تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

عبارات يجدر بالأهل تجنّبها

يتوجّه الأهل بالكثير من العبارات الى أطفالهم، من دون أن يدروا أثرها السلبي في الطفل، فمن منا لا يقول لابنه «تأخرت بسببك» أو «من تحب أكثر أنا أم البابا»... ولكن هذه العبارات التي تبدو بسيطة، يكون وقعها سيئًا على الطفل.
لذا ينصح الاختصاصيون في التفكير في عواقبها قبل اطلاقها، وتجنب توجيهها إلى الطفل.
وهذه هي بعض العبارات المتداولة بين الأهل والتي عليهم تجنبها.


« تأخرنا بسببك، أنا غاضبة منك»...
إنها عبارة تُشعر بالذنب الذي هو بالتأكيد ليس الطريقة المثلى لجعل الطفل يفهم درسًا. خصوصًا أن التأخير هو في الواقع نتيجة لسلسلة من التأخيرات الصغيرة والافتقار إلى التوقّع.
وفي كل الأحوال، لا يجدر بالأهل إشعار طفلهم بالذنب، وبدل ذلك عليهم إعادة تنظيم الوقت، والأولويات بشكل مختلف، وإعطاء تعليمات واضحة للطفل كي يساعد في الحفاظ على التوقيت، أو في إنجاز أمور أخرى، وتشجيع جهوده التي يبذلها يومًا بعد يوم.
وكذلك بالنسبة إلى العصبية، فالأهل كأشخاص راشدين، لديهم القدرة على السيطرة على أفكارهم التي تسبّب المشاعر غير السارّة والتوتّر.
لذا بدل إلقاء اللوم على الطفل والتحدّث إليه بعصبية، يمكن الأم أن تأخذ نفسًا عميقًا وتبتسم، وإن لم تكن ترغب في ذلك، والتعبير بقلبها وليس من خلال عقلها.

«لا تبكِ»...
عبارة صغيرة جدًا ومختصرة، كافية لأن تكبت مشاعر الطفل على الرغم من أنه يستمر في البكاء. فهو يبكي لأنه في حاجة إلى شيء ما. وطفل تنتابه نوبة بكاء يحتاج من والدته فقط إلى احتوائه وتهدئته وطمأنته.
لذا فإن استعمال الاتصال الجسدي باحتضانه بقوة لتهدئته يساعده على إدارة مشاعره والتحكّم فيها، وبالتالي تشجيعه على التعبير عما يخالجه بالكلمات يخفّف حدّة توتره، وغضبه.
أما إذا كان الطفل في سن كبيرة، فلا يجوز أن نستهزئ ببكائه، ولا سيما إذا كان ولدًا، فالبكاء والدموع هما انعكاس لشعور يزعجه، ولا يجوز القول له «لا تبكِ، أصبحت ولدًا كبيرًا»، أو «الأولاد لا يبكون».
إذ يؤكد الاختصاصيون أن لا ضير في أن يبكي، فالدموع تحرّره من الحزن وتبلسم جروحه. ومن الأفضل أن يلجأ الصبي إلى والده، فذلك يشعره بالأمان لأن الوالد هو المثال الذي يتماهى به وصورة الرجل التي يبحث عنها.
وعلى الوالد بدوره أن يطمئنه كأن يقول له: «ابكِ فهذا سوف يشعرك بالراحة». ومن الممكن أن يحدّثه عن طفولته: «أنا أيضًا كنت أبكي أحيانًا عندما كنت في مثل سنّك حين أتعرض لموقف حرج أمام أصدقائي».
ومن المهم جدًا أن يحمل ابنه على التحدث عن سبب حزنه، فالبكاء يصبح صحيحًا إذا ما رافقه الكلام. ويجب تعليم الطفل أن يقول «أنا حزين لأنني...».

«اهدأ!»... «لا تتحرك»
غالبًا ما تردّد الأم هاتين العبارتين عندما يكثر أبناؤها في حركتهم في البيت، فلتفكر في لحظة هل يمكنها كراشدة الجلوس لفترة طويلة في اجتماع عمل! ألا تشعر بالضيق إذا كانت ملزمة؟ فكيف بالطفل الذي لديه طاقة يريد تفريغها، ولا يكون ذلك إلا من طريق الحركة التي هي جزء أساسي في نموّه. فمن خلال الحركة يكتشف المحيط الذي حوله ويتفاعل معه، فيتعلم التعامل معه.
لذا، المطلوب من الأم قوننة طاقته وحركته من خلال اللعب معه أو تعيين هدف له أو موضوع يشغله، مثلاً أن تطلب منه ترتيب ألعابه، أو إكمال لوحة البازل. فالطلب منه بشكل حازم أن يتوقف عن الحركة غير مجدٍ لأنه سيبقى يتحرك لأنها لم توفر له البديل.

«أنت مثل فلان...»
ينجز الطفل عملاً ما لأنه يريد أن يكون هو ذاته، ويريد أن يتعرف اليه الآخرون كما هو، أي لما هو عليه. فهو ليس مثل والده أو شقيقه، أو صديقه. وعلى الكل من حوله احترام هويته واختياراته.
إذ لا يجوز وسمه بصفة تعود لشخص آخر! لأنه قد يتمثل هذه الصورة ويتماهى بها، وبالتالي لن يعبّر عن امكانياته واختلافه.
وبالمثل، عند استحضار المقارنة بين الطفل وصديقه مثلاً «صديقك يعرف كيف يربط شريط حذائه» فهذا من شأنه زعزعة ثقة الطفل بنفسه وقدراته. لذا على الأهل تقييم جهوده والتبيان له الطرق الصحيحة في انجاز عمل ما، حتى يصبح متمكّنًا.

«لا» لإنهاء موقف ما!
إذا كان الطفل على وشك ابتلاع سُدادة القنينة، من البديهي أن تمنعه الأم. وهذا هو بالضبط معنى عبارة «توقف!»، ومن ثم تقف على مستوى نظر طفلها وتشرح له خطر ما كان على وشك القيام به من خلال ربط هذا العمل بآخر يدرك خطره.
ويمكنها استعمال دمية ومحاكاة ما كان يشرع القيام به، وإظهار نتيجته على الدمية، وماذا كان يمكن أن تشعر لو أصابه مكروه. فعندما تصيح الأم «لا»، يولد فجأة خوف عند الطفل، وبالتالي يشعر بالارتباك بسبب الاستعمال المتكرّر لها في العديد من المواقف الأخرى.

«سأعطيك سببًا وجيهًا للبكاء»... «سوف أتصل بوالدك»
التهديدات الجسدية واللفظية ليست فعّالة في سياق التربية. فهي لا تسمح بتغيير سلوك الطفل. وعبارة «سوف أتصل بوالدك» أو «سأشكوك له» هي تهديد سلبي جدًا لأنها تشير إلى أن الوالد هو ممثل السلطة الوحيد في البيت، فضلاً عن ترافق هذه الصورة مع لحظات سيئة... وهذا ليس مطمئنًا للطفل، لأنه سوف يتصرّف على أساس الخوف من والده، وليس على أساس الاحترام، وقد يؤدي هذا إلى أن يبادر هو أيضًا بتهديد والدته بأنه سيشكوها لوالده، فينتفي احترامه لها.
لذا بدل التهديد والوعيد، على الأم أن تعرف سبب تصرّفه، وإذا لم يكن منطقيًا عليها معاقبته فورًا، شرط أن يكون العقاب على قدر الخطأ الذي ارتكبه.

« إفعل كذا وكذا»
عندما يطيع الطفل أمرًا، يبقى دماغه الأمامي غير نشط. بينما عندما تتيح له الأم فرصة التفكير وتضع له الاختيارات، فإنها بذلك تتيح له مساحة ليتخذ قرارًا شخصيًا، وتسمح له في الوقت نفسه بإعمال دماغه الأمامي، الذي يسمح له بدوره بالتفكير، والتوقّع، ورؤية الأمور ومعرفة نتائجها مسبقًا لأنه يحلّل الفعل، وبالتالي يتكوّن لديه حس المسؤولية. لذلك بدلاً من إعطاء الأوامر، على الأم إرشاده، وسؤاله، والربط بين المشهد بمعلومات يعرفها.

«أسرع!»
أحيانًا تكون نبرة الصوت مثيرة للقلق أكثر من المضمون. ومع ذلك، فإن التوتر يسبّب منع أو فقدان القدرة على التحكّم في أفعال الطفل وأفكاره. لذا يمكن تحويل كلمة «أسرع» إلى لعبة في الأسلوب، مثلاً «الفوز لمن يُنهي خلع ملابسه أولاً!».
لتحفيز الطفل، يمكن الأم أيضًا تفصيل الجدول الزمني، والتوقّع، والتحذير، واعتماد العد العكسي: «لديك 5 دقائق من فترة مشاهدة التلفزيون، ثم 4 دقائق، الخ...»، كما يمكنها استعمال جهاز توقيت.

«حظًا سعيدًا» عند توصيله إلى المدرسة
إنها مفارقة، فهذه العبارة وإن كانت إيجابية، فهي تحمل في مضمونها بالنسبة إلى الطفل أنه سيواجه صعوبة ما ويحتاج إلى الحظ للتخلص منها. لذا بدل قول هذه العبارة، يمكن الأم أن تقول: «هيا استمتع جيدًا بيوم جميل مع زملائك».

«دعني، أريد بعض الهدوء.. «اذهب إلى والدك ليلعب معك»
يحتاج الطفل إلى الاهتمام والحب. إذا لم تتم تلبية هذه الحاجة، سوف يحاول الاعلان عنها بطريقته، فإذا لم يكن في مقدور الأم تلبية حاجته في اللحظة التي سألها فيها، عليها أن تشرح له السبب، وتعلمه متى يمكنها أن تنفذها، على أن تفي بالوعد. ولكن في الوقت نفسه عليها أن تكون حذرة، خصوصًا إذا أعلن حاجته الى شيء ما بشكل طارئ، وعدم التردّد في الاهتمام به على الفور.
فقمع الطفل باستمرار وعدم الاهتمام به يثنيانه عن التعبير عما يخالجه، وبالتالي لن تستطيع الأم مساعدته على تخطي الصعوبات التي يواجهها.

«أنت تحبني أقل من والدك/أمك»
الطفل يحب والديه لكنه لا يعرف دائمًا كيف يعبّر عن ذلك، لذا لا يجدر بالأهل تفسير ذلك بدلاً منه أو اتهمامه بأنه يريد أن يسبب الألم لهما.
وهذا ابتزاز من شأنه أن يجعله تعيسًا وغير راضٍ عن نفسه. «أنا سيئ، أمي تخاف مني»، وهذا استبعاد عاطفي مؤلم له. لذا فعندما يتعلّق الأمر بالحب، على الأهل أن يحبوا بلا شرط أو بما يوازي حب الطفل لهما.

«كن مؤدبًا»
هناك أسباب عدة لوقف استعمال عبارة «كن مؤدبًا»، أو «تصرف بحكمة». فعندما تقول الأم عبارة «كن حكيمًا»، يفهمها الطفل «كن حكيمًا أو مؤدبًا وإلا ...». ولذلك فإنها تبدو بمثابة تهديد، وخصوصًا أن الطفل سوف يشكك في الحب غير المشروط: «لا بد لي من أن أكون مؤدبًا وإلا فلن تحبني والدتي أو والدي».
والسبب الثاني هو أن كلمة «مؤدب» وسمة، وبسبب نعت الطفل بصفات محدّدة، فإنه لن يكون ما يجب أن يكون عليه. لذا على الأهل تشجيع الفعل لا الحكم على الشخص، أي وسمه بنعت محددّ.

«سوف تقع، تحرق نفسك، هذا يؤذيك، هل رأيت... حذرتك من هذا!»
يميل الأهل للتعبير بصوت عال عن القلق والتوقعات السلبية. والواقع أن صوغها بهذا الشكل قد تكون له نتائج سيئة. إذ يجازف الطفل بالوقوع أو الفشل، أو أذية نفسه لأنه يتخيل نفسه عندما يسمع هذه العبارات من والدته، ودماغه يدفعه لفعل ذلك.
في حال قيام الطفل بتجربة، على الأم ألا تشغل تفكيره بالصور السلبية التي من شأنها أن تفقده وسائله وتقلص فرص نجاحه.
لذا عليها أن تثق به، وتدعه يختبر مع تنبيهه إلى الصعاب أو الأخطار التي قد يواجهها، وتقديم الدعم له، كما يمكنها أن تقترح المساعدة، وتسأله عن تقديره لقوته نظرًا إلى الخطوة التي يريد القيام بها، مثلاً يريد أن يقفز من الدرجة الثالثة للسلّم، أو يريد أن يتسلق الشجرة، عندها يمكن الأم أن تسأله: هل أنت واثق من أنك قادر على ذلك؟ هل تريد مساعدة؟ أما إذا كان الخطر محكمًا فعلى الأم تحويل رغبته في القفز مثلاً، وجعله يقفز من علو أقل ارتفاعًا.
وقد تقول الأم لنفسها إن من الأفضل أن أكون معه بدلاً من أن يحاول وحده. وتكمن أهمية وجودها في أن في استطاعتها أن تمد له يد المساعدة إذا وقع على سبيل المثال.
ولكن ليتمكن الطفل من إدراك مقاييس قوته وتحسينها، على الأم ألا تجد له البديل إذا كان قادرًا على تدبّر أمره وحده. بل عليها السماح له بالمحاولة وبناء ثقته بنفسه. ففي النهاية نجح في المشي بعدما سقط كثيرًا على الأرض، فهو لو لم يقع لما تعلم المشي وكيف يعدّل في طريقته تدريجًا.
وهناك تأثير آخر من هذه التحذيرات، والتوقعات السلبية وتوفير البدائل مرارًا وتكرارًا، وهو أن الطفل سوف يشك في قدراته على نحو متزايد، ويعتقد أن في العالم الكثير من المخاطر. وهذا النوع من التفكير سوف يكبح رغبته في الاكتشاف ويعرقل نموه الفكري والجسدي.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079