تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

هواية، تسلية، مساعدة فاحتراف! سيّدات يعملنَ من بيوتهنَّ...

راميا قعيق

راميا قعيق

سعاد عون أبو حبيب

سعاد عون أبو حبيب

سعاد عون أبو حبيب

سعاد عون أبو حبيب

كارمن نجّار جبّور

كارمن نجّار جبّور

كارمن نجّار جبّور

كارمن نجّار جبّور

رنا شحادة عبد المسيح

رنا شحادة عبد المسيح

رنا شحادة عبد المسيح

رنا شحادة عبد المسيح

رنا شحادة عبد المسيح

رنا شحادة عبد المسيح

في أيّامنا هذه، أصبح التكاتف الاقتصادي ما بين الشّريكين ضرورة للمحافظة على نمط الحياة المطلوب ولتلبية مختلف الحاجات والمتطلّبات التي تفرضها الحياة. كما أنّه من جهة أخرى، تحتاج المرأة إلى إثبات جدارتها وتعزيز ثقتها في نفسها وبناء مستقبلها، من خلال العمل في شتّى المجالات والاختصاصات. لكن، ماذا لو أسّست المرأة عملاً خاصاً بها في منزلها؟


من داخل «مملكتها» المتواضعة، تعقد المرأة العزم على إنشاء «مشروعها الخاص»، لتتمكّن من ادّخار بعض المال أو المساعدة في النفقات، أو حتى لمجرّد إثبات قدرتها على الإنتاج. فلدى كلّ إنسان موهبة مخبّأة أو شغف بأمر معيّن أو نظرة خاصة إزاء عمل ما، يميّزه عن الآخرين. وفي الكثير من الأحيان، تتحوّل الهواية أو التسلية إلى مصدر رزق ومهنة محترفة يمكن العمل على تسويق فكرتها والتوّسع بها... وكلّ ذلك انطلاقاً من فكرة راودت المرأة من بيتها، لمجرّد أنها في عيون الناس «ربّة منزل» وليست عاملة أو موظّفة!
كثيرة هي الأعمال التي يمكن القيام بها في المنزل، أو في وقت الفراغ، أو حتى بعد الدوام في حال كانت المرأة موظّفة، منها تصميم المجوهرات والحلي أو الخياطة والتطريز أو تصميم الحقائب، أو الرسم أو النحت أو كتابة القصص أو العناية بالأولاد أو الدروس الخصوصية وسواها من «المهن» التي لا تستأثر بكامل الوقت.
إنّ القدرة على تأسيس عمل والانطلاق من الصّفر لامتهان حرفة أو هواية لا تستأثر بكامل الوقت ولا تؤثّر سلباً في الحياة العائليّة، وتدرّ في المقابل ربحاً مادياً وتعطي دفعاً معنوياً، أمر في غاية الأهميّة، ويضيف الكثير إلى المرأة التي تتبدّل أوّلاً نظرتها إلى الحياة ومن ثم تقييمها لذاتها.
الاختصاصيّة في علم الاجتماع راميا قعيق تكشف عن الخيارات التي قد تلجأ إليها السيدات، في مختلف المجالات، انطلاقاً من بدايات متواضعة من المنزل، منوّهةً بالأسباب التي تدفع كلّ شخص إلى مزاولة عمل معيّن. كما تُدلي نساء «عاملات» من بيوتهنَّ بشهادات عن خبراتهنَّ في هذا المجال والظّروف التي رافقت انطلاقة عملهنَّ.

دوافع مختلفة
كثيراً ما تجد المرأة نفسها بحاجةٍ للبدء بمشروع صغير خاص بها، رغبةً منها في تحقيق هدف محدّد يضمن لها ولعائلتها الحياة الكريمة.
تقول قعيق: «تختلف الأسباب والدوافع الكامنة وراء سعي المرأة لملء وقت فراغها والعمل من داخل بيتها، من دون التقيّد بوظيفة في شركة، أو العمل ضمن دوام محدّد وشروط معيّنة. فنجدها تتّجه نحو بلورة فكرة ما، والسّعي لتطويرها في ما بعد». وتضيف: «قد يكون السّبب الرّغبة في استغلال المهارات وتنمية الهوايات، أو مجرد تمضية الوقت وعدم الشّعور بالممل والرّوتين، أو الاستفادة من الفرص المواتية لإثبات الذات. ولكن غالباً ما يكون الدافع الأساسيّ مادياً، بحيث ترى المرأة أنّ من «واجبها» مساعدة زوجها في المصاريف للمحافظة على الاستقرار الاقتصاديّ في ظلّ غلاء المعيشة، أو لزيادة المدخول الأسريّ وتحسين مستوى المعيشة. كما يمكن أن تجتمع الرغبة والحاجة معاً للتفكير الجدّي بمشروع عمل من داخل المنزل». من جهة أخرى، ترى قعيق أنّه «قد تُجبر المرأة بشكل خاص على التوفيق ما بين عملها ومسؤولية منزلها وأولادها، ما يُضطرّها أحياناً إلى التخلّي عن وظيفتها ذات الدوام الطويل، لتلازم المنزل! لكن مَن قال إنّ هذا هو نهاية المطاف؟ هو ليس إلا نقطة البداية. فعندها، لا بدّ من التفكير بالحلول العمليّة البديلة، التي تمكّنها من المحافظة على استقلاليّتها الماديّة من جهة، مع إتمام مختلف «واجباتها» المنزليّة والعائليّة، من دون عائق، فتلجأ عندها إلى تأسيس عمل خاص بها، يبدأ متواضعاً وصغيراً، ليبلغ ربّما في مراحل لاحقة ذروة الإنتاجيّة والتطوّر».

خيارات متنوّعة
عند الحديث عن التخصّص الجامعي أو المهنة المستقبليّة، من البدهي أنّ يتمّ اختيار مهنة تنبع من شغف وتتطوّر احترافاً، إضافةً إلى كونها تتماشى مع الأوضاع العلمية والمالية والاجتماعية لأنها سوف تلازم المرء طوال حياته. إذ نلحظ عدداً لا يُستهان به من الناس يزاولون مهنة مغايرة لاختصاصهم، أو يعملون في إطار مختلف تماماً، وذلك رغبةً منهم في تحقيق حلم سابق. أمّا لدى الحديث عن تأسيس مشروع منزليّ، فتؤكّد قعيق أنّه «بغضّ النظر عن العمر والخبرة والمستوى العلمي والحالة الاجتماعية والوضع الاقتصادي، في إمكان أيّ شخص أن يخوض تجربة امتلاك «مشروع منزليّ» خاص به لتحقيق دخل إضافي، أو بهدف الإنتاج وإثبات الذات. فالنساء اللواتي يضطررن إلى دخول معترك العمل في مرحلة متقدّمة من حياتهنّ، كثيرات، سواء كنّ أرامل أو معوقات أو مطلّقات أو يعانين ظروفاً معيشية صعبة، أو يرغبن في تحويل أوقات الفراغ المملّة إلى طاقة إيجابيّة». وهنا تجدر الإشارة إلى توافر عدد كبير من الخيارات «المنطقيّة»، التي  ترضي شريحة واسعة من السيدات العاملات، أو ربّات البيوت، أو طالبات الجامعات، وسواهنّ... في أوقات فراغهنّ.
وتضيف قعيق: «مجالات العمل واسعة جداً، وتلبّي مختلف الكفاءات والإمكانيات والطاقات، وتتماشى مع شتى المجتمعات وتناسب عدداً كبيراً من السيدات. فأيّ هواية أو شغف قد يتحوّل مهنةً: من التطريز والعمل اليدوي، مروراً بتصميم الأكسسوارات وابتكار أفكار حديثة للهدايا والمناسبات Event Planning، وصولاً إلى تعهّدات الطعام والحلويات Catering ، أو التعليم الخصوصي Tutoring ، أو حضانة الأطفال Babysitting، أو الرسم على الأقمشة والزجاج. كما يمكن التفكير بمشاريع ترفيهية أو بخدمات تجميلية للنساء، أو ببيع الألبسة أو حتى الأدوات المطبخيّة والمنزليّة، بالإضافة إلى العمل على الإنترنت Online في مختلف المجالات... ومن الهواية تولد فرص العمل من الصفر وتكبر وتتوسّع وقد تصبح ربّما «مؤسّسة» أو عملاً خاصاً أو مصلحة متداولة في العائلة!».

إيجابيّات ملموسة
صحيح أنّ تأسيس عمل خاص أمر يتطلّب الجهد والمثابرة والاحتراف، لكنه في الوقت نفسه ذو مردود كبير، من ناحية الاستقرار النفسي والنتيجة المادية وإمكانية التحكّم بالزمان والمكان. إذ اصبح في إمكان كل امرأة متعلّمة، مثقفة، أو حتى موهوبة في مجال معيّن، أن تبدأ بخطوات بسيطة، بهواية قد تنقلب مهنة!
وتوضح قعيق: «بما أنّ المرأة شريكة الرجل في كلّ شيء، فلا شيء يحول دون أن تكون ربّة عمل أيضاً. من هذا المنطلق، تبرز أهمية الوعي بفكرة العمل من المنزل، لما له من أهمية قصوى، نفسية، اجتماعية وحتى مادية: من حيث الشق النفسي والمعنوي، تشعر المرأة بالانتاجية والاكتفاء الذاتي والثقة في النفس والمساواة، وينمو عندها الإحساس بالمسؤولية والوقت والالتزام والمثابرة. أمّا اجتماعياً، فتتبلور صورتها بين الناس، خاصةً عندما تنشط في مجال عملها وتبرع في ما تحبّ لتصبح قُدوة لسواها. كما أنّ علاقاتها العملية تدخل أيضاً في سياق الاجتماعيات، لأنّ العمل الفرديّ يتطلّب علاقات عامة للنجاح، خاصة في البداية. ويبقى المنحى الأخير، ألا وهو العامل الاقتصادي الذي له تأثير إيجابيّ في نوعيّة الحياة، إذ تساهم المرأة في المدخول وتساعد شريكها في التغلب على الأزمات المعيشية».
فمن خلال العمل من المنزل، تتمكّن المرأة من إدارة عملها الخاص من دون الحاجة إلى شهادات ووساطات للتقّدم فيه، بل إنّ خبرتها ومهارتها وحبّها لعملها وإتقانها له هي أبرز مقوّمات نجاحها. كما أنها سوف تستطيع الاهتمام أكثر بأسرتها وتوفير الوقت وعدم التقيّد بمواعيد رسميّة أو أخذ التعليمات من مدير.

نجاحات أكيدة!
المرأة بطبعها كائن متعدّد المهمات والأدوار: فهي سيّدة وزوجة وأمّ وربّة منزل وموظّفة وطاهية ومدرّسة وسائق وممرّضة... في شخص واحد! وهذه المزايا تجعل منها فرداً فاعلاً في المجتمع. لكن من الضروري أن تشعر بالدعم والإشادة من المقرّبين لتنطلق بكلّ ما أُوتيت من قوة في مشروع خاص بها، تحقّق من خلاله ما تصبو إليه، من دون أن يتضارب ذلك مع مصالحها أو حياتها العائلية أو واجباتها.
تشير قعيق إلى «أنّ المهارات الحياتية المختلفة التي تتمتّع بها كلّ امرأة تجعل منها مشروع «سيّدة أعمال» بامتياز، بمعنى أنها تستطيع التوفيق بين مختلف الأمور القيادية والإدارية والتنفيذية والتخطيطية. وهذه أركان كلّ عمل ناجح. لكن من المهمّ أن تضع نصب عينيها هدفاً تسعى الى تحقيقه. إذ إنّ الهواية والتسلية والشغف والموهبة أمر، والمهنة والاحتراف أمر آخر، إذ تتداخل عندها عوامل أخرى مثل الالتزام والتعامل مع الآخر والعلاقات العامة والمجهود النفسي والتقيّد بالمهل والاستثمار المادّي في المشروع».

شهادات حيّة
سعاد عون أبو حبيب ربّة منزل تمتاز بطبخها الشهي وقدرتها على صنع الحلويات والمربّيات والمونة على أنواعها. وقد بدأت عملها المنزليّ من باب الصّدفة، بحيث كانت مشهورة بوصفاتها الفريدة، وكانت بدايةً توزّع بعض أنواع حلوى العيد على جيرانها أو تساعدهم في الطّبخ لمناسباتهم... ومع الوقت، بدأ الناس يطلبون منها إعداد نوع معين من الطعام أو الحلوى أو المونة. وهكذا انطلقت من مطبخها في المنزل، وأصبحت الآن مقصد غالبيّة أهل ضيعتها والجوار، خاصّة في فترات الأعياد حيث «يوصّونها» على سائر أنواع المونة والشراب والحلويات. وتؤكّد سعاد أنها عبر السنوات كسبت زبائن من الطبقتين الراقية والوسطى، لأنّ أسعارها مدروسة وتناسب الجميع، كما أنّ خدماتها تشمل أيضاً إعداد طبق يوميّ وتلبية «طلبيات» الحفلات والمناسبات. وقد استقدمت لهذه الغاية، وخاصة في «المواسم»، سيّدات يساعدنها في تحضير «الطلبيات». وتقول إنّ هذا العمل هو بالطبع مصدر دخل إضافيّ لأسرتها، لكونه بات مهنة تمارسها.
كارمن نجّار جبّور أمّ لطفلين، اضطرّت إلى ترك وظيفتها الثابتة بعد مضي أشهر على زواجها وأسّست مع زوجها مشروعاً تجارياً خاصاً بهما. لكن بما أنها تهوى تنظيم الحفلات وصناعة قوالب الحلوى وتزيين الطاولات، فما كان منها إلا أن طوّرت هوايتها هذه وأظهرت مهاراتها عبر امتهان تنظيم الحفلات Event Planning وبخاصة تلك الخاصة بالأطفال، بالإضافة إلى الصناعات اليدوية، من حلوى إلى تذكارات وسواها. وترى كارمن أنّ عملها الحرّ يوفّر لها الاكتفاء الذاتي ويمكّنها من القيام بواجباتها العائليّة.
رنا شحاده عبد المسيح أمّ لطفلين وهي لا تحبّ بتاتاً التقيّد بدوام عمل، رغم حيازتها شهادةً في التجميل. لذا فضّلت أن تظلّ حرّة، عبر أخذ مواعيد تناسب جدول أعمالها ولا تؤثّر في حياتها اليوميّة. وقد اكتشفت أنها تحبّ ابتكار هدايا مميّزة وتذكارات خاصة بالمناسبات، فبدأت بمشروع تزيين الشوكولا للأعراس والحفلات، بالإضافة إلى عملها في مجال التجميل. تقول إنها تجمع الهواية بالمهنة، فهي تعشق كلّ ما له علاقة بالجمال والفنّ، لكنها لا تحبّ الدوام المقيِّد والطويل، كما أنها لا تحبّ شراء «الكليشيه» من السوق، بل تسعى إلى التميّز والفرادة. ولا تنكر طبعاً الإفادة الماديّة من عملها الخاص.

عثرات وسلبيّات
مهما كان نوع الوظيفة، لا بدّ من مواجهة بعض العثرات في طريق النجاح، لكن لا شيء يصعب التعامل أو التأقلم معه أو حتى محاولة تخطّيه. وتلفت قعيق إلى أنّ «أبرز عيوب العمل من المنزل هو عدم مشاركة «الزملاء» والشعور بالعزلة والوحدة أحياناً. كما قد يتسبّب ذلك في اختلاط العمل بالأمور المنزليّة، في محاولة للتوفيق ما بين الواجبات والمواعيد والمتطلبات والزيارات... ناهيك عن تشتّت الذهن وعدم القدرة على التركيز في العمل. لذا، لا بدّ من تحديد مكان مخصّص، كناية عن غرفة أو مساحة معيّنة في البيت، مفصولة ومُعدّة للعمل. ويبقى العائق الأهمّ هو عدم وجود معاش ثابت أو ضمان اجتماعيّ بسبب العمل المستقلّ. وما على المرء سوى الادّخار».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079