الأردنية أسماء الحاج: «بيروت قلَدتني لقب الشاعرة»
الشاعرة الأردنية أسماء الحاج، كاتبة هادئة الحضور وتكتب القصيدة التي تعكس تفاصيل الحياة الصغيرة والكبيرة، ووصلت بها القصيدة الى كتابة واستشعار ما تعيشه وتحسه، الأشياء والكائنات والعناصر الطبيعية، وكتابها «أشد وجعاً من الماء» عكس هذا الشعور الكبير وهذه الأحاسيس الجياشة بما يفيض من وعي الشاعرة في استحضار مباهج الحياة وآلامها معاً.
الى جانب قصيدتها المفعمة بالحب والأمل، تحاول الشاعرة الكتابة الدائمة، فالكتابة بالنسبة إليها هي عمل يوازي نبض الحياة التي تعيشها، وفي حديثي معها تقترب أكثر من حقيقة الجوهر الذي تعيشه وتكتبه وتمارسه، فماذا تقول؟
- أين أنت اليوم، ماذا تعملين؟
أنا الآن في اسطنبول، أعمل مذيعة في القناة التركية الناطقة بالعربية TRT في القناة التركية (العربية)، والتابعة لشبكة الراديو والتلفزيون التركي الرسمية، أعيش محطة فريدة من محطات حياتي المتنقلة، كأنني في كل مرة، أنتقي تلقائياً المكان الذي أشعر بأنه يشبهني (عشت في مدينة العين في الإمارات أرض طفولتي، ثم رام الله ، ثم عمّان، ثم بيروت وأخيراً اسطنبول)، هذه المدينة الساحرة، تجمع خليطاً متنوعاً تستوعبه وتطيل عمر حياتها به بألق، مدينة التاريخ والحاضر والمستقبل في آن... تشبهني في الأصالة والجمال والغموض وربما التعب...
- أما زال الشعر حارسك ومرافقك ومواكبك، الى أين أخذتك القصيدة؟
الشعر هو الصديق الذي لا يخذلني والحبيب الذي لن يخونني أبداً، هو المراح، ورفيق أيامي العجاف والملاح، هو منديل الدمعة التي أحاول ألا يراها أحد، هو من حملني الى بيروت (محطتي السابقة)، وجعلني حبيبتها حين قلدتني لقب الشاعرة الأحب إلى نفسي، وأبقاني وما زال على قيد الذاكرة، فكان لزاماً أن يظل رهين تجوالي، وأنيس اللحظة الباردة، وعيني التي أجسد وأترجم من خلالها ما أرى، وارتعاش الفكرة وانتعاشها حين ينعقد اللسان ويعجز عن البوح، ولوحتي التي أسكب خربشاتي فيها وألوان الروح... لم تبتعد بي القصيدة كثيراً، فقط حملتني فوق الغمام وأخذتني حيث أرض التاريخ والأحلام، وما زلت أنتظر الحقيقة.
- ما الأفكار والأحلام والأوهام التي تدعوك الى الكتابة اليوم؟
الأفكار مع الوقت تتطور وتنضج، هي ثمار الرأس الذي يخزن في حقوله بذار التجارب، ولأنني كنت أميل سابقاً الى التأمل وتأويل كل ما يحصل معي على أنه إشارة يجب أن أحل لغزها وأفهمها ثم أتبعها، وصلت الى أمور كثيرة كنت أريدها، لا أودّ وضع الأفكار في قوالب، لكن الإطار الثابت لها هي النفع والخير تحديداً لأولئك المظلومين، فكرتي الأسمى كيف نخفف من حجم الظلم المحدق بِنا، كيف أكون سبباً في مسح أحزان المظلومين أياً وأينما كانوا، والوهم هو السر اللذيذ واللاذع وراء بقائنا، نحتاج الى الوهم أحياناً كي نستمر.
- كتبت أسماء عن الحب كثيراً، أين أنت من الحب اليوم، وكيف تتواصل قصيدتك مع الحب؟
الحب كلمة شاسعة مترامية الأشكال والصفات، نعم كتبت عن الحب الذي كنت أتخيّله أو أتمناه، عن الحب الذي وجدته أو ظننت أنني وجدته، كتبت عن لوعة الحب الذي أدركت أن حدوده تتجاوز بكثير حب امرأة لرجل كما تحصره غالبية النساء، مع كثرة أوجاعه تكشفت عن قلبي أقنعة، ومع كل نزف كان يتطهر فيزداد نصاعة وبصيرة واتساعاً وسمواً، فأشعر أنني في مركزه أراه في عيون الصالحين والطيبين والمحبين وحتى المظلومين لأن لهم في الدنيا دعاء لا يرد، فأرى نفسي جيداً فترضى عني القصيدة.
- أما زال الحب سيدك؟
نعم، سيدي وسيبقى، من أول الأمور التي فعلتها حين حملتني أقداري إلى تركيا أن زرت قونيا وذهبت الى ضريح مولانا جلال الدين الرومي الذي تأثرت بتعاليمه حد التماهي، أستحضر أسمى معاني الحب الذي رفع قدري، وغسل روحي، فلم أعد أكترث بشتيمة أو قبح أو خيانة أو صفعة ممن توهمت أنهم محبون، نعم أعيش ألم ذلك بالقدر الذي يكفل لي بعدها الخروج من دائرته، في قلبي الصوفي لا مفردة للكراهية وكلما أوشك على الحنق، هذبته بأن ذكرت نعمة الحبيب في السماء على هذه الأنا، أتفكر في كلام الله الذي قال: (وألقيت عليك محبة مني)، فأهيم نادمة على الوقت المهدور في البحث عن حب مزيف في بشر لا يدركون من الحب غير قشوره، كأن في قلبي درويش يدور ويدور، فتملك قبضتي الدنيا.
- كيف تصمدين في غربتك الجديدة، أو أنت مرتاحة لا قلق يشوبك في الغياب؟
مع نضوج الأفكار كما أسلفت، لم تعد مفردة (الغربة) قائمة في معناها المعتاد، من الإسفاف أن أصف المكان الذي احتضنني بأنه غربة، الغربة ليست بالبعد عن الأوطان التي تجاوزت لدي حدود الجغرافيا، فالوطن هو أي شخص أو مكان يحبك ويشعرك بالأمان، الانتماء هو الذي يتبع الجغرافيا وانتمائي الى فلسطين مثلاً هو انتماء للحق والقضية في أي بقاع الأرض كنت، وانتمائي الى الأردن هو ولاء وامتنان، ناهيك عن بقية القضايا التي تمس وجداننا وإنسانيتنا، أما الغربة فهي ليست إلا غربة النفس، الحمد لله لا وجود للقلق في حياتي، فالإنسان المؤمن يسير واثقاً مطمئناً.
- ما زالت بيروت حاضرة في هواجسك، وإقامتك فيها سابقاً كانت لافتة، ماذا تقولين لبيروت التي غادرتها؟
أقول: لاسطنبول على شفتي ابتسامة ولبيروت في عيني دمعة، وما بين ابتسامتي ودمعتي شوق طويل البال.
بيروت التي وسعت لي ذراع الرجاء وبلسمت الجراح وكانت بحجم الأمل، لم تخذلني لا هي ولا أهلها، لا أذكر سوءاً منهم أبداً، كانوا أهلي وسندي، حياتي معهم كانت مليئة بالتفاصيل والإنجازات، بيروت التي قالت لي: هاك ترابي أيتها اللينة الطرية اكبري فيه بسلام، فكبرت فيها وصنعت فيها اسمي كشاعرة وإعلامية، فكيف أشفى من حب بيروت وأهلها؟
- أين أنت اليوم، في أي مكان من الروح، هل أنت في الغربة أو في وطنك المتنقل؟
أنا في روح أمي والروح في قلبي، أنا في وطني، في قلوب الناس الطيبة، كنت أظن أني غريبة حتى أيقنت أني أسكن أجمل الأوطان.
- هل تعطيك الكتابة الآمان والطمأنينة أو تضاعف قلقك؟
مضى وقت طويل على إصدار مجموعتي الشعرية الثانية «إيقاع الكعب العالي»، ومن قبلها «أشد وجعاً من الماء»، لم أصدر شيئاً بعدها لأسباب كثيرة، منها الحزن على رحيل والدتي، لكن المخزون الذي ينتظر أن يرى النور غزير جداً ينتظر مني التنقيح والتجميع والعمل، سترون إصداراً ربما أجمل من سابقاته، الكتابة هي من يبقيني وسيبقيني على قيد الحياة ، أثر الفراشة لا يزول، وأنا أطير كفراشة.
- عملك في الإعلام المرئي مطولاَ، هل ساعد قصيدتك أو العكس، وكيف؟
عملي في الإعلام أخذ وقتي كثيراً، بالقدر الذي يجب أن تكون فيه غامضاً حالماً متوارياً في شعرك، بالقدر الذي يجب أن تكون واضحاً حازماً واقعياً في عملك كإعلامي، والجمع بين الأمرين مرهق، لكنه ثري فتوسعت مداركي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024