هل يمحو إستئصال عضو نسائي أنوثة المرأة؟
الإنسان كائن حسّاس، له من المشاعر والمعنويات ما من شأنه أن يساعده على مواجهة الصعاب والنظر إلى الحياة بمنظار الجمال والتفاؤل. وقد يُقال إنّ الشكل ليس كلّ شيء أو أنّ مجرّد الإكتفاء بالمظهر يدفع بالمرء إلى أن يكون سطحيًاً، بيد أنّ الواقع هو أنّ كلّ شخص بيننا لا يستطيع إلاّ أن يحسّن مظهره ويعمل على تطوير شكله...
ومن المتعارف عليه أنّ المرأة تعير شكلها أهمّيّة كبرى، وتفتخر بمحاسنها كونها تلفت الأنظار بأنوثتها اللامتناهية. لكن، ماذا تكون ردّة الفعل عندما تضطرّ لخسارة جزء مهمّ من جسدها، لا بل من «أنوثتها» أيضاً؟
فالأمراض المزمنة المستعصية الخبيثة غالباً ما تحمّل الإنسان فوق طاقته وتجبره على دفع الثمن غالياً. فإستئصال الثدي أو الرحم أو سواها من الأعضاء يخلّف تأثيرات نفسية سلبيّة جمّة، إضافة إلى الشق الجسدي.
إنّ الموضوعات النفسيّة والأعباء المعنوية التي لم تكن تلفت إنتباه المجتمع، باتت الآن من أهمّ المعضلات التي يسعى الطبّ الحديث إلى حلّها وتأمين بدائل عن الخسائر لمتابعة المثابرة وحبّ الحياة.
يشرح الدكتور دوري هاشم، الطبيب الإختصاصيّ في الأمراض النفسية والعقليّة التبعات النفسيّة الحاصلة جرّاء إستئصال أعضاء نسائيّة عند المرأة المصابة بمرض خبيث، مفصّلاً نظرتها إلى ذاتها وعلاقاتها مع المجتمع والعائلة.
كما تعطي سيّدتان خاضتا التجربة الأليمة شهادة حياة لما قد واجهتاه من مشاكل وإنتكاسات وإضطرابات نفسيّة، بالإضافة إلى الشق الطبي والمساعدات النفسية والتجميلية.
أمراض سرطانيّة
ذاعت في الآونة الأخيرة أخبار تفشّي شتى الأمراض السرطانية بين الناس. فبعد أن كان الأمر طيّ الكتمان سابقاً وغير متداول، أضحى الان حديث المجتمعات، بسبب كثرة إنتشار هذه الأمراض. إنّ ظهور خلايا خبيثة ونموّها وتكاثرها تستدعي العلاج الفوري للقضاء عليها... لكن وحتى مع التدخّل الطبيّ، لا يزال الثمن غالياً ليُدفع. فمتى نجا المرء من الإصابة وأبعد شبح الموت عنه، تطرأ مشكلة من نوع آخر، إذ إنّ الإجراء المتّبع للقضاء على هذا المرض قد كلّف إستئصال عضو من الجسم. ولعلّ أبرز أنواع السرطانات إنتشاراً بين السيدات هما سرطان الثدي وسرطان الرحم. وطبعاً الحلّ الجذريّ يكون بإستئصال ثدي أو ثديين معاً، أو بإستئصال الرحم. وهنا، بعد إنتهاء العمليّة، تقبع المرأة غير دارية بمشاعرها: أتحمد الله على خلاصها أم تتخبّط في مشكلة خسارتها لما تعوّل عليه في إبراز أنوثتها؟
إنعكاسات نفسيّة
إنّ أسوأ ما في الموضوع أن يسترسل المرء في «تعزية» الاخر وهو لم يخُض التجربة عينها، فيشعر المريض بأنّ الشخص قبالته يشفق عليه أو يعظه سدى. فمن الصعب جداً أن يكون ثمن الإنتصار خسارة!
تعوّل السيدات عموماً على المظهر الأنثويّ للظهور بين الناس. ولا يمكن نكران أنّ منطقة الصدر والثدي في غاية الأهمّية لإبراز الشكل الجميل. فهنا، تكون عمليّة التخلّص من السرطان قد اطاحت معها هذا العضو المهمّ، تاركة المرأة تشعر بنقص حاد في جمالها وتشكّ حتى في أنوثتها.
من جهة أخرى، إنّ الله قد أعطى المرأة نعمة لم يهبها لسواها، ألا وهي الأمومة المتمثّلة بالقدرة على الحمل والإنجاب. لكن، عند الإضطرار لإستئصال الرحم، تُحرم من هذه النعمة، فتضحي «ناقصة»، خاصة إذا كانت لم تنجب بعد أو لم تتزوّج أو ما زالت في ريعان الشباب.
يقول الدكتور هاشم: «في شتى الأحوال، إنّ المريض الذي يخوض تجربة مكافحة مرض خبيث يمرّ بمراحل متعدّدة لتقبّل حالته الجديدة وللتأقلم مع الصورة التي خلّفها المرض. بيد أنّ كلّ إنسان يجتاز هذه المراحل وفق وتيرته الخاصة، فتختلف من شخص إلى آخر. فعند تلقّي خبر الإصابة بالمرض، تبدأ مراحل «الحداد» النفسيّ قبل الرضوخ للأمر الواقع في نهاية المطاف».
مراحل القبول
إنّ الإنعكاسات النفسية والإضطرابات والإنتكاسات والحزن والتشاؤم والغضب والسخط كلّها من المسلّمات التي لا بدّ من أن يعيشها مريض تلقّى خبر فاجعة الإصابة بمرض خبيث. فمن حيث المبدأ، الإنسان كائن مليء بالمشاعر ولا بدّ له من أن يعبّر عنها، وإن إختلف الموضوع بين الناس.
يقول هاشم: «بادئ ذي بدء، عند سماع الخبر الصدمة، يخيّم الغضب والخيبة النفسية والحزن العاطفي على الإنسان، فتظهر حالة رفض قاطع ونفي ونكران وعدم تقبّل للمرض. بعدها، قد يمرّ بمرحلة الثورة والغضب فتبدو ملامح الحزن والتعب النفسيّ والقلق عليه. وفي مرحلة لاحقة، تبدأ المساومة لمحاولة إيجاد حلّ للبقاء على قيد الحياة كمساعدة الغير وعمل الخير أو المثابرة ريثما يكبر الأولاد... أمّا المرحلة اللاحقة فتكون حالة الإنهيار والإكتئاب والإنزواء حيث تبلغ الأفكار السوداويّة أوجها ويسقط المرء إلى الحضيض نفسياً. بعدها، يتمّ بلوغ مرحلة تقبّل الواقع والتأقلم مع الحالة الجديدة». لا يمكن مطلقاً تحديد فترة لهذه المراحل إذ يقطعها كلّ شخص بوتيرته. فقد تستغرق أسابيع أو شهور أو ربّما سنوات، وفق ما يكون الإنسان مهيّأ لتقبّل الأمر. لكن تجدر الإشارة إلى أنّه كلّما إمتدّت حالة الرفض والنكران، كان المرء معرّضاً أكثر للإنهيارات النفسية والإضطرابات».
أعراض ملموسة
بشكل عام، إنّ الإنسان المريض يبتعد لفترة عن المجتمع ليعاود بعدها الإنخراط فيه والتأقلم مع الغير. فكيف في حالة مواجهة مرض وخسارة عضو أي «تشوّه» الشكل أيضاً؟ إنّ المرأة التي فقدت شيئاً عزيزاً عليها قد تشعر بالخجل والعار من شكلها الجديدة إذ تبدو «ناقصة». لذلك قد تسعى إلى الإنزواء وعدم الإختلاط مع الناس وتميل إلى الوحدانيّة. يضيف الدكتور هاشم: «إلى جانب أعراض الإكتئاب الظاهرة، قد تبدو علامات صغيرة لا يلاحظها إلاّ المقرّبون، بحيث يخفّ مثلاً ميزان النوم عند السيدة، فتعاني من الأرق وعدم القدرة على النوم. كما قد تتبدّل طريقة تصرّفها، لذلك يجب عدم ترك الموضوع، بل يجب المساندة والمساعدة قدر الإمكان».
يرى هاشم أنّ «المرأة التي عانت من إستئصال عضو «أنثوي» مهمّ بالنسبة إليها، تتغيّر علاقتها مع ذاتها أوّلاً، بحيث تعاني من إنعدام الثقة بالنفس وتشعر بالفراغ والنقص. وأمّا مع الشريك، فلا مفرّ من أن تتبدّل العلاقة، كونها تشعر بأنها لن ترضيه عاطفياً ولن تستطيع تحقيق ما هو مطلوب منها. لذلك يجب الصبر والتفهّم ومحاولة الحديث عن الموضوع بالحوار المستمرّ». أمّا في المنزل، فقد تتغيّر حياة السيدة من حيث التأقلم، بحيث تستدعي الحاجة أن تستيقظ باكراً حتى تعتني بشكلها وتضع الماكياج البسيط لتغطية ملامح التعب والمرض قبل أن يراها أولادها مثلاً. كما أنّ المعضلة الكبرى تكون لدى تساقط الشعر إثر العلاجات، مما يحتّم ضرورة وضع شعر مستعار أو اعتمار قبّعة على الدوام. وفي المجتمع بين الناس، قد تشعر السيدة المريضة بأنّ النظرات باتت نظرات شفقة مما يزعجها ويضايقها كثيراً. فإنّ المبالغة في المساعدة تُشعر المرء أنّه عاجز عن تدبّر أموره الخاصة الأمر الذي يضايقه نفسياً ويؤثّر في تقدّمه. وتكون الحالة أسوأ عند الإصابة بإنتكاسة مرض السرطان بسبب إستنزاف الطاقات قبلاً ووضع آمال كثيرة على الشفاء، مما يعرّض الإنسان لإنهيارات عديدة من جديد.
مساعدات متنوّعة
إنّ الحديث عن «تشوّه» في الشكل لم يعد جائزاً في عصر التقدّم الطبّي والتجميليّ. فقد قطع الطبّ التجميليّ أشواطاً كبيرة، وساهم في إراحة المرأة من مشاكلها. فلم يعد إستئصال الثدي يسبّب «عيباً جمالياً»، بل إنّ عمليّات الترميم ناجحة جداً، لا بل تعطي نتائج أفضل من الطبيعة، مما يحثّ السيدة على الشعور بالفخر كونها تغلّبت على المرض ولاتزال تثابر وتناضل للقضاء على مخلّفاته.
يفسّر هاشم «إنّ تدهور صورة المرأة المفعمة بالأنوثة بعد إستئصال الثدي أو الرحم طبيعيّ في المراحل الأولى من المرض والعلاج، إذ كانت السيدة تعتمد على هذه المعايير لتحديد ذاتها. لكن مع الوقت والعلاج النفسيّ سوف تصل إلى مرحلة تقبّل الصورة الجديدة وسوف تتأقلم مع حالتها وإن إستغرق الأمر بعض الوقت وتخللّه إنتكاسات وإضطرابات وحزن وبكاء». من جهة أخرى، باتت الآن العلاجات النفسية مرافقة للعلاجات الجسديّة، بحيث من شانها أن تحفّز المريض على المثابرة للقضاء على المرض والتغلّب عليه. وإنّ التوجه إلى مراكز خاصة ولقاءات مع أناس يعانون المشكلة عينها من أبرز ما يساعد الإنسان على التأقلم والتنفيس عن مكنونات صدره. هذا، ويمكن لكلّ شخص أن يساعد عبر البقاء «طبيعيّاً» من حيث المعاملة، فلا ضرورة للمبالغة والإحاطة الدائمة وتغيير المعاملة. بل كلّ ما في الأمر هو مدّ يد المساعدة عند الحاجة والإستماع إلى المريض والتحاور معه.
نصائح للجميع
يؤكّد الدكتور هاشم أنّ «المثابرة والتفاؤل هما الحلّ الأبرز لمجابهة حالات كهذه. فالأمر يساعد نفسياً على تخطيّ العقبات، كما إنّ رفع المعنويّات يمدّ بالقوّة على الصعيد الجسديّ بحيث يساعد المناعة والدفاعات في الجسم وإن لم يلاحَظ التقدّم من الأيّام الأولى. فلا خيار آخر سوى المتابعة لقهر المرض عوض أن يقهرنا!».
لا جدوى مطلقاً من البكاء على الأطلال والحزن والانعزال الدائم، وإنما يجب التحلّي بالقوّة وتقبّل الذات والتجاوب مع العلاج.
أخيراً، يذكّر هاشم بضرورة «لفت نظر المحيطين بالشخص المريض إلى أهمّيّة الدعم النفسيّ والمساعدة لإنتشال المريض من العزلة والإنطواء والحزن قبل ازدياد الإضطرابات النفسيّة».
شهادات حيّة
- فيفيان سيّدة متزوجّة تبلغ من العمر أربعين سنة، وقد فاجأها مرض سرطان الثدي باكراً إذ إكتشفت الإصابة به صدفة. تقول إنّ الخبر الفاجعة كان كارثياً للوهلة الولى، إذ فكّرت في أولادها وكيف سوف يتدبّرون أمرهم من دونها. لكنها أصرّت على المكافحة، وبعد وقت طويل، تغلّبت على المرض. تقول إنها لم تخرج من المعركة منتصرة كلياً، فقد كلّفها الأمر خسارة ثديها الأيمن.
في البداية، كان الأمر صعباً عليها، إذ شعرت بأنها فقدت شيئاً من ذاتها. لكن مع وجود الطب التجميليّ، تمكّنت من الخضوع لترميم منطقة الصدر ولم يعد أحد يعرف الفرق سواها. وتشير إلى أنّ علاقتها قد تزعزعت مع زوجها في بادئ الأمر، لكنه كان متفهماً ودار الحوار بينهما لتخطّي الموضوع.
لا تنكر أنّ الحزن والألم لم يفارقاها بسرعة، لكن هذه هي سنّة الحياة ولا مهرب من المواجهة.
- ربى أيضاً كانت ضحية صراع مع مرض السرطان. فقد تمّ إستئصال رحمها في محاولة للحدّ من المرض. رزقها الله صبياً وحيداً وكانت تنوي متابعة الإنجاب. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فلم يعد بإستطاعتها ذلك. تقول إنها شعرت بالغبن والخداع، فلم تكن تعرف أنها سوف تحرم من نعمة الأمومة مرّة ثانية. تشير إلى أنّها دمّرت معنوياً في البداية، إذ لم يعد الخيار بيدها. لكنها، وبعد الخضوع لجلسات علاج نفسيّ، إكتشفت أنها لم تفقد الكثير، إذ عوّض عليها إبنها الوحيد. وكانت مواجهة الناس وشفقتهم الزائدة أكثر ما ضايقها في الموضوع لأنها لم تكن مستعدّة نفسياً للصراع الداخليّ والصراع مع نظرات الشفقة. وتشير إلى أنّ الدعم العائليّ هو ما ساندها كثيراً ومدّها بالقوّة .
المرض لا يرحم لكن لا سبيل للإستسلام!
شارك
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
فُتحة فستان ليلى علوي تثير الجدل... والفساتين...
إطلالات النجوم
مَن الأجمل في معرض "مصمّم الأحلام" من Dior:...
أخبار النجوم
يسرا توضح حقيقة خلافاتها مع حسين فهمي
أكسسوارات
تألّقي بحقيبة الملكة رانيا من Chloé... هذا سعرها
إطلالات النجوم
الـ"أوف شولدر" يغلب على فساتين نجمات الـ"غولدن...
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024