أخيراً... المرأة السعودية خلف مقود السيارة القرار السامي وصداه في المجتمع السعودي
لطالما كان حق المرأة السعودية في قيادة السيارة موضوعاً شائكاً ومتشابكاً، يتراوح بين معارض ومؤيد، تحليل وتحريم، وتقاليد تراه عيباً. ولطالما باءت محاولات غالبية الناشطات السعوديات المطالبات بهذا الحق بالفشل، وسط زخم من السخط والتعليقات السلبية، التي كانت كفيلة بتكسير جناحَي كل امرأة تحاول الانطلاق في حياتها بحريّة... كل هذا أصبح ماضياً في ظل القرار السامي الذي صدر في 26 أيلول/سبتمبر الفائت، والذي ينص على السماح للنساء بالحصول على رخص قيادة، بدءاً من تاريخ 10/10/1439هـ، وستتم دراسة الترتيبات اللازمة من جانب لجان مشكّلة على مستوى عالٍ في كل من وزارات الداخلية والمالية والعمل والتنمية الاجتماعية. وعلى الرغم من توقعات الكثيرين بحتمية هذا القرار، غطّت أجواء مواقع التواصل الاجتماعي زوبعة من التعليقات ما بين مؤيد وسعيد أو متهكم وساخر، فلا يزال هناك معارضون ومتخوفون من تبعات هذا القرار، ولكن الأهم هو عبارات الشكر والامتنان المهولة التي تصدّرت «هاشتاغ» #الملك_ ينتصر _لقيادة _المرأة... يوم وصفه الجميع بأنه تاريخي، وننقله إليكم بكل شفافية في هذا التحقيق.
قرار مفصلي في تاريخ المرأة السعودية
«قرار تاريخي مدروس يواكب المرحلة الحالية»، ذلك ما استهلّت به عضو مجلس الشورى السيدة نورة الشعبان حديثها، مؤكدةً أن هذا القرار يُعد مفصلياً في تاريخ المرأة السعودية، والتي بلا شك فرحت بقرار ملك الحزم الذي أنصف المرأة وإعطاها حقّها وفق الضوابط الشرعية التي يقرّها ديننا الإسلامي، وبما يتلاءم مع الحاجة الماسّة لفئة كبيرة من السيدات الأرامل والمطلّقات وذوات الدخل المحدود، مضيفةً أن هذا القرار طبيعي ومتوقع ولم يشكّل صدوره أدنى مفاجأة، ومعبّرةً عن امتنانها لخادم الحرمين الشريفين الذي حرص على تلبية احتياجات المرأة السعودية وتمكينها. أما بالنسبة إلى من عارض هذا القرار، فتقول الشعبان إن هذا القرار ليس إلزامياً، بل هو اختياري لمن يرغب، وأن دوافعه تعود الى متطلبات المرحلة الحالية وتطوراتها، وهو لن يزيد المجتمع إلا نضجاً ومسؤولية.
وضع قوانين للتحرّش حاجة ملحّة يجب أن تسبق تنفيذ القرار
وبتأثر شديد بهذا القرار، شاركت المحامية والناشطة الحقوقية سعاد الشمري متابعيها على قنوات التواصل الاجتماعي، فأبدت سعادتها وصرّحت بأنه وإن كان القرار متوقعاً، إلا أن الفرح غمر قلوب النساء السعوديات، لحصولهن على حق من حقوقهن، والذي يُعرف عالمياً بـ«حق التنقل»، وهو ينص على أنه يحق لأي شخص مهما كان جنسه أن يتنقل بالوسيلة المريحة والتي تناسبه، فالمسألة أعمق من مجرد قيادة سيارة وحسب، فهذا الحق الذي حُرمت منه المرأة السعودية كان يزيد من معاناة الكثير من المطلّقات والأرامل واليتيمات والمهجورات من ذوات الطبقتين المتوسطة والكادحة، والتي هي غالبة في المجتمع المحلي. فالمرأة نصف المجتمع، ومن حقّها الحصول على رخصة قيادة لتلبية حاجاتها الضرورية والطارئة وحماية أبنائها من أخطار كبيرة، أهمها التحرّش. وكما ذُكر سابقاً، فالقرار اختياري وليس إجبارياً، ويكفي أن تشعر المرأة بالأمان والراحة وهي تركب سيارة تقودها امرأة مثلها، وليس سائقاً غريباً. وترى الشمري أن هناك ضرورة مُلحّة لوضع قوانين صارمة للتحرّش قبل تنفيذ القرار، وذلك أسوةً بدول الخليج التي تُماثل المجتمع السعودي بتقاليده وعاداته، وتطبيق تجاربها الناجحة في هذا المضمار محلياً.
وعمّا تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي حول الضوابط والشروط، والتي كان بعضها يحدّد ساعات معينة لقيادة المرأة في الشوارع، تؤكد الشمري أن كل ما تم تداوله هو مجرد تكهنات ولا يمتّ الى الواقع بصلة، وأنه يتم حالياً استحداث بنية تحتية لجاهزية المرور من خلال توظيف نساء، وتهيئة أقسام التدريب واستخراج الرخص، مما سيفتح أبواباً كثيرة لعمل السيدات.
تركيز الإعلام الغربي على عدم قيادة المرأة في المملكة هو أشبه بنقطة ضعف
وتعقيباً على رأي الشمري، تُحيّي الكاتبة مها محمد الشريف قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله، شاكرةً دعمه للمرأة السعودية لنيل حقها، وإتاحة الفرصة لها للحصول على رخصة قيادة، لتمكينها من التغلّب على العقبات التي كانت تُقلّص حظوظها في العمل لعدم توافر المواصلات الآمنة، وارتفاع أجور السائقين الوافدين، الذين يشكّلون عبئاً على اقتصاد الأسرة. وتنوّه الشريف بأن مسألة عدم قيادة المرأة في المملكة كانت نقطة ضعف بالنسبة إلى المرأة السعودية، والتي لطالما ركّز عليها الإعلام الغربي، من دون النظر الى الإنجازات التي حققتها، والمناصب المهمة التي شغلتها في الدولة.
الأسماء اللامعة هي الردّ الشافي على السخرية
وفي تأييد معمّم لكون هذا القرار تاريخياً، تشير الكاتبة والمستشارة الاجتماعية هيفاء صفوق إلى أنه ليس غريباً على القيادة في المملكة تهيئة سبل النجاح للمرأة ومساعدتها على التطور والتقدم. كما أن المرأة السعودية أثبتت على مدى سنوات جدّيتها والتزامها في مجالات التعليم والعمل، لتكون خير سفير لبلادها وتعكس مبادئها وقيمها. لذا، وردّاً على كل من شكّك بكفاءة المرأة السعودية، وسخر منها من خلال صور ونكات تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، متهماً إياها بالسطحية، تكشف صفوق حقيقة المرأة السعودية مؤكدةً أنها الموظفة والطبيبة والباحثه والعالمة، إضافة الى كونها الأم والأخت والزوجة التي تقوم بمهمات يعجز عنها كثر... فهي عقل يفكر ويحلل، وقلب ينبض بالحب. وعلى ذلك أدلة كثيرة من النساء السعوديات اللواتي لمعت أسماؤهن وقطعت الطريق على كل من يحاول السخرية من المرأة السعودية والانتقاص من قيمتها. ومن هذا المنطلق، ترى صفوق أن من الضروري نشر الوعي واحترام قدرة الإنسان للنهوض بالمجتمع، الذي لا بد من أن يُبنى على قاعدة قوية من الثقة بأبنائه وبناته على حد سواء.
المعارضون هم أول المستفيدين من قيادة المرأة
وتؤكد الكاتبة والناشطة الاجتماعية مها الوابل، أن هذا العهد هو عهد الإصلاح وتمكين المرأة. وبعد شكرها العميق لخادم الحرمين الشريفين، تشير إلى أن القرار صدر بشكل حكيم، خصوصاً في ما يتعلق بتنفيذه بعد مدة تستغرق حوالي عشرة أشهر، تكون كفيلة بتهيئة المجتمع واتخاذ التدابير اللازمة قبل تطبيقه. وترى الوابل أن هذا القرار سيتيح للسيدات العمل في مجال قيادة سيارات النقل الخاص في شركات معروفة مثل «كريم» و«أُبر». ووفقاً لمزاعم الكثيرين وخوفهم ومعارضتهم للقرار، أو حتى مجرد اشتراطهم بأن تكون المرأة في سنّ معينة لتفادي إما الحوادث أو أزمة المرور أو التحرّش، تُذكّر الوابل بأن المجتمع السعودي مجتمع واعٍ وناضج، وبلا شك إذا وجد الأهل في ابنتهم طيشاً أو عدم أهلية للقيادة، فلن يتم تسليمها رخصة أو سيارة، فالمسألة بشكل عام لا تقتصر على سنّ محدّدة أو جنس معين، طالما أن اختبارات الحصول على رخصة قيادة وشروطها تضمن وجود سائق أو سائقة ملتزمة بالقوانين المرورية. وترى الوابل أن المعارضين دائماً ما يبرزون عند صدور أي قرار، وتلفت الى أن ابتعاث المرأة للتعليم وصولاً الى حملها هاتفاً مزوداً بكاميرا كانا من الأمور التي عارضها أناس هم أول من استفاد منها وأتاحها لعائلته، ولذلك لا بد من النظر إلى نصف الكوب الملآن بإيجابية ووعي في ما يتعلق بهذا القرار.
مخاوف من ازدياد مسؤوليات المرأة
ووسط مخاوف بعض الرجال من هذا القرار، وتلخيص هذه المخاوف بجملة من الأعذار المتعلقة بزيادة نسبة التحرّش أو ازدياد الحوادث وتفاقم الأزمة المرورية، تؤكد السيدة أماني عبدالرحمن، 43 عاماً، الموظفة في القطاع الحكومي رفضها للقيادة، خوفاً من أمر آخر مغاير تماماً، ألا وهو اعتماد ربّ الأسرة على المرأة بشكل أكبر، وتحميلها مسؤوليات من المفترض أن يتحمّلها هو، وهذا سيزيد نسبة المتخاذلين من الرجال، الذين سيرمون احتياجات المنزل والأبناء خلف ظهورهم لوجود البديل.
السيارات الوردية اللامعة
وعلى سبيل الفكاهة، علّق الكثير من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي على موضوع قيادة المرأة في المملكة بنشر صور لسيارات وردية مزيّنة بـ«الغليتر» و«الفصوص اللامعة»... صور قد تكون شبيهة بصور سيارة أحلام كل فتاة تحب التفنّن بالمظاهر. وتعليقاً على ذلك، نشرت خبيرة المظهر السعودية رنا الأحمدي عبر حسابها على «الإنستغرام»، وعلى سبيل الدعابة، أن لا بد من انتقاء السيارة بلون يناسب لون بشرة قائدتها، معلّلةً سبب هذا التوجه الى البهرجة بكون المرأة السعودية محرومة من قيادة سيارة تخصّها. ولذلك تعتقد الأحمدي أن فور تطبيق هذا القرار سيظهر الكثير من السيارات الأنثوية في الشوارع، والتي ستعكس شخصية كل امرأة تقودها، بدءاً بالكتابات والألوان وصولاً الى تعديل السيارة وإضافة أكسسوارات داخلية وخارجية... ومما لا شك فيه فإن اهتمام المرأة بهذه الجوانب سيزيد الإقبال على محال زينة السيارات وتنظيفها أكثر من السابق.
تخفيض عدد السائقين والحوالات الخارجية من أبرز الإيجابيات الاقتصادية
وعلى الصعيد الاقتصادي، ترى المحلّلة الاستراتيجية الدكتورة نوف الغامدي أن المرأة نالت حصة الأسد في عهد الملك سلمان حفظه الله، الذي وثق بالمرأة السعودية وإمكانياتها وجعلها محوراً لصناعة الحدث، في منظومة الإصلاح والتحول التي ستعزّز مشاركة المرأة في المجتمع. وتلخص الدكتورة الغامدي الآثار الاقتصادية الإيجابية المترتبة عن هذا القرار ببنود عدة، أولها تقليل نسبة التحويلات الخارجية في المملكة بعد أن بلغت أوجّها بين عامي 2012 و2015، حيث صُنّفت المملكة ثاني أكبر دولة في العالم في ما يتعلق بتحويل الأموال إلى الخارج وفقاً لتقرير البنك الدولي، ليصل إلى 41.8 مليار ريال سعودي، وتقضي ضرورة هذا القرار بخفض عدد السائقين الذين يشكلون نحو 4.6% من إجمالي 10.7 مليون عامل من غير السعوديين. لذا، فإن هذا القرار سيزيد من تمكين المرأة في سوق العمل وإتاحة الفرص أمام الخرّيجات اللواتي يشكّلن نحو 49.6% من خرّيجي الجامعات في المملكة، واللواتي لا يعمل منهن سوى 16% فقط.
حراك اقتصادي وتوجّه نحو الاعتماد على أبناء الوطن
جريء، حكيم وإيجابي...، تلك هي الكلمات التي وصف بها القرار الكاتب والصحافي السعودي عبدالله الملغوث، والذي يرى أن من الطبيعي وجود آراء سلبية ومخاوف لكون القرار لا يزال حديثاً. ولكن الإيجابيات كثيرة جداً، فإضافة إلى ما أشارت إليه الغامدي سابقاً، ثمة منفعة من تخفيف العبء على الأسر السعودية التي تدفع حوالى 33 مليار ريال سعودي كرواتب للسائقين، والذين قد يكون بعضهم غير كفيّ أساساً، سواء من ناحية الخبرة أو السلوكيات. وهذا القرار، إضافة إلى كونه يدعم المرأة السعودية وحقوقها، هو حراك اقتصادي وتوجّه نحو السعي إلى مجتمع يعتمد على أبنائه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024