تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

بعد انقضاء مدّة العقوبة: سجينات سعوديات يرفض أهلهن استلامهن

الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الإدارة العامة للسجون في المملكة العربية السعودية تؤكد أن 36 في المئة من السجينات المفرج عنهن يعُدن إلى الجريمة لعدم تقبّل المجتمع لهن. هذه النسبة ترجمها واقع السجينات في المملكة، اللاتي التقت «لها» عدداً مهن وأكدن أنهن يفضلن «البقاء في السجون»، على «العودة الى المنزل».

وقالت إحدى السجينات التي رفضت عائلتها استلامها والتي التحقت بإحدى المؤسسات التدريبية في المنطقة الشرقية: «فضلت العودة الى السجن مدة عام ونصف العام بعد انتهاء محكوميتي على العودة إلى المنزل، فوالدي رفضني، وأهلي اعتبروني عيباً اجتماعياً لا يمكن إصلاحه، فقضيتي تتعلّق بالمخدرات، ومشكلتي كانت رفاق السوء، وصدر حكم بسجني  ست سنوات، وبعد انتهاء الحكم رفض والدي استلامي، وفضلت البقاء في السجن والتحقت بعدها بإحدى المؤسسات التدريبية وحصلت على شهادة وبدأت مشوار العمل». لم يبدأ مشوارها لكي ينتهي، فهي ما زالت تبحث عن مأوى لها، وفق تعبيرها وتضيف: «ندفع ثمن الخطأ ونُحرم من ممارسة الحياة الطبيعية كالزواج والأسرة والأمومة، وحب الوالدين». ترفض الحديث عن مكان عيشها وتقول: «ربنا ما ينسى أحد». لمحة من حكايات ومعاناة نساء كثيرات يختبئن خلف  قضبان السجون وداخل أسوار البيوت بسبب الرفض الأسري واعتبارهن عيباً اجتماعياً. في هذا التحقيق، تفتح «لها» ملف السجينات اللواتي انتهت محكوميتهن وتقف على معاناتهن.

تفضل أن تطلق على نفسها اسم «نورة»، سجنت سبعة أعوام ثم أفرج عنها، تقول: «لم يعد مقبولاً هذا التجاهل الذي تلاقيه المرأة السجينة بعد الإفراج عنها... فلا المجتمع يقبلها ولا أسرتها... ولا حتى أصدقاؤها، وخصوصاً اللاتي سُجِنَّ بتهم أخلاقية. وهذا يدعونا إلى لفت نظر الجهات المختصة الى عدم توجيه تهم أخلاقية الى ممارسات بسيطة خاطئة لا ترقى الى مستوى الجريمة الأخلاقية ويمكن حلّها من دون عقوبة السجن. هناك العقوبات البديلة للسجن، كتقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية أو أي خدمات بدلاً من زجّها في السجن وتدمير مستقبلها تماماً، لأن المرأة السعودية التي يحكم عليها بالسجن في قضية أخلاقية ينبذها المجتمع ويرفض التعامل معها، وكذلك ترفض أسرتها استقبالها وتُترك في السجن بعد انقضاء فترة عقوبتها خوفاً من نظرة المجتمع، والشعور بالخزي والعار، وأحياناً تكون حياتها مهددة من قبل أسرتها نفسها. لهذا على الدولة حمايتها، وإيجاد بدائل آمنة لها لتبدأ حياتها من جديد خارج أسوار السجن ويتم تدريبها وتأهيلها للعمل والزواج. فلا بد من توفير كل أنواع الرعاية والاهتمام حتى تندمج السجينة في المجتمع بعد نيل حريتها وتنفيذ عقوبتها كاملة. علينا العمل بشكل جدي لتغيير نظرة المجتمع الخاطئة، التي تنبذ المرأة السجينة وترفضها». تتوقف برهة وتقول: «هذه مقالة خاصة بي كتبتها وأنا خلف أسوار السجن إذ لم أجد وسيلة للبوح عما يدور في داخلي سوى أن اكتب بقهر وحرقة ومرارة لأشعر بالارتياح ولو قليلاً».

وتستدرك في مقالتها حال لسانها البائس الحزين وتردد: «وللأسف هذه النظرة وليدة العادات والتقاليد لدى بعض أفراد المجتمع، وهي نظرة بعيدة من روح التسامح الذي يحض عليه ديننا الحنيف، وأيضاً الثقافة المنتشرة بين الناس والتي تحدد لهم مسارات حياتهم، لذلك كله نطالب الجهات المعنية بإصدار الأنظمة والقوانين التي تنظم العلاقة بين الأسرة والمرأة السجينة وعدم ترك أي ثغرات تسمح للأسرة برفض تسلم ابنتها التي أنهت فترة عقوبتها، وأن تُلزم هذه القوانين الجهات المعنية توفير أماكن آمنة لمن ترفض أسرتها استلامها من طريق الجمعيات الخيرية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني».

وتؤكد أن هناك الكثيرات اللواتي ترفض عوائلهن استلامهن رغم انتهاء مدة العقوبة. فقد كشفت المشرفات على السجون النسائية في السعودية عن سجينات يقضين فترات سجن تمتد الى عشرة أعوام من دون عقوبة أو جريمة أو أحكام بسبب رفض عائلاتهن استلامهن، وتقول: «نعم ما قلته صحيح وهذا واقع عايشته وأود نقله الى المهتمين».

أما سهيلة، وهي أم لأربعة أبناء أكبرهم يبلغ 15 عاماً، فأودعت السجن لسنتين بسبب بلاغ من طليقها يتهمها فيه بارتباطها بعلاقات غير شرعية أثناء فترة زواجهما. وبعد فترة من بقائها في السجن وانتهاء عقوبتها، طلبت الجهات الأمنية من عائلتها استلامها مع أخذ تعهد بعدم العودة مرة أخرى، إلا أن عمّها رفض استلامها فمكثت في السجن ما يقارب تسعة أشهر بعد انتهاء محكوميتها، لأنها مرهونة باستلام عمّها لها والذي رفض ذلك بذريعة أنها لم تراعي عائلتها عندما استقلت بالسكن مع أولادها بعد طلاقها، وقالت: «أخذ عمي إقراراً من جميع العائلة بعدم استلامي مما أصابني بحالة نفسية سيئة»، ولا تزال تعيش في إحدى دور الإيواء.

وتقول ثانية: «أنا ضحية أسرة مفككة، سجنت بسبب قضية أخلاقية، ورفض أهلي استلامي وحُولت إلى دار الإيواء بسبب ذلك، وما زلت منتظرة أن يعطف عليّ أهلي ويتقبلوني لأخرج وأعيش حياة طبيعية وأنصح الأسر بالحفاظ على بناتها». وسجينة أخرى تؤكد أن زوجها دفعها للسرقة ثم طلّقها بعد دخولها السجن. وعندما أنهت محكوميتها لم يتعرف إليها أحد حتى أبناؤها، وتقول: «خرجت من السجن وتفاجأت بأن زوجي متزوج وأبنائي لا يعرفونني، والجميع ينظر إليّ على أنني مذنبة وسأسيء الى سمعة العائلة بوجودي معهم».

رأي علم النفس

يرى الاختصاصي في الشؤون النفسية الدكتور احمد غالب أن بعض أولياء الأمور يعتبرون عودة ابنتهم السجينة إلى المنزل مسألة حياة أو موت، ويضطرون الى إبقاء السجينة في السجن بعد انتهاء محكوميتها. وفي بعض الحالات تطول مدة المفاوضات حتى يتم استلامها من ولي أمرها بعد أخذ الضمانات اللازمة منه بعدم إيذائها. كما تتم الاستعانة بلجان إصلاح ذات البين، وغيرها من الطرق التي تتخذ في مثل هذه الحالات ولئلا تخرج المرأة من السجن إلى سجن ذويها وتواجه عقوبات صارمة من أسرتها رغم قضائها محكوميتها.

ويشدد على ضرورة توفير الحماية للمفرج عنهن من بطش الأسرة، وبعض أولياء الأمور يوضحون أنهم لا يستطيعون السيطرة على غضبهم تجاه المفرج عنهن أثناء إجراءات الاستلام»، مضيفاً: «الحالة النفسية التي تعيشيها السجينة داخل أسوار السجن تتطلب علاجاً نفسياً شاملاً وليس إيذاء. فالإيذاء والرفض قد يؤديان إلى الانتحار وهنا ندخل في دوامة جديدة، وتبدو لنا ظاهرة جديدة ربما نعجز عن علاجها وإيجاد حلول جذرية لها».

وأوضح قائلاً: «أرجعت الدراسات الحديثة أسباب رفض بعض أولياء الأمور استلام بناتهن بعد انتهاء عقوبتهن في قضايا مختلفة، إلى نظرة الأهل الى السجن والعادات والتقاليد الأسرية، كما كشفت نتائج دراسة اجتماعية حديثة أن حوالي نصف السجينات دخلن إلى السجن بسبب ارتكابهن جرائم أخلاقية، وأن غالبية السجينات عدن الى الجريمة بعد خروجهن من السجن في المرة الأولى. وقد طالبت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة، بإنشاء دور إيوائية للفتيات اللواتي أتممن محكوميتهن، وترفض أسرهن تسلمهن، وذلك لتأمين مأوى لهن، وإعادة تأهيلهن حتى يتمكنّ من الاعتماد على أنفسهن».

من جانبها، قالت الاختصاصية في الشؤون الاجتماعية الجوهرة الدرعان إن هناك سجينات رهن الاحتجاز الوقائي في السجون رغم انتهاء محكوميتهن لأنهن مهددات بجرائم الشرف. وأضافت أن بمجرد إيداع امرأة ما في الحبس لا يسمح لها بمغادرته إلا بموافقة وصي من أقاربها يزعم أنه يضمن سلامتها.

 وشددت الدرعان على حاجة السجينات الماسة إلى الإرشاد الديني والتربوي والنفسي، لأن العقد النفسية لدى بعضهن كبيرة جداً نتيجة تعرضهن للضغوط، وقد يؤثر هذا الأمر فيهن مستقبلاً حتى بعد خروجهن من السجن، مشيرةً إلى أن المذنبة يجب أن تعطى فرصة حقيقية للتوبة والإصلاح والاندماج من جديد في المجتمع. وبعض الأسر تتعامل، في كثير من الأحيان، بطريقة سلبية مع السجينة، وترفض بشكل قاطع استقبال بناتها بعد خروجهن من السجن، وربما تقطع علاقتها بهن كما قد تحرمهن من رؤية أطفالهن أو التواصل معهن.

الرأي القانوني

المحامية بيان الزهران طالبت مرات عدة بتحريك مسألة السجينات وقالت: «الأمر يحتاج الى حراك وتدخل من لجنة إصلاح ذات البين، ثم إمارة المنطقة لإلزام الأهل باستلام السجينة، أو تحويلها إلى دار الرعاية».

 فيما طالب المحامي محمد الوهيبي بضرورة إنشاء دار خاصة لإيواء هؤلاء السجينات بحيث تتبع جهات عدة حكومية وخاصة، فأسباب رفض بعض أولياء الأمور استلام بناتهن بعد انتهاء عقوبتهن في قضايا مختلفة يتأثر بنظرة الأهل الى السجن، والعادات والتقاليد الأسرية التي ترفض وجود فتاة داخل العائلة سبق أن سجنت، والتهرب من المسؤولية عند بعض الأسر، وأيضاً نوعية الجرم المنسوب الى الفتاة، لذا لا بد من شمل السجينة  بالعطف والرعاية، فبقاؤها داخل السجن بعد انتهاء فترة عقوبتها يجعلها تتعرف الى جرائم أخرى مختلفة. وأضاف: «من الضروري أن يتعامل ولي أمر السجينة معها بأسلوب علاجي أثناء وجودها في السجن وأن يبحث لها عن زوج ما لم تكن ذات زوج، ويتبع الطريقة الشرعية في توبتها حتى تتزوج من رجل صالح، وإن كانت ذات زوج فعلى عائلتها أن تستعمل أسلوب الإقناع لزوجها بما أنها تابت إلى الله».

 الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان

أكد الأمين العام للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان المستشار خالد الفاخري أن «ليس من مبرر لرفض الأهالي سجناءهم، لا سيما الإناث، فكل من يدخل السجن أو أية دائرة توقيف مبنية على حكم قضائي، تتضمن مدة محددة وبعد انتهاء الفترة قد ترفض بعض الأسر تسلم بناتها، ربما لخلاف بينها وبين عائلتها، أو بحكم العادات والتقاليد، فترفض الأسر التسلم خجلاً من الفعل الذي قامت به، فجميع ما ذكر لا يبرر رفضهم، لعدم تسلمهم لها فور إطلاق سراحها، فنحن نتطلع إلى الوعي المجتمعي والعفو والإصلاح لحفظ الحريات وصون كرامة الإنسان».

وكشف الفاخري أن هناك تحرّكاً واهتماماً في قضية تسلّم السجينات وفق ما وردنا أخيراً، فالعمل جارٍ على إيجاد آلية ما بين الجهات ذات العلاقة، من خلال استحداث أماكن بديلة من السجن توفر المأكل والمشرب وكل مستلزمات الحياة للسجينات، وهي أشبه بدور الإيواء للأيتام وغيرها من الفئات التي تشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية.

وقال: «الأماكن البديلة ستشرف عليها الشؤون الاجتماعية وسيتم انتقال السجينة بعد انتهاء محكوميتها إلى هذا المكان بدلاً من بقائها في السجن في حال واجهت رفضاً من عائلتها، والفرق عن السابق انه أصبحت هناك سرعة في الانتقال إلى مكان بديل بدلاً من البحث عنه أو بقاء السجينة في السجن. فعند انتهاء محكوميتها تُسلّم إلى الشؤون الاجتماعية من دون مخاطبات أو صعوبات في الحصول على موافقة استقبالها، فتنقل من ولاية السجن إلى ولاية الشؤون الاجتماعية، والآلية قد وضعت ببرامجها وبنودها الكاملة».

منوهاً بأن البرامج التي تنخرط فيها السجينات ما هي إلا نقلة نوعية فعلية، تم لمسها من خلال زيارتنا الميدانية، فالعديد من البرامج التدريبية تستفيد منها السجينات، سواء البرامج التعليمية، وتقديم فرص العمل، وبعض السجون خصصت أركاناً لمنتجات السجناء، لكن نطالب بزيادة توفير فرص دمج السجناء في المجتمع من خلال مشاركة رجال الأعمال والشركات الكبرى، بعمل شراكات أو فروع لمؤسساتهم لتعوّد السجين على العمل بما يعود بالنفع عليه وعلى مجتمعه».

الإدارة العامة للسجون في المملكة

أوضح مساعد الناطق الإعلامي المكلف للمديرية العامة للسجون في المملكة الملازم أول جلوي فهد الخامسي أن النزيلات بشكل عام يخضعن لبرامج متعددة تقوم إدارة الإصلاح والتأهيل بإعدادها، كما أن التأخير في حال تسلم ذويهن لا يعني إيقافهن وإنما إدخالهن في برامج متنوعة، حيث راعت خلال الاعداد أن تكون مناسبة للنزيلات وكذلك من ضمن متطلبات سوق العمل، وهناك تنوع في البرامج بحيث تناسب الفروقات بين النزيلات، وهناك تجديد للبرامج حيث يتم إعدادها بشكل دوري، حيث توجد البرامج التعليمية والبرامج الاجتماعية والنفسية والبرامج التشغيلية والبرامج الدينية وبرامج الوعظ والإرشاد وبرامج الحاسب الآلي والتي تتم بالتنسيق مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، كما يوجد داخل السجون النسائية عدد من الاختصاصيات في علم النفس يقمن بمتابعة حالة السجينة منذ دخولها حتى الإفراج عنها وتقديم المساعدة لها لتأهيلها نفسياً واجتماعياً، لا سيما من يرفض أهلها تسلمها، كما تقام داخل السجون محاضرات متنوعة نفسية واجتماعية ودينية وكذلك تنمية المهارات الفردية وزرع الثقة داخل النزيلات، والتنسيق مستمر مع المؤسسة العامة للتدريب المهني والتعليم التقني لعقد دورات تدريبية للنزيلات بشكل مستمر، على سبيل المثال التدريب على الحياكة والخياطة تنسيق الزهور، كذلك هناك جهود من صندوق المئوية لدعم مشاريع النزيلات بعد الإفراج عنهن وهذا يساهم في زرع الثقة في داخلهن وكذلك عودتهن الى المجتمع كعضوات فاعلات. والجدير ذكره أن كل شهادة، سواء في مجال التعليم أو التدريب تعطى للنزيلة لا يذكر فيها أنها كانت نزيلة ولا يتم التطرق الى ذلك... في حال تميزت السجينة في البرامج المقدمة لها من حيث المشاركة والاجتياز، فإن ذلك يساعدها في الاستفادة من بعض الصلاحيات الممنوحة للمديرية العامة للسجون من خلال الاستفادة من الشهر أو الشهرين المتبقيين من محكوميتها.

وعن فرص التعليم في الجامعات، أكدت المديرية أن هناك برامج محو الأمية والسجينات عادة تخطين الـ25 سنة، ويتم التعامل معهن وفق فرص محددة في التعليم، من خلال طرح برامج متنوعة تتناسب مع أعمارهن. كما أكدت إدارة السجون في ما يتعلق بتسليم السجينات الى ذويهن، أن هناك آلية جديدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، سيتم الإعلان عن تفاصيلها وبنودها كافة، من اجل توفير بيئة مناسبة للسجينات، تضمن حقوقهن.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078