«سينما الشعب» قراءة في أفلام شيخ المخرجين صلاح أبو سيف
هو واحد من أبرز المخرجين المصريين وأكثرهم شهرة، فأفلامه أرَّخت طويلاً لحياة المصريين، لا سيما في أحيائهم الشعبية، من هنا جاءت أفلام المخرج الكبير الراحل صلاح أبو سيف، بمثابة علامات فارقة في تاريخ السينما، تناول فيها أحلام المهمشين ورغبتهم في الصعود الطبقي، منهم لم تنسه هذه الرغبة المبادئ والأخلاق، وآخرون كانوا نموذجاً للانتهازية الطبقية، التي باعوا من أجلها كل شيء، من هذه الأفلام: «القاهرة 30»، «بداية ونهاية»، «الفتوة»، «الزوجة الثانية»، «شباب امرأة»، وغيرها من الأفلام التي أغرت الدكتور ناجي فوزي ليؤلف كتاباً عن مجمل أعمال رائد الواقعية المصرية، بعنوان «سينما الشعب... فلسفة الحس الشعبي في أفلام صلاح أبوسيف». في هذا الكتاب الضخم، الذي يتجاوز 885 صفحة من القطع الكبير، ركز الدكتور ناجي على العناصر المكونة للحس الشعبي في أفلام صلاح أبو سيف، ويأتي في مقدمها المكان الشعبي والشخصية الشعبية والجنوح إلى الحس الفكاهي، واستخدام قدر ملحوظ من عناصر التراث الشعبي المتعددة، فضلاً عن عدد من العناصر الأخرى التي تكمل الطابع الشعبي لأفلام أبو سيف، ومنها تبني بعض المفاهيم الشعبية الاجتماعية، وما يتصل بها من مفاهيم أخلاقية أو ذات طابع أخلاقي، واستخدام الكتابات الجدارية والميل الواضح الى تحقيق فكرة العدالة، والاستعانة بالممثلين السينمائيين من أصحاب القبول الشعبي الملحوظ من قبل جمهور السينما في مصر والعالم العربي، وإن كان هذا لا يمنع من إشراك وجوه جديدة للمرة الأولى من خلال اشتراكه مع مجموعة من الممثلين ذوي القبول الشعبي الذين يحظون بمكانة جماهيرية متقدمة عند جمهور مشاهدي الأفلام المصرية، فيقدم كلاً من عمرو الترجمان وعادل المهيلمي وليلى صادق بجوار كل من فاتن حمامة وشكري سرحان وأحمد رمزي ونادية لطفي وعماد حمدي وعقيلة راتب في فيلم «لا تطفئ الشمس» 1961، وكلاً من عبدالله غيث وأحمد توفيق وإبراهيم قدري في فيلم «لا وقت للحب»1962 من خلال الاشتراك مع كل من فاتن حمامة ورشدي أباظة.
ويسجل الدكتور ناجي ملاحظة مهمة في هذا الكتاب، في إطار تحليله للشخصية الشعبية في أعمال صلاح أبو سيف، فيرى أنه من النادر أن تتحول شخصية شعبية، أو ذات طابع شعبي، إلى شخصية أرستقراطية، تحولاً يتفق مع القانون الوضعي والقيم الأخلاقية العامة، كما هو بالنسبة إلى شخصية توحيدة «زوزو ماضي».. الأرملة الحسناء أم البنات في فيلم «الطريق المسدود» 1958، وشخصية «حسنين» (عمر الشريف) في فيلم «بداية ونهاية» 1960، وكل من محجوب عبدالدايم (حمدي أحمد) وإحسان شحاتة (سعاد حسني) في فيلم «القاهرة 30».
وطبقاً لهذه الدراسة، فليست كل أفلام صلاح أبو سيف «البطل» فيها «الشخصيات»، فهناك أفلام يكون البطل «المكان»، وهو ما يمكن أن نطلق عليه «أفلام الأمكنة»، مثل «لك يوم يا ظالم»، «المجرم»، «شباب امرأة»، «الفتوة»، «بين السماء والأرض»، «الزوجة الثانية»، «حمام الملاطيلي»، «الكداب»، إذ تتنوع أهم الأمكنة الشعبية أو ذات الطابع الشعبي في أفلام أبو سيف تنوعاً ملحوظاً، فمنها الحارة، المقهى، الحمام، السرجة، المسجد والضريح بداخله، السوق، الموالد، المسمط، الجبانة، وغير ذلك من الأماكن التي أجاد أبو سيف التعبير عنها.
ولا تخلو- أيضاً- أفلام أبو سيف من الحس الفكاهي، وهو ظاهر في معظم أفلامه، ودوره واضح في تأسيس الحس الشعبي في هذه الأفلام، وذلك استناداً إلى ما تثبته الدراسات التاريخية والاجتماعية في شأن غلبة «روح المرح» على المصريين، كما تميزت أفلام رائد الواقعية المصرية بظهور الموسيقى الشعبية في أفلامه، بدءاً من أول أفلامه «دائماً في قلبي» 1946.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024