّة تجميلياً وغير مُرضيّة، كما أنها مؤشّر لمشكلة صحيّة، بسيطة كانت أو معقّدة. قد يعاني من هذه المشكلة الفتيان في مرحلة البلوغ، والرجال البالغون وحتى المتقدّمين منهم في السن، طبقاً لمعايير مختلفة وأسباب متعدّدة. فهذه الحالة غير المتداولة بكثرة وعلنيّة بعد، موجودة فعلاً وهي غالباً ما تبقى غير مُعلنة بسبب الحرج أو الخوف أو الإشمئزاز.
أسباب مختلفة
كما في كل الحالات المرضيّة والطّبيّة، يبقى دوماً جانب غامض لم يُكشف بعد. ففي بعض حالات تضخّم الثدي، يكون السبب مبهماً أو يفتقر إلى التفسير Idiopathic. وفي الحالات الأخرى، يكون مرتبطاً بمسبّب واضح.
تشرح الدكتورة واكيم: «في مرحلة البلوغ عند الفتى، أي في الرابعة عشرة تقريباً، قد يعاني مشكلة ظهور الثدي وذلك نتيجة تكوّن الهرمونات الذكريّة. ومع إنتهاء هذه المرحلة من حياته، تبدأ هذه المشكلة تدريجياً بالزوال، حتى تختفي بما يقارب 70% إلى 80%. لكن في بعض الحالات، تتطلّب هذه المشكلة تدخلاً جراحياً وطبياً للتخلّص منها نهائياً. من المعروف أنّ هذه الحالة هي الأكثر إنتشاراً بين حالات تضخّم الثدي، وهي طبيعيّة ولا تدعو إلى القلق والخوف.
من جهة أخرى، تبرز البدانة الزائدة والسُمنة كسبب آخر لهذه المشكلة الجماليّة، إذ إنّ زيادة الوزن الكبيرة تؤدّي إلى تكدّس فائض الدهون والشحوم في كلّ مناطق الجسم، بما فيها منطقة الصدر، لتكوّن الثدي. وهذه العاقبة تزول مع زوال السبب، أي عند خسارة الوزن الإضافيّ. لكن قد يبقى بعض الترهّل في حال خسارة كيلوغرامات كثيرة في وقت قصير ومن دون ممارسة الرياضة».وبالإضافة إلى هذين السببين، يظهر سبب آخر أكثر خطورة ألا وهو حالة مرضيّة. تقول الدكتورة واكيم «في بعض الأحيان، قد يعاني الرجل مشاكل أو خللاً في الجينات، يؤدّي إلى هذا «التشوّه الجمالي» الذي يكون عَرَضاً بسيطاً من أعراض المرض، فتشخيص حالة Klinefelter Syndrome مثلاً يبدأ من هذا المنطلق.
وقد يكون تضخّم الثدي أحياناً مرتبطاً بتورّم في الخصيتين وهذه حالة مرضيّة تقتضي العلاج والتدخّل الطبّي». وفي بعض الأحيان، يظهر الثدي عند الإكثار في ممارسة الرياضة العضليّة Body Building إذ تتكوّن العضلات نتيجة الرياضة وضخّ الحديد أو حتى تناول العقاقير والمنشّطات، وتبدأ النتوءات بالبروز.
كما أنّ بعض المشاكل الصحية تؤدّي إلى ذلك أيضاً، مثل زيادة إفراز الغدّة الدرقية أو مشاكل الكلى المزمنة أو مشاكل الكبد المزمنة وسواها من الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى تناول بعض أنواع الأدوية والعقاقير التي تحتوي على نسبة هرمونات عالية. كما أنّ إنخفاض معدّل إنتاج هرمون التستوستيرون الذكوري في الجسم قد يسبّب هذه الحالة أيضاً. وللسن أيضاً دور واضح في التسبّب بهذه الحالة. فمع التقدّم في السنّ، قد يحصل خلل في التركيبة ما بين الهرمونات الذكرية والأنثوية، أو قد يكتسب الرجل الوزن، مما يسبّب بروز ثديه.
علاجات وجراحات
يظهر التضخّم عموماً في منطقة الصدر ويطال الثديين معاً، فيكون عندها السبب إمّا صحيّاً أو خلل هرمونات أو بدانة ودهوناً أو عضلاً زائداً. لكن في بعض الحالات الأقلّ إنتشاراً، قد يظهر التضخّم في ثدي واحد، ما يدعو إلى القلق أكثر، إذ يكون عندها السبب مرضياً لا محالة.
تشير الدكتورة سْمُيره: «عندما تكون الحالة مرضيّة، يجب مباشرة العلاج، فخلل الهرمونات يُصحّح ومشكلة البدانة تُعالج بالحمية والرياضة، والمشكلة العضليّة تزول بالتخفيف من الرياضة والإقلاع عن المنشّطات... فبعد الفحوص المخبريّة والتشخيص، يتمّ العمل على إزالة السبب قبل مباشرة التخلّص من النتيجة.
بعدها، إن لم يعد شكل الثدي إلى طبيعته، يكون التدخّل الجراحيّ التجميليّ». وإجراء الجراحة التجميليّة لا يتمّ عشوائياً، ذلك أنّ لكلّ حالة طريقة خاصة في الجراحة لضمان النتيجة والتأكّد من السلامة.
تفسّر سميره: «متى تطلّب العلاج جراحة، يجب إجراء صورة صوتيّة Echography لمعرفة ما هو «الفائض» في الثدي. فقد يكون كناية عن درن أو ألياف، أو سائل أو كيس قيح أو كيس دهن... كما قد يكون أحياناً تورّماً حميداً أو حتى خبيثاً وسرطانياً. فإذا لم يكن كذلك، ولم يظهر أيّ خطب في الصورة الصوتيّة، يمكن الإستعانة بطريقة الشفط وإزالة قسم من الغدّة المتكوّنة والدهون. وتُرسل النتيجة مباشرة إلى المختبر للزرع، للتأكّد من أنّ كلّ شيء على ما يُرام. لكن في المقابل، إذا ظهر أيّ شيء في الصورة الصوتية، يُستبعد خيار الشفط لأنّه لا يمكّن من تحديد الكتلة جيّداً، فهو يتيح معرفة وجود خلايا مريضة أو سرطانيّة مثلاً، لكن لا إمكانيّة لاحقاً لتحديد موقعها في الثدي متى شُفطت وأزيلت بطريقة عشوائيّة. لذلك، عندما لا تكون النتيجة أكيدة، يتمّ اللجوء إلى جراحة الشق التقليديّة حول هالة الحلمة لإزالة الحجم الزائد وتحديد مرجع لموقع الكتلة نسبة إلى خيط خاص يوضع لمعرفة المكان الصحيح».
بعد الجراحة، أكانت شفطاً أو شقاً، قد تبدو علامات إزرقاق وورم لبضعة أسابيع، لكن يجب دوماً مراجعة الطبيب المختصّ ومتابعة الحالة لضمان عدم تكرارها.
حالة نفسيّة
لا يمكن أبداً نكران أنّ حالة مرضيّة أو حتى مشكلة جمالية تُلقي بثقلها على كاهل صاحبها. فكلّ من يعاني من خطب ما غالباً ما يتقوقع على نفسه ويرفض الإنفتاح على الغير، إذ يظنّ أنّهم لن يتقبّلوا حالته وسوف ينكرونه، أو على العكس سوف يهزأون منه. كما أنّه في بعض الأحيان، يمرّ المرء بفترة عدم تقبّل ونكران، فيرفض حتى إستشارة الطبيب المختصّ، إهمالاً أو يأساً أو الإثنين معاً. وهذا الأمر لا يجوز مطلقاً، إذ إنّ كلّ حالة تبدأ صغيرة وتتفاقم، فيمكن السيطرة عليها في مراحلها الأولى وضمان عدم تفشيّها وإنتشارها. يجب ألا يخجل الرجل من ذاته إذا تعرّض لهذه المشكلة، لأنّه لم يسبّبها بنفسه، بل هي نتيجة مشكلة ما. وهذا الأمر لا يؤثّر مطلقاً على الحياة العمليّة أو الحميمة أو اليوميّة.
تقول الدكتورة سميره "على كلّ رجل يعاني هذه المشكلة أن يستشير طبيب غدد لتحديد السبب والتشخيص الدقيق. فأحياناً قد يكون السبب تافهاً مثل البدانة أو الرياضة المفرطة، لكن هذا لا يمنع أبداً من الإطمئنان. ففي بعض الحالات، قد يكون المسبّب مزدوجاً إذ يطغى العامل الظاهر على الخلقيّ، فيكون الأمر مثلاً مرتبطاً بالبدانة لكن قد يخبّئ تورّماً أيضاً في الوقت عينه. فلمَ المخاطرة؟ فالأسباب الثانويّة والأساسيّة قد تختلط أحياناً لتؤدّي إلى العاقبة نفسها»!
وإذا لم تزل العاقبة بعد معالجة السبب، فإنّ الجراحة التجميليّة تكون الحلّ الشافي الذي يضمن الراحة النفسية أولاً والشكل «الطبيعيّ» أيضاً.
من جهتها، ترى الدكتورة واكيم أنّه «إذا بدأت هذه المشكلة في مرحلة البلوغ، فيجب عدم التخوّف والهلع والإتجاه فوراً إلى الجراحة. بل يجب الإنتظار ريثما تنتهي هذه المرحلة لتزول الحالة معها. لكن لا شيء يمنع من إستشارة الطبيب والإطمئنان».
يبقى أنّ سرطان الثدي يصيب عموماً النساء بنسبة 99% والرجال بنسبة 1%، لكن إذا ظهر التضخّم في ثدي واحد دون الآخر، ترتفع أرجحيّة أن يكون السبب إشارة إلى سرطان الثدي بنسبة 50%.
تبقى الوقاية المبكرة خير من العلاج المتأخّر...
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024