تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

يامن الحجلي: أكره الكتابة لأنها تجلدني وتستفزني

فنان لا يستكين للأمر الواقع ويرفض أن يكون أسيراً لما يُقدم له فقط، يسعى دائماً إلى اختراق أفق جديدة، مجتهد وباحث عن المختلف، واستطاع أن يثبت نفسه حتى في السينما التي طرق بابها منذ سنوات عديدة، ففتحت له ذراعيها، واليوم ينتظر عرض فيلمه الأحدث «طريق النحل» خلال فترة قريبة. 

هذا التوق نحو الفرصة الأفضل أوصله إلى أماكن أخرى إضافة إلى التمثيل، فقد خاض غمار الكتابة الدرامية التلفزيونية، وحقق بصمة واضحة فيها بالشراكة مع الكاتب علي وجيه.
واليوم، يخوض تجربته الثالثة في هذا المضمار من خلال مسلسل «هوا أصفر» الذي كتبه مع شريكه ويؤدي فيه أحد الأدوار الرئيسية، وقد بدأ تصويره أخيراً تحت إدارة المخرج أحمد ابراهيم أحمد، ويشاركه البطولة فيه كل من الفنانين: سلاف فواخرجي، يوسف الخال، ووائل شرف... مراهناً من خلاله على أسلوب المعالجة الدرامية، والسعي إلى الغوص عميقاً في العلاقات الإنسانية وطبيعة المجتمع تحت العنوان العريض للصراع الأزلي بين الخير والشر.
كثيرة هي المحاور في حديثنا مع الفنان يامن الحجلي، والبداية من مسلسل «هوا أصفر».


غيمة العنف والقسوة

- عرّفت «هوا أصفر» بأنه مسلسل مليء بالقسوة، فكيف عالجت فكرته وقدمتها ليتقبَلها الجمهور؟
الفن إما أن تقبله أو لا تقبله، ولدي إيمان مطلق اليوم بأن جميع الأفكار تم استهلاكها، فلم يعد هناك ما هو جديد على صعيد طرح الفكرة.
أما موضوع القسوة، فهو «ستايل» قائم في حد ذاته على مر العصور، بداية من المسرح، لكن بالنسبة إلي والى شريكي علي وجيه، فإن قدّمنا عملاً مفصولاً عن الواقع، فالتأكيد سيكون غير صادق، نحن ضد التجميل والتزييف، بل مع طرح العنف في إطار فني ليكون هدفه ذا مضمون وقيمة، موجّهين من خلاله رسالة لها تأثير في الناس.

- هل تشمل في كلامك هنا العنف والقسوة بكل أنواعهما؟
من قال أننا اليوم في مجتمعاتنا وفي منطقة بلاد الشام كلها لا نعيش تحت غيمة العنف والقسوة، فالعنف لا يتعلق بالذبح والقتل فقط، وإنما قد يكون عنفاً لفظياً، يتعلق بحرق مشاعر، وخطف الحب من القلب الذي سكن داخله لسنوات وتحويله إلى مسار آخر، وهذا في رأي قمة العنف، فالتعنيف الروحي وتعنيف المشاعر أقسى بكثير من التعنيف الجسدي.


بين الحدث والحكاية

- لماذا تعتمدون على الحدث في «هوا أصفر» مبتعدين عن المنطق الحكائي لشهريار... «أعطني حكاية»؟
الحدث هو من يصنع الحكاية في مسلسلنا لأنه يغيّر مسارات، لا بل لديه القدرة على تغيير مسار كامل لشخصية تتابعها كمتلق وتشعر أنها تسير نحو اتجاه معين، لكنها تصل إلى لحظة تُفاجأ أنها ذهبت في اتجاه آخر مختلف تماماً وعلى عكس كل التوقعات.
وبالنسبة إلي، فإنني أرى أن الحدث في العمل الدرامي يصنع الحكاية وهو الذي يكوّن المنطق الحكائي. لذلك، تجد أن «هوا أصفر» قائم على الحدث، وفيه الكثير من الأكشن والتشويق.

- هل هناك لعب في الزمن بين الماضي والحاضر كما حدث في مسلسل «أحمر»؟
لا أبداً، فالماضي إما أن يُحكى عنه من خلال الكلام وفق منطق المونولوج، أو من خلال اختيار منطق الفلاش باك الذي سيتم تقديمه بطريقة جديدة، وليس بالإطار الكلاسيكي الذي اعتادت أعمال كثيرة اللجوء إليه، أي أن تغمض الشخصية عينيها ونذهب إلى مشهد بلون مختلف عن لون مشاهد الحاضر، لذلك نحاول بالاتفاق مع المخرج أحمد ابراهيم أحمد، أن نجد حلاً بصرياً مختلفاً لهذا الأمر.

                                     
الابتعاد عن الحرب

- لماذا يبتعد المسلسل عن تفاصيل الأزمة والحرب على رغم أن زمن أحداثه هو الحاضر؟
ينتمي العمل إلى زمن 2017، أي أن أحداثه تدور وقت الأزمة، لكنني مع شريكي في الكتابة علي وجيه، تناولنا الأزمة كثيراً في أعمالنا السابقة، كما أن الأزمة بشكل عام حُكي عنها وقُدم حولها الكثير من الأعمال، لكن في المسلسل الجديد لدينا معطيات وتفاصيل ناعمة وبسيطة، عندما يراها المشاهد سيجد أن الأحداث تدور عام 2017، ففي النهاية لا تستطيع أن تقدم عملاً مفصولاً أو مسلوخاً عن الواقع.

- لكن عندما تتحدث في عملك عن الفساد، لا يمكن التغاضي عن الفساد الناتج من الأزمة!؟
موضوع المسلسل ليس الفساد أو الأزمة أو المرحلة الحالية، وإنما الإنسان، إذ يتناول قصة حب تدور بين أربعة أبطال، يؤدي أدوارهم كلَ من الفنانين سلاف فواخرجي، يوسف الخال، وائل شرف، وأنا.
المسلسل يتحدث عن مجموعة من الشخصيات، لا تلبث أن تترابط مع بعضها البعض رويداً رويداً، وتتشابك بخطوط درامية تحدث أمامنا كمشاهدين، وفي الوقت نفسه هي شخصيات تحمل ماضيها وتاريخها اللذين سنراهما على مدى ثلاثين حلقة.

- يشكل الحب في المسلسل سبباً لصراعات مختلفة، فإلى أي اتجاه تنحو هذه الصراعات: الفساد أم التسلط أم ...؟
الخط السوري يدخل إلى فساد المؤسسات والبيروقراطية فيضيء هذا الجانب، لكن هذا الموضوع ليس هو الأساس، أما في الخط اللبناني فنطرح الفساد المرتبط بتبييض الكتل المالية الكبيرة وأشكال تبييضها، ونحكي فيه عن منطق البناء الذي يحدث، ومن خلال شخصية كريم التي يؤديها الفنان يوسف الخال، نتناول تلك الهالة الكبيرة التي مظلتها «هوا أصفر»، لا بل إنها تحتمي تحت الهواء الأصفر، وهناك شكل آخر لهذا النمط من الشخصيات عبر الخط السوري، وهو شخصية (أمير) التي أقوم بأدائها، فأمير وكريم وجهان لعملة واحدة في بلدين مختلفين.


السينما بوابتي الى الفن

- كيف تصف تجربتك السينمائية مع المخرج عبداللطيف عبدالحميد، وما الجديد فيها؟
هناك تجربة جديدة عبر الفيلم الروائي الطويل «طريق النحل»، وهو ثالث فيلم يجمعني مع المخرج عبدالحميد، وقد احتاج مني وقتاً طويلاً، حيث تفرغت له لمدة ستة أشهر ولم أستطع خلالها العمل في الدراما التلفزيونية، مما جعلني أعتذر عن كل العروض التي أتتني، وما إن انتهينا من تصوير الفيلم حتى بدأنا بكتابة مسلسل «هوا أصفر».
لقد دخلت بوابة الفن من خلال السينما وليس التلفزيون، فوقوفي الأول أمام الكاميرا كان في السينما عام 2009 عبر فيلم «مطر أيلول» من إخراج عبدالحميد، وكان أول المخرجين الذين احتووني منذ تخرَجي في المعهد العالي للفنون المسرحية، وفيلمي الثاني معه حمل عنوان «أنا وأنت وأبي وأمي».

- أين تكمن خصوصية مشاركتك في فيلم «طريق النحل»؟
إنني البطل في الفيلم، ودائماً مع المخرج عبداللطيف عبدالحميد أكون في هذه الأماكن، وهي شخصيات يرى أنني قادر على إنجازها، فثقته بي عالية جداً، كثقتي به تماماً.
فيلم «طريق النحل» قصة حب لطيفة تحدث مع شاب بسيط هرب من مكان تحت الضرب، وهو بيئة حاضنة إلى حد ما من دون التطرق الى هذا الموضوع، لكن نحكي عنه من خلال تفصيل ناعم، إذ إنه فقد أهله وناسه كلهم، يستأجر منزلاً دمشقياً تعيش فيه فتاة وأخوها، وتنشأ علاقة حب بينه وبينها... هذا الخط العام للفيلم، وهناك تفرعات لطيفة جداً، فالمخرج عبدالحميد يكتب نصه بنفحة إنسانية عالية جداً تشبهه كإنسان.

- هل أنقصت وزنك بسبب «طريق النحل»؟
كان مطلوباً مني أن أنحف بعض الشيء من أجل الشخصية التي أؤديها في «طريق النحل»، لكن يبدو أنني نحفت اليوم أكثر مما هو مطلوب مني.


بين التمثيل والكتابة

- كيف ترسم شخصياتك وتكتب حواراتها، بخاصة أنك في الأصل ممثل؟
نسعى إلى طرح شخصيات تكون جديدة على الصعيد الروائي والحكائي، وأظن أن الحكايات جديدة، والشخصيات مغرية للممثلين، وهذا الأمر أحاول أن أشتغل عليه كثيراً، فأنا كممثل أضع خبرتي كلها في صناعة الشخصية، حتى وإن لم أكن أنا من يؤديها، وإنما أفعل ذلك مع كل الشخصيات.
حتى أنني سمعت ملاحظات من زملاء سبق وشاركوا في أعمالنا التي كتبناها أنا وعلي وجيه، وقالوا أن الشخصية لا تحتاج إلى شيء، فهي جاهزة ليتم تقديمها كما هي. والحقيقة، أننا أثناء الكتابة نتعب في التركيز على تفاصيل، ونرسم سلوك الشخصية.

- أيهما الأكثر متعة لديك: التمثيل أم الكتابة؟
أكره مهنة الكتابة ولا أحبها لأنها تجلدني روحياً، وتستنزفني وتأخذ كل مخزوني، كما أعتبرها عملاً مضنياً، وبالتالي هي ليست ممتعة بالنسبة إلي، عكس مهنة التمثيل، التي تشعرني بالسعادة والمتعة، وذلك رغم التعب والجهد اللذين أبذلهما فيها.        

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078