تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

خبيرة الإتيكيت أميرة ناصر الصايغ رحلة من الإنجازات لتطوير السلوكيات

دورة حول آداب الطعام

دورة حول آداب الطعام

فكرة انبثقت في صيف عام 2002، ولدت مشروعاً ناجحاً، طمحت فيه مؤسِّسته الى شيء غير مألوف محلياً وإن كان أساسياً، طاقة فتحت أمامها أبواب المعرفة لتعلّم المزيد، وربط قيمنا الإسلامية بثقافة أجنبية عُرفت بالمجتمعات الأرستقراطية، فن «الإتيكيت» هو مضمارها الذي تفرّدت به، وشكّلت من خلاله منهجية خاصة لتطوير السلوكيات وصقل الأخلاقيات وخصوصاً فئة الأطفال، توسعت بعدها الى فئات عمرية أكبر، وشملت بنصائحها قرّاء سلسلة كتب ناجحة. السيدة أميرة ناصر الصايغ، مؤسِّسة مركز السلوك الراقي لتعلم فن «الإتيكيت» في جدّة، حققت على مدى خمسة عشر عاماً نجاحات نسلّط عليها الضوء في هذا الحوار.


الإتيكيت أو التعامل الراقي ليس حكراً على طبقة معينة

- «الإتيكيت» كلمة أجنبية، قد يظن البعض أن تعلم فنونها يخص أصحاب الطبقة الرفيعة والأثرياء، كيف كانت بدايتك مع هذا المصطلح؟
قبل خمسة عشر عاماً، خطرت في بالي فكرة إدراج «الإتيكيت»، كنشاط مختلف في الأندية الصيفية، من باب تغيير المعتاد من أنشطة كالسباحة وتعلم الإنكليزية وحفظ القرآن الكريم، وكنت أهدف من خلال هذه الفكرة الى تعليم الجيل الجديد السلوكيات الراقية والقواعد الأساسية في التعامل، لكون هذه الفئة العمرية من الأطفال سترسخ في أذهانهم هذه السلوكيات وسيمارسونها مستقبلاً بتلقائية.

- هل تظنين أن «الإتيكيت» أمر فطري أم مكتسب؟
«الإتيكيت» في رأيي الشخصي هو الطريق الذي يؤدي إلى مكارم الأخلاق، فكلما كانت تصرفاتنا وسلوكياتنا حسنة اكتسبنا احترام الآخرين وتقديرهم لنا. ولا شك في أننا جميعاً نتمتع بأخلاقيات عامة بالفطرة، ولكن السلوكيات الراقية والمهذّبة تُكتسب من خلال الممارسات الصحيحة المبنية على قواعد الذوق وفن التعامل.


تُوّجتُ أكاديمياً خبيرة «إتيكيت» ومدربة معتمدة في عام 2005

- كون « الإتيكيت» أمراً مكتسباً وفق تعبيرك، من أين اكتسبت ذلك، وكيف طوّرت نفسك في هذا المجال الذي لم يكن معروفاً في المملكة وقتذاك؟
حجر الأساس كان موجوداً من خلال تربية والديّ لي، وتربيتي لأبنائي، فـ»الإتيكيت» كان مجرد هواية، ولم أكن متخصصه في هذا المجال فعلاً، ولكنني طوّرت نفسي من خلال قراءاتي الكثيرة للكتب الأجنبية، واطلاعي على أساليب تدريب الأطفال، إضافة إلى تواصلي مع نخبة من المدرّبات العالميات من كندا وأميركا وبريطانيا، فكل ذلك أهّلني لأكون ملمّة بالكثير من القواعد والتقنيات. وبعد مضي سنوات من الممارسة والخبرة الذاتية استطعت أن أدعم هذه الخبرة أكاديمياً، فحصلت على شهادة خبرة في «إتيكيت» الحياة الاجتماعية، وأصبحت مدربة معتمدة في مطلع عام 2005، وما يميز عملي في هذا المجال هو استحداث برنامج خاص بي يعتمد على ربط معظم قواعد الإتيكيت العالمية بفنون التعامل في الإسلام، لأن كل ما يتم ترويجه تحت مسمّى «الإتيكيت» الغربي نابع من ديننا الإسلامي.

- هل قوبل كل ما تقدمينه بنظرة استهجان، لكونه ليس مألوفاً لدى العامة؟
نعم، عانيت الكثير في بداياتي لتصحيح المعتقد الخاطئ لدى العامة، وتغيير النظرة الى مفهوم «الإتيكيت»، الذي كان وقتذاك يعكس صورة من الرفاهية والقوانين الجمالية غير الأساسية، ويؤكد أن هذا الفن حكر على الطبقتين الارستقراطية والمثقفة، ولكن بعد مرور كل هذه السنين استطعت إثبات الصلة الوثيقة ما بين عاداتنا وتقاليدنا وديننا مع مصطلح «الإتيكيت»، ليصبح اليوم فناً أساسياً يسعى الكثيرون إلى تعلّمه، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية والفئات العمرية.


دمج الرياضة والخيال والفن مع «إتيكيت» السلوكيات الصحيحة هو منهجي

- «مركز السلوك الراقي» هو حصيلة عمل وابتكار، كيف استطعت خلق منهجية لافته لإنجاح هذا المركز؟
سبق وأن قلت لك إن البداية كانت مجرد فكرة، ولم تكن بهذه الصورة التي هي عليها اليوم، بل مررت بسلّم من التدرّجات، كانت بدايتها في عام 2003، حيث أنشأت مركزاً صيفياً يحمل اسم «نادي الفنون والإتيكيت». كنت حينذاك أعتمد على نشاط «الإتيكيت» كشيء أساسي في النادي، وأضيف إليه كل عام نشاطات جديدة مختلفة للأطفال مثل التايكواندو، الباليه، والباليه المائي، وكانت تقنيتي في تعليم الإتيكيت لفئة الأطفال تعتمد على استخدام الخيال في كل الأنشطة والأعمال الفنية، ذلك بغية استنتاج المعلومة والقاعدة السلوكية الصحيحة، وربط لغة الجسد وفن الحركة والتوازن في الرياضة مع قواعد الإتيكيت، وبفضل لله كان العام التالي نقطة تحول، فشهد النادي ازدهاراً كبيراً، ولم أستطع وقتها تدارك الأعداد، فأقفلت باب التسجيل لاكتمال العدد، وبعدها بأعوام، وتحديداً في عام 2008 أسّست مركزي الحالي الذي يحمل اسم «مركز السلوك الراقي لتعليم فن الإتيكيت»، الذي امتاز بحرفية عالية، معتمدةً في ذلك على منهجي الخاص في التدريب والتعليم، وما زلت الى اليوم أقدّم المزيد من فن «الإتيكيت» للأطفال والفتيان.

- خرجتِ من محيط مركزك وأقمتِ العديد من الدورات... حدّثينا عنها؟
بالفعل، قدمت ندوات وألقيت محاضرات في نواحي الحياة العامة، إضافة الى إقامة دورات وورش عمل تطبيقية في المدارس، وكذلك الجامعات، وتنوعت مضامين الدورات بين الإتيكيت العام، وتطبيق الكثير من قواعد الإتيكيت في الأماكن العامة، فكانت هناك زيارات ورحلات مع الطلبة الى المطاعم لتطبيق إتيكيت الطعام وآدابه، كما كانت هناك مبادرة حصرية مني كخبيرة إتيكيت، ومن مركزي بالتعاون مع الخطوط السعودية، لتنظيم رحلات لعدد من الطلبة ومساعدتهم على التطبيق العملي لآداب السفر، وإتيكيت التعامل داخل الطائرة، وكان كل شيء مميزاً وعلى مستوى عالٍ، لذا أقدّم كل الشكر للخطوط السعودية التي خصّتني بهذا التصريح، كما أشارك حالياً في الكثير من الأمسيات والندوات التي تضم المقبلات على الزواج، وأعقد دورات تثقيفية للمعلمات بعنوان «معلمتي أحتاجك قدوةً».


صدى مؤلفاتي أعطاني دفعاً قوياً للمتابعة

- توجّهك نحو عالم التأليف، كيف كانت بدايته؟
في الحقيقة، أرى أن بدايتي الحقيقية في عالم الإتيكيت تزامنت مع دخولي عالم التأليف. ففي عام 2007 كان إصدار أول كتاب لي في المملكة والخليج، عن إتيكيت الطفل، وقد حمل عنوان «أطفالنا والإتيكيت»... وقتها حقق الكتاب نجاحاً باهراً، وتمت طباعته للمرة الخامسة بمعدل عشرات الآلاف في كل نسخة، وتناوله الكثير من الإعلاميين في أحاديثهم مثل أحمد الشقيري وسلمان العودة، واللذين ناشدا وزارة التعليم في المملكة لجعله مقرراً أساسياً في مناهج التعليم في المملكة، مما أعطاني دفعاً قوياً لإخراج كل طاقاتي، وبالفعل عكفت بعدها على تأليف كتابين في آن واحد وفي فترة قصيرة، فأصدرت كتابَيّ «فتياتنا والإتيكيت» و «شبابنا والإتيكيت»، ونجاحهما شجعني أيضاً على تأليف وإصدار كتابي الأخير، والذي كان بعنوان «أزواجنا والإتيكيت».

- أعطينا نبذة سريعة عن كتبك، وما القالب الذي يميز كلاً منها؟
أحرص دوماً في مؤلفاتي على صوغ المحتوى بطريقة جذابة، وتترك تأثيراً في مشاعر الفئة التي أستهدفها. فكتاب «أطفالنا والإتيكيت» عكفتُ على إخراجه بصورة جذابة ومضمون يُشعر الطفل بالحميمية من خلال استخدام ضمير الأنا، ذلك بغية تحفيزه على تطبيق القواعد السلوكية الصحيحة، في حين اختلفت الصورة في كتاب «فتياتنا والإتيكيت» حيث انتقيت فكرة حضور حفل زفاف، فتتشوق الفتاة لمعرفة السلوكيات السليمة في تلبية الدعوة واختيار الملابس، وصولاً الى آداب المائدة، وكانت الصورة التشجيعية الحماسية هي طريقي للفت نظر الشباب في كتابي «شبابنا والإتيكيت» الذي اعتمدتُ فيه على فكرة أن الذوق والسلوكيات الراقية ليست حكراً على الجنس اللطيف، بل هي طريق للصعود الى القمة وتحقيق الطموح. أما كتابي الأخير «أزواجنا والإتيكيت» فاخترت له المفردات التي تحرّك المشاعر وتعزّز الثقة في النفس، وتحدثت فيه عن شخصيات الزوجات، وخاطبت الزوج الراقي ليفهم احتياجات زوجته، واستعرضت حلولاً وتجارب واقعية لمواجهة المشكلات الزوجية.


وفاة زوجي قبل يوم من توقيع كتابي صدمة هزّتني

- على الصعيد الشخصي وعلى مدى سنوات من العمل في هذا المجال، ماذا أضاف إليك هذا المجال؟
تجاربي في تعليم الأطفال والفتيات، مكّنتني من رؤية زوايا لم أكن قد ألممت بها من قبل، فاستطعت استحداث قواعد وطرق جديدة، وأصبحت أكثر وعياً وحكمة في انتقائي لمواضيع دوراتي، كما أن تعاملي مع الأهالي والأطفال أعطاني الصبر لنشر ثقافة كان الكثير منهم لا يعيرها أي اهتمام، وبالتالي تعلمت ضرورة أن يكون العطاء مشتركاً لتعمّ الفائدة على الجميع، وأن لا بد من التغاضي عن بعض الأمور من أجل المصلحة العامة... لقد اكتسبت الكثير من خلال عملي في مجال «الإتيكيت».

- ما أصعب مرحلة في مشوارك؟
السنوات التي مرض خلالها زوجي، وبالتالي وفاته، كانت من أصعب المراحل التي عشتها، فقد هزّتني من الداخل، حتى أنني احتجت الى المزيد من الوقت والجهد لأعود الى سابق عهدي، فغياب زوجي أفقدني توازني، ووفاته قبل توقيع كتابي «أزواجنا والإتيكيت» بيوم واحد فقط أثّرت فيّ كثيراً، خصوصاً أن الكتاب مهدى إليه.

- في بدايتك لم تكن التقنيات الحديثة ووسائل التواصل منتشرة كما اليوم، هل واكبت التطور التكنولوجي لدعم عملك في مجال الإتيكيت؟
مما لا شك فيه أن التطور مطلب أساسي، وأقوم حالياً من خلال صفحتي على «فايسبوك»، وحسابي الخاص على «سناب شات» بتقديم نصائح عامة تتعلق بفن الإتيكيت.


قطاعات بحاجة الى دورات مكثفة في الإتيكيت وفن التعامل

- لو مُنحتِ العصا السحرية، وتمكنت من تغيير أسلوب تعامل الموظفين في قطاعات المجتمع المختلفة، فمن تختارين؟
في الحقيقة، هناك الكثير من القطاعات التي هي في حاجة ماسّة للخضوع لدورات مكثفة في فن التعامل والإتيكيت، وتحديداً المدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية، حيث إن أغلب الموظفين في هذه القطاعات يفتقرون الى أساسيات الذوق والالتزام بالمواعيد، ويعاملون الآخرين باستهتار ولا مبالاة.

- هل سيتوقف طموحك عند هذا الحد؟ وما هي خططك المستقبلية؟
لا حدود لطموحي، وعطائي مستمر ما دام في العمر بقاء، ولذلك أنوي افتتاح مركز استشارات خاص بفن التعامل مع الأطفال. وعلى صعيد التأليف سيكون كتابي المقبل مختلفاً عمّا قدمته من قبل.

- ما تأثير الكلمة الطيبة في علاقاتنا، سواء في محيط الأسرة أو حتى خارج المجتمع؟
ليس هنالك ما هو أجمل من الحب الذي نتعامل به في حياتنا، ولا أسمى من الكلمات الراقية التي نتفوّه بها، فهي كالسحر تستميل القلوب وتأسرها، فيا حبذا لو استبدلنا كلمة «أنت» بكلمة «حضرتك» أو «من فضلك» أو «لو سمحت»، فيجب ألا نُحرَج حتى في البوح الصريح بكلمة الاعتذار، سواء للزوج أو الزوجة أو حتى الأبناء، لنكون لهم قدوةً. وفي النهاية، فإن اللباقة والسلوك الراقي لا نكتسبهما من قراءة الكتب ولا من حضور الدورات التدريبية، لأنهما أسلوب حياة وتطبيق عملي وممارسة.


«إتيكيت السوشال ميديا»

- ما أكثر المواضيع التي ناقشتها مع متابعيك حول «إتيكيت السوشال ميديا»؟
كما لكل شيء في الحياة «إتيكيت»، فإن للتعامل مع «السوشال ميديا» فناً وذوقاً يجب الالتزام بهما، فتطرقت إلى الحديث عن «إتكيت الواتس أب»، ولفتتُّ النظر الى عدد من النقاط، التي كان أهمها خطأ استخدام هذه التقنية في مجالات العمل الرسمية، وضرورة عدم التطفل على الآخرين ومعاتبتهم في حال عدم الرد الشخصي، حتى وإن ظهرت شارة «مقروء»، فهذا يُعد أمراً خاصاً بالشخص نفسه، كما أن من غير اللائق إرسال رسائل التهنئة والمعايدة الى أشخاص يكبروننا سناً، أو تربطنا بهم علاقة قوية، فالتهنئة الشفوية تكون أكثر حميميةً وتقديراً.

- هل يشكل عدد متابعيك على السوشال ميديا هوساً لك؟
أنا لا أسعى الى الشهرة من خلال قنوات السوشال ميديا، فشهرتي واسمي معروفان لدى الكثيرين، كما لا أبذل جهداً لزيادة عدد المتابعين، فبمقدار ما تهمني الفئة التي أقدّم لها نصائحي، أسعى من خلال حواري معهم لكي يطوّروا أنفسهم وسلوكياتهم.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078