تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

كيف أُخبر أبنائي عن مرضي الخبيث؟

كيف أُخبر أبنائي عن مرضي الخبيث؟

غالبًا ما يكون وقع الإصابة بالسرطان قاسيًا على جميع أفراد العائلة الصغيرة أو الكبيرة، فكيف إذا كانت الأم هي المريضة، والتي يظن الأبناء تحديدًا أنها بمنأى عن المرض؟ صحيح أن الطب يشهد الكثير من التطور على صعيد الإصابة بسرطان الثدي، ولكن يبقى وقعه على الأبناء، ولا سيما إذا كانوا صغارًا، مؤلمًا، فهم لا يدركون الأسباب، ويخشون رحيل والدتهم عنهم، خصوصًا إذا كانوا يختبرون مراحل العلاج التي تمر بها.
فكيف على الأم التحدّث عن مرضها إلى أبنائها الصغار؟ وهل تجدر مصارحتهم حول المرض؟
ليس سهلاً على الأم إخبار أبنائها عن مرضها، خصوصًا إذا كان سرطانًا، ولكن عليها في الوقت نفسه ألا تخفي الأمر عنهم، وتشرح لهم بمساعدة الوالد كل مراحل العلاج كي يكونوا مستعدين لكل الاحتمالات. وهذا ما ينصح به اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق الأم المصابة بسرطان الثدي.

إعلام الأبناء من دون تردّد
بالنسبة إلى الجميع فمن البداهة أن الأم مريضة، إذ لا يمكن إسكات المرض، وإخفاؤه عن الأبناء. ومع ذلك بعض الأمهات يحاولن الصمت، وعدم إعلام أبنائهن لحمايتهم من الألم، ولكن يؤكد الاختصاصيون أنه إذا لم تخبر الأم أبناءها فإنهم سوف يتخيلون الأسوأ.
لذا، سواء كان الأبناء أطفالاً صغارًا أو مراهقين، فإن إعلامهم بمرض أمهم ضروري، ولكن بشروط. فكل شيء يبدأ لحظة إخبارهم بالمرض. فهم يريدون الحقيقة، يريدون أن يعرفوا لماذا أمّهم متعبة، وتتألم طوال الوقت؟ لذا، فإن إعلام الأبناء الصغار يجب أن يكون بسيطًا وبكلمات رقيقة، وهذا يعني تدريجًا، لأنهم يلاحظون أنها لم تعد تهتم بالأعمال المنزلية كما في السابق، وتزور الطبيب دوريًا، وفي كل مرة تعود إلى المنزل تكون تعبة.

البساطة في إخبارهم
على الرغم من ميل الوالدين إلى الطرق غير المباشرة في إعلام أبنائهما بإصابة الأم بسرطان الثدي، فإن الأبناء بغض النظر عن سنّهم، وفي كثير من الأحيان يدركون أهمية الحديث، والالتفاف حول الموضوع قد يزيد قلقهم وتوترهم.
لذا، يجب ألا يرافق خبر إعلامهم أن والدتهم مصابة بسرطان الثدي الكثير من المقدّمات وتمويه الحقيقة. كما ينبغي أن يتم الإعلان في مكان مطمئن لهم، ومن الناحية المثالية ومن جانب الأم والأب معًا.
وإذا كان هناك أكثر من طفل واحد في الأسرة، فمن المستحسن أن يتم الإعلان في الوقت نفسه لجميع الأبناء، بغض النظر عن سنّهم، لتجنيب أحد الأبناء الشعور بأنه هو آخر من يعلم، وبالتالي الحؤول دون إحساسه بالاستبعاد، أو على العكس من ذلك، كي لا يحمل أحدهم ثقل المعلومات. لذا، من الأفضل أن يسمع الجميع الخبر في الوقت نفسه وفي المكان نفسه.

التحقّق من أنهم يفهمون معنى المرض
من المهم التحقق من أن الأبناء، ولا سيما الصغار منهم يفهمون كلمات: سرطان، ثدي، المرض، العلاج الكيميائي... وغالبًا ما تُسمع الكلمات من دون أن تكون مفهومة بالضرورة. ولذلك يوصى بالتحقّق مما إذا كانت الكلمات المستعملة مفهومة وتُفسّر بوضوح.
لذا، يمكن البدء بتعريف ما يحدث مع الوالدة بالشكل الآتي: «في ثدي الأم كرة صغيرة جدًا، انتزعها الطبيب ليرى ماذا في داخلها، واكتشف أنه كان شيئًا سيئًا». وهناك بضع كلمات بسيطة تساعد في التحدّث عن الإصابة. ثم بعد ذلك تذكر كلمة سرطان.
ويُشرح للطفل أن في جسم الإنسان خلايا تتجدد باستمرار. ولكن في بعض الأحيان، تصبح مجنونة قليلاً، وهناك علاجات لها، وأن الجميع يفعل ما في وسعه لعلاج الأم.

الدقة في التحدّث عن التفاصيل
بعض التفاصيل الرئيسة يجدر التحدث عنها، فحقيقة أن الجميع يعرف التفاصيل نفسها، الكبار وكذلك الأطفال، يرفع ضغط السرية عن أكتاف البالغين ويمنع الصغار من تصوّر الأسوأ.

حفاظ الأم على دورها
بمجرد الإعلان عن المرض، فإن معركة أخرى تبدأ: وهي الحفاظ على دور الأم، رغم مرضها. الجراحة والعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي: رحلة حقيقية للأم المقاتلة التي غالباً ما تصبح غير قادرة على رعاية أطفالها الذين بدورهم يحتاجون إلى الكثير من المعلومات والدعم.
إذ ليس من السهل رؤية والدتهم مريضة، وكثيرًا ما تكون كلمة «السرطان» مصدرًا للخوف والصمت. من أجل تجنب الحرج الناجم عن الرغبة في حمايتهم من هذا الواقع، على الأهل تجاوز الصمت.
ولكن بعد الإعلان عن المرض، قد يطرح الأطفال السؤال علنًا أو سرًا، أي يسألون أنفسهم: هل ستموت الماما؟ وهذا بلا شك أحد الأسئلة التي تخشاها الأمهات المصابات بسرطان الثدي. فما هو الجواب المناسب؟ يقول الاختصاصيون إن ذلك يعتمد على مرحلة المرض.
فإذا كان في إمكان العلاجات أن تؤدي إلى الأمل، فإن ليس من المناسب التحدّث عن الموت، وخاصة إذا كان الطفل لا يتكلم على ذلك بأسلوب عفوي. أما إذا كان المرض يتطور سريعًا، فربما يكون الوقت قد حان لتناول هذا الموضوع.

التحدث ثم التحدّث
والتحدّث عن المرض لا يكون فقط بالكلمات، وإنما من خلال الصور. فلسرطان الثدي اسم، وكذلك وجه يمكن رسمه للطفل. ومن المهم أيضًا الشرح للطفل الصغير وبشكل صحيح عن مراحل العلاج وآثاره الجانبية.
ومن المهم أيضًا اختيار اللحظة المناسبة للتحدث إلى الأبناء عن المرض، وأن يكون الحديث واضحًا ومتضمنًا الحقيقة بتفاصيلها، وإلا سوف يشعر الأبناء أن هناك خطبًا ما يخفيه الوالدان، وأنهما لا يثقان بهم.
صحيح أن ليس سهلاً على الإنسان بعامة أن يعرف أنه مصاب بمرض خبيث، لذا ينصح اختصاصيو علم النفس أن يكون الوالدان واقعيين ويخبرا أبناءهما عن المرض بوضوح ومن دون تهويل الأمر عليهم، وجعلهم يتوقّعون كل ما سيحدث خلال فترة العلاج، كي لا يفاجأوا بتساقط شعر والدتهم، وعدم قدرتها في بعض الأحيان على مغادرة السرير.

المشاركة
في كثير من الأحيان، لا يجرؤ الأبناء على السؤال عما إذا كانت والدتهم في حاجة إلى مساعدة، ولكنهم في الواقع يحتاجون إلى المشاركة في إجراءات العلاج التي ستخضع لها والدتهم. فهم يحبون أن يعرفوا ما يمكنهم القيام به لمساعدة أمّهم المريضة، كالتعرّف إلى غرفة العلاج، وحتى لقاء الطبيب المعالج. كل هذا يتيح لهم فهمًا أفضل لهذا الواقع الجديد. بعدها، يمكنهم شرح ذلك بشكل أفضل لأصدقائهم وبناء قصة حقيقية.

كيف يمكن مساعدة الأم والأبناء على تخطي هذه المحنة بأقل خسائر نفسية ممكنة؟
من أجل مساعدة الأم وأبنائها على تخطي هذه المحنة، للعائلة الكبيرة، أي الخالات أو العمّات أو الأخوال أو الأعمام دور في المساعدة. مثلاً، اصطحاب الأبناء إلى الحديقة، الذهاب إلى السينما، تحضير العشاء لهم، جلب الألعاب والأفلام إلى المنزل، أي إيجاد كل الطرق لدعم الأسرة.
فشعور الأبناء بدعم الأقارب لهم ومساندتهم سوف يُشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك دائمًا أشخاصًا إلى جانبهم، وهذه وسيلة جيدة لتخفيف التوتر الذي يسود البيت وبث التفاؤل في نفوس الأبناء.
وما من شك في أن مرض الأم قد يؤثر في أداء الأبناء الأكاديمي. لذا، من الضروري التحدّث إلى إدارة المدرسة لتقديم الدعم النفسي والأكاديمي من طريق تفهم توتّر التلميذ والتغير الذي قد يطرأ على سلوكه وأدائه المدرسي، مثلاً التأكد من أنه فهم شرح المعلمة جيدًا، أو مساعدته في إنجاز فروضه المنزلية، من خلال دروس الدعم المدرسي التي تتوافر للتلامذة بعد الدوام المدرسي. كما يُطلب من الأب أثناء فترة خضوع الأم للعلاج أن يكون على اطلاع مستمر على أداء أبنائه الأكاديمي.


بعض الإرشادات التي يمكن اتباعها:

· كوني صريحة مع ابنك، ولكن اختصري الشرح. أجيبي عن كل أسئلته، كما يمكنك أن تحضري له بعض الكتب الطبية التي تشرح عن طبيعة المرض، إذا أصرّ على معرفة المزيد. فبعض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والعاشرة يسألون عن الكثير من المعلومات، وبعضهم الآخر لا. وتفهّمي أن أسئلته قد تكون في اللحظات غير المناسبة، فالأطفال لا يدركون متى وأين يبدون تحفّظهم، ولا تكوني غامضة في أجوبتك.

· تحدثي إليه بطريقة متفائلة، أظهري له التفاؤل والأمل في تصرفاتك. من المعروف أن الطفل يخاف كثيرًا عندما يمرض أحد والديه. لذا، حدّثيه عما يمكن أن يحصل، ولكن لا تُسهبي في الشرح، لأن ذلك سوف ينغّص عليه حياته ويجعله طفلاً حزينًا.

· عرّفيه بالمستجدات التي قد تطرأ على علاجك، كأن تصحبيه معك إلى الطبيب، واسمحي له بطرح الأسئلة، أو بزيارتك أثناء خضوعك للعلاج في المستشفى، واعلميه عن الشخص الذي سوف يعتني به أثناء ذلك.

· لا تتجاهلي وجوده أثناء تحدّثك مع الآخرين، وتذكّري أنه موجود ولا بد من مشاركته في ما يحدث. فالطفل حساس جدًا، ويدرك تمامًا ماذا يدور من حوله، ويستطيع أن يفهم كل شاردة وواردة في أحاديث الراشدين.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079